الإمبراطورية الأمريكية تزحف نحو الشيخوخة السياسية

بقلم: عبد الهادي الراجح

توقفت طويلا أمام المناظرة التاريخية بين مرشحي الرئاسة الأمريكية ، الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب ، وكلاهما تجاوز الثمانين عاما من عمرهما .

هذا المشهد السريالي أعاد لذاكرتي مواكب الجنائز لرؤساء الإتحاد السوفيتي السابق من العجائز قبل الانهيار ، عندما تجاوز الزمن  تلك الإمبراطورية التي كانت الأقوى عسكريا في العالم ؛ ولكن لظروف كثيرة يطول شرحها وتراكم الأخطاء وبالتالي كان معظم من يصعد لهرم السلطة من العجائز حيث تفكير أغلبهم في قضايا العالم كان من خارج العصر .

ومن المفارقات المحزنة انه عندما وصل لهرم السلطة السوفيتية شاب من هو خارج مجموعة كبار السن هو ميخائيل غورباتشوف ، وقع الانهيار المفجع الذي لا زلنا نعاني من فراغ غيابه حيث كان الاتحاد السوفيتي يشكل توازنا دوليا في العالم جعل الكون أشبه ما يكون بكفة الميزان .

أعلب الظن أن الولايات المتحدة الصهيونية تمر منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تقريبا بنفس التجربة، فالأحداث المتلاحقة تؤكد ذلك ، وشاهدنا انه عندما أرادت الدولة العميقة داخل هذه الأمريكا أن تعطيها وجها شبابيا  لتجديد شباب الإمبراطورية سياسيا ، جاءت برجل من خارج السياق وهو الرئيس الأسبق باراك اوباما الذي نجح بدورتين، ولأول مرة في مجتمع عنصري يصل رجل من خارج المنظومة الأمريكية العنصرية لهذا المنصب وما يمثله أمام العالم ؛ ولكنه كما قال الأستاذ محمد حسنيين هيكل رحمه الله ، “كان نجما والنجوم صعودها وغيابها أمرا محتوم”.

بعدها وصلت أمريكا الى ظاهرة ترامب التي تحتاج لوحدها لدراسة يطول شرحها ، وبعد ذلك جاء الخرف جو بايدن الذي امضى فترة رئاسته الأولى ، واليوم كما تقول مصادر حزبه المسمى ديمقراطي أنه سيترشح لفترة ثانية ، والرجل قد تجاوز ما بعد الثمانين ، وكم من السقطات السياسية وقع بها أثناء فترة رئاسته .

والمرشح المنافس له الرئيس السابق دونالد ترامب كما أسلفت الذي لم يقبل أصلا نتائج الانتخابات التي أفرزت جو بايدن، حيث رأى العالم كله الهجوم على مبنى الكونغرس احتجاجا على نتائج تلك الانتخابات، وجرت التغطية على جوهر الأحداث حتى وصلت أمريكا للاستحقاق لمنصب الرئاسة ، وإذا أهم رموز هذه المرحلة هما العجوزان بايدن وترامب ، الذي سجل ولأول مرة إمكانية إعادة رئيس سابق وكأن الساحة الأمريكية خلت من المرشحين الجديرين بحكم إمبراطورية بحجم الولايات المتحدة ، ونستطيع أن نكتب مجلدات عن حكم الرئيسين وما شاهده العالم في التغير والتحول الخطير بالسياسة الأمريكية والتجاوزات وكأننا أمام دولة متوحشة من أسوأ دكتاتوريات العالم النامي .

والمعروف أن الإمبراطوريات يسبق سقوطها وتفككها سقوط هيبتها ومكانتها وتراجع دورها .. ألم يسبق سقوط الاتحاد السوفيتي انهيار جدار برلين وإعادة توحيد شطري ألمانيا ؟

إن أمريكا اليوم لم تعد تلك الإمبراطورية التي تفعل ما تشاء كما كانت خلال العقود الثلاثة الماضية .. أمريكا اليوم أصبحت كبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية والعدوان على مصر عام 1956م ، وأن أول دلائل السقوط والتراجع الأمريكي كان واضحا حتى لأقرب أتباعها في العربية السعودية .

من كان يصدق أن رئيس الولايات المتحدة يزور السعودية ولا يجد باستقباله مثلا إلا أمير المنطقة التي هبطت طائرته بها ، بعد أن كان في الماضي تهرع كل أركان الدولة لاستقبال أصغر مسئول أمريكي .

اليوم الوضع تغير ، ما نراه أن الولايات المتحدة مقبلة على تغيرات خطيرة جدا قد تطيح بوحدة ولاياتها التي بدأت بالتململ ؛ ولعل الكيان الصهيوني هو أكثر من ساعد بسقوط الهيبة الأمريكية ، وذلك عندما تخضع أمريكا أمام العالم وتكون أذن صاغية لكل ما يقوله قادة الإجرام الصهيوني ويطلبونه ، ولعل حرب الإبادة الإجرامي على غزه أكبر دليل .

لذلك يبدو ان العالم مقبل على تعددية قطبية ، فالعالم القديم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أثبت عدم جدارته من خلال قوة غاشمة تحكمها العصابات الصهيونية المصنفة دوليا بالعنصرية والإرهاب بموجب القرار الدولي الشهير رقم ( 3379 ) لعام 1975م ، الذي نص على أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتميز العنصري والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة .

لذلك أعتقد ان أمريكا باتت تطرق أبواب الشيخوخة السياسية، تمهيداً لبدايات الانهيار التدريحي باذن الله.

وأن غداُ لناظره قريب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى