الدرس الجوهري.. لماذا فشلت ثورة 25 يناير المصرية؟
بقلم: مجدى أحمد حسين*
كنا أمام ثورة على نظام استقر 30 عاما أى لأكثر من جيل كامل ، أهم سماته وخصائصه أنه نظام التبعية للحلف ال … الأمريكى تحت مظلة معاهدة كامب ديفيد التى أصبحت المرجعية الأولى للأمة فوق الدستور وفوق القرآن والسنة . فأى نص فى الدستور أو القرآن والسنة يمكن تجاهله ، ولا يحدث ذلك أبدا مع نصوص كامب ديفيد وملاحقها وما نجم عنها من اتفاقات فرعية عديدة مع أمريكا . وبالتعبير الشرعى فنحن أمام نظام موال للأعداء .
فساد نظام مبارك أو استبداده أو فشله فى التنمية ، وما أصاب به جموع الناس من فاقة وأمراض وبؤس وفقر ، كلها ليست إلا أعراضا للمرض الأصلى : التبعية أو موالاة الأعداء . وإذا لم يتم استئصال هذه الغدة السرطانية فلن يتم علاج كل هذه الأمراض الخطيرة . والشعب حين ثار فقد ثار ضد كل هذه الآثار التراكمية الناجمة عن هذه الغدة السرطانية : التبعية ، وقد كان يدرك كل هذه الأبعاد وقد اكتوى بها ثلاثة عقود ، وكانت بعض الهتافات العفوية خير تعبير عن ذلك : ارحل يعنى إمشى .. ياللى مابتفهمش .. ياللى بتفهم عبرى ” فى إشارة لعمالته لاسرائيل وقد تكرر هذا الهتاف كثيرا وبعيدا عن المنصات , وهتاف آخر ” يا مبارك يا جبان .. ياعميل الأمريكان ” وقد كان الهتاف الأبرز يوم جمعة الغضب. ولكن النخبة التى سيطرت على المنصات خاصة المنصة الرئيسية فى ميدان التحرير وسيطرت على المشهد السياسى من خلال الفضائيات لم تجتمع إلا على نقطة واحدة خلال أيام الثورة وقبلها وبعدها وحتى الآن ، النخبة التى اختلفت فى كل شىء ، أجمعت على الاتفاق على هذه النقطة الواحدة ” قدسية كامب ديفيد ” أى عدم التعرض للطبيعة الأمريكية الصهيونية لنظام مبارك . وعندما أقول النخبة أعنى كل فروعها : الاسلامية والوطنية وإن شئت العلمانية أو المدنية والعسكرية ، فالكل أجمع ولا يزال على أنه لا طاقة لنا بالحلف الصهيونى الأمريكى ، وقد نختلف معه ، ولكنه خلاف مؤجل لأجل غير مسمى ، والبعض لايرى خلافا معه بل يجب أن نعيش فى كنفه أو أن خلافاتنا من قبيل الخلافات داخل الأسرة الواحدة كذلك هناك من يعلى من شأن ما تشيعه العولمة من أن العالم أصبح قرية صغيرة ، ومن كل هذه المنطلقات فالنتيجة واحدة ، وهى قطع أى صلة بين مشكلات مصر الحادة وبين هذه الهيمنة الامريكية الصهيونية على مقدرات البلاد . وبالتالى لم يفهم الناس تحت الضغط الاعلامى على مدار عشرات السنين فى عهد كامب ديفيد العلاقة الوثيقة بين هذه الهيمنة وبين سائر مشكلات البلاد .
بل أكثر من ذلك تم تكريس أن أمريكا هى الحكم فى الخلافات بين الأطراف الثلاثة وبالفعل رجحت الكفة دائما مع من وقفت معه أمريكا فى اللحظة المحددة .
فعندما وقفت أمريكا مع الاطاحة بمبارك وأيدت التفاهم الثلاثى : الاسلامى – العلمانى أو المدنى – والعسكرى نجح هذا الثلاثى . والطريف أن الجميع يتناقل معلومة أن سامى عنان رئيس الأركان عاد من زيارته لأمريكا ومعه موافقة أو رغبة أمريكا للخلاص من مبارك ، ولا أعلم ماذا حمل عنان معه على وجه الدقة ؟ ولكن أعلم بالتأكيد أن أوباما بعد عدة أيام أمر مبارك بالتنحى الفورى، وأن الآن تعنى الآن.. now means now وذلك فى مكالمة هاتفية خشنة .
وعندما رعت أمريكا التفاهم العسكرى – الاسلامى أصبح هو المسيطر على البلاد .
وعندما رأت أمريكا وجوب إعلان نتيجة الانتخابات بفوز مرسى ، وقد كانت هى الحقيقة كما أتصور ، حدث ما أرادت ، رغم أن الشرطة العسكرية كانت قد ذهبت لحراسة منزل شفيق باعتباره الرئيس الفائز .
وعندما انقلبت أمريكا لصالح العسكريين والانقاذ كان لها ما أرادت : 30 يونيو ، وكان لها الفيتو قبل ذلك فى يناير أى قبل ذلك بستة أشهر حين جرت محاولة اقتحام الاتحادية ثم توقف الأمر .
ولكن العسكريين خدعوا أمريكا فى التفاصيل حين قاموا باستئصال الاخوان والاسلاميين من المشهد تماما ، وكان الاتفاق كما كشف البرادعى : الاحتفاظ بالاخوان فى المشهد وإعفاء مرسى بشكل لائق ! من خلال الانتخابات الرئاسية المبكرة ، بحيث لا يشارك فيها الاخوان ، وتحويلهم إلى الموقع رقم 2 وترك المواقع الأولى : الرئاسة والوزارات السيادية للعسكريين وبعض الانقاذ . كانت هذه هى الخطة الأمريكية ولكن ساعد العسكريين ان الاخوان أنفسهم لم يوافقوا على الخطة الأمريكية . ومع ذلك ظل الاخوان يحتفظون بروابط الصداقة والمودة مع أمريكا ويسعون عندهم كى تنصفهم وتعيد إليهم الحق المسلوب !
والاعلام المصرى الرسمى على كثرة انتقاده لأمريكا لأنها لا تزال تقابل الاخوان مودة بمودة فإنه انتقاد أقرب إلى عتاب المحبين . ولذلك كثيرا ما يقول اعلام 30 يونيو كلما حدث تحسن فى العلاقات مع أمريكا : هاهى أمريكا تعود إلى رشدها وتعترف بالحقائق . واستقرت العلاقات المصرية الأمريكية من جديد، وعادت أمريكا إلى تسليم الدبابات والطائرات فى إطار المعونة المتفق عليها ، بينما تواصلت طول الوقت عملية تسليم باقى أنواع الأسلحة والمعونة المدنية ، وأعطت أمريكا الضوء الأخضر لذراعيها الاقتصاديين : صندوق النقد والبنك الدولى ، لإعطاء شهادات حسن سير وسلوك للاقتصاد المصرى المتوعك مع تقديم 3 ونصف مليار دولار + مليار يورو من الاتحاد الأوروبى + 8.5 مليار دولار من السعودية بين استثمارات وبترول وديون سائلة + 1.5 مليار من الامارات + 1 مليار من الكويت + مليار ونصف من بنك التنمية الافريقى . مع استمرار هيمنة الشركات الامريكية والغربية على انتاج الغاز المصرى، مع التوافق فى السياسة الخارجية تجاه اليمن ، وفى ليبيا كان التوافق المصرى مع الشرق فى حين أن الغرب يسيطر على الشرق والغرب وحدث توافق فى مواجهة داعش دون إرسال قوات مصرية . أما العلاقات مع روسيا والصين فليست جدية ، بمعنى أنها لا تستهدف الخلاص النهائى من التبعية لأمريكا ولكن لتحسين شروط هذه التبعية . ولابد من التذكرة بأن الحصول على سلاح روسى او صينى بنسبة معينة كان مستمرا خلال عهد مبارك .
وهكذا فإننا نتوافق مع السياسات الأمريكية فى المنطقة العربية ، وأحيانا يتم ذلك من خلال السعودية فقد أصبحنا تابعين للتابعين ! ونلتزم بالسياسات الاقتصادية التى تطلبها أمريكا من خلال الصندوق . وداخليا أجرينا انتخابات البرلمان ليعلن الأمريكان انتهاء استخدام وصف الانقلاب . ولكن ظل الخلاف حول استئصال الاخوان وهذه هى النقطة الخلافية الأساسية التى يجرى تسويتها فى الكواليس ، والاخوان طرف ثالث فى هذه الكواليس ولكن لا يبدو أن هناك حلا يلوح قريبا فى الافق .
والاخوان لا يختلفون مع نظام 30 يونيو فى مجمل السياسات الخارجية والاقتصادية ، بل نجد بعض فروع الاخوان تتخذ نفس مواقف النظام المصرى كما هو الحال فى اليمن حيث يقاتلون بضراوة تحت قيادة السعودية ضد الحوثيين . أما فى مصر فنذكر أن السياسة الخارجية فى عهد مرسى لم تغير هذه الثوابت مع أمريكا لا فى الواقع العملى ولا فى مجرد الخطاب . وأكد مرسى فى خطابه الشهير بالاستاد فى 6 أكتوبر 2012 أنه حصل على 10 مليارات دولار بين قروض ومنح وأيد الاقتراض من صندوق النقد وأكد أنه حصل على 10 مليارات أخرى فى صورة استثمارت أجنبية ، ويبدو أنها كانت مجرد اتفاقات مبدئية أو وعود ، وهى نفس سياسة مبارك الاقتصادية .
أما ما هو مطروح الآن من الجميع على الفيس بوك والانترنت والفضائيات والصحف السيارة فهو يسير فى نفس الاتجاه الذى ساد على مدار أكثر من أربعين عاما فهو مايزال يستبعد مسألة التبعية لأمريكا ولا يتطرق لتدخل اسرائيل فى سيناء . فلم يلحظ أحد التصريح المدوى لمصطفى الفقى الذى قال فيه : لابد أن نطالب اسرائيل بأن تحل لنا مشكلة سد النهضة مع أثيوبيا للعلاقات الوثيقة بينهما مقابل ما نقوم به فى سيناء من خدمة لاسرائيل فى ضرب الارهاب الذى كان يهددها .
نعود إلى فكرتنا الأساسية ثورة 25 يناير هزمت لأنها لم تتعرض للسلطة الأساسية والأولى فى البلاد : أمريكا . ولاتزال كل الأطراف الثلاثة : العسكريون – التيار المدنى – الاسلاميون تتجاهل هذه القضية . بل الطريف أن العسكريين هم الأكثر انتقادا لأمريكا فى الاعلام للسبب المشار إليه .
ثورة يناير انتهت . ولم يكن برنامجها يقتصر على يقوله البعض: عيش – حرية – عدالة اجتماعية وإن كانت مبادئ لا خلاف عليها ولن تسقط ، فهذا الشعار قد أسقط شعار : يا مبارك يا جبان يا عميل الأمريكان وكان شعار جمعة الغضب ، شعار القضية الوطنية ، وهى القضية الأولى فى حياة الأمم .. عندما تكون بلد تحت الاحتلال أو الهيمنة المباشرة فإن قضية تحررها من المستعمر تظل هى القضية الأولى .. القضية الأم .
والآن ورغم كل المرارات المتبادلة بين الأطراف الثلاثة هل يمكن أن يتغلبوا عليها وأن يبحثوا عن صيغة توحدهم ضد الهيمنة الأمريكية وأن يتعاونوا لتحرير مصر وهى يمكن أن تسع الجميع .
*باحث إسلامي وكاتب مصري