عودة السلطان الضال .. اردوغان يتجرع السم ويجرّعه للثورجيين السوريين
بقلم: نارام سرجون
ليس هناك أكثر ازعاجا لأذني واعصابي مثل صوت الدجالين والمشعوذين والمنافقين .. ولم يكن هناك في زمننا دجال ومشعوذ وأفاق ومنافق مثل رجب طيب اردوغان اردوغان .. وخاصة اذا ما كان صوته محشوا بالخطابات والشعارات والعنتريات الفارغة .. وبالذات عندما يحلو له ان يتحدث عن فلسطين وأصحابه في “اسرائيل” … فهو ينسى نفسه ويزيد عيار العنتريات ويسهب في التعبير عن غضبه ويسخو وهو يكيل الاتهامات لنتنياهو وعصاباته .. ولكنه وقبل ان يترجل عن المنصة تتبخر كل كلماته مثل البالونات الانتخابية التي تطير فوق الجموع وتتبعثر وتختفي .. فكلامه هراء وتهديداته هراء .. وهي لا تفعل في الإسرائيليين شيئا سوى انها تزيد اطمئنانهم .. فهم خبروا هذا النوع من التهديدات التي كان يبرع بها ملوك العرب وشيوخهم وجامعتهم .. وهي لم تكن تسليهم فقط بل كانوا يزيدون بيعها في سوق الترويج لأنفسهم أمام الغرب الذي يراهم مهددين من الكثرة العربية .. وهم يعيدون بيع الخطابات العنترية ضدهم للشعوب العربية كي تبقى تائهة وتصدق ان الملوك العرب مناضلون ومجاهدون وفرسان وأنهم لا يتآمرون ..
ولكن اردوغان في الحقيقة كان طبلا تركيا ثقب آذان الشرق الاوسط وهو يقصف في كل اتجاه بصوته .. ولم يسقط هذا الصوت ذبابة اسرائيلية .. بل لم يزعج الا البعوض في غرفة نتنياهو الذي لا يحب الضجيج .. وهو طبل يريد ان يعزف سيمفونية لبيتهوفن رغم انه طبل ليس الا ..
ومع هذا فانني صراحة أعترف ان اجمل خطاب سمعته لاردوغان وأطربني وأسعدني وأضحكني الى آخر الليل هو تصريحه الاخير بصوته وهو يحاول التكفير عن ذنبه في سورية .. ويقول ان سورية وتركيا شعبان شقيقان .. وان الأسد كان صديقه وبينهما زيارات عائلية .. وهو يتمنى ان تعود الامور كما يجب ان تكون عليه ..
رغم ان صوت هذا المخلوق التركي يزعجني لكن نكهة الاذلال كانت تقطر من كل حرف .. وصلفه كان ينزف .. وخطابه كان منقوعا بالاعتذار .. ولم يبق الا أن يبوس التوبة كما يفعل الاطفال المذنبون أمام الكبار ..
نحن جميعا نعرف ان هذا الرجل الكذاب كذاب .. وانه لا يعني أي كلمة قالها .. فقد قال قبل عام 2011 كلاما لو كان ذلك الكلام من لحم ودم ولو كان يدري ما المحاورة اشتكى .. وعاد ليدخل الى حلقه ويقتله خنقا لكثرة ما حمله من نفاق .. ولما سامحه على شدة غدره وطعنه بكلماته نفسها التي كانت تتحدث عن أخيه الرئيس بشار الاسد .. وعن الشعب السوري الشقيق الذي تذوق معنى الاخوة التركية على داير مليم .. غدر وقتل وذبح وتهجير وسرقة لكل شيء وتدمير للسلام والعيش والاقتصاد والوئام بين الأخ وأخيه ..
ولكن ما هو السر الذي يجعل اردوغان يبول على كلامه القديم عن صبره الذي نفذ وعن المجرم الذي يقتل شعبه .. ثم يأكل اردوغان كلامه مبللا ببوله؟؟
ولكن من الواضح ان الرجل اكتشف متأخرا جدا الكارثة التي جلبها على تركيا عبر هذه السياسة والمواقف الرعناء الطائشة المليئة بالخيال والفناتازيا وقلة الادراك وضعف المعرفة السياسية .. ولو كان في تركيا محاكم مستقلة لحاكمته وشنقته على ما فعل وجلب من كوارث على الاتراك .. فهو تسبب في ان يدخل تركيا 3 ملايين سوري كما يقول الثورجيون ويتباهون بضيافة أردوغان للمهاجرين والانصار وكأنه أبو ايوب الانصاري الذي بركت ناقة النبي على باب داره .. ولكن هؤلاء المهاجرين فرشوا الجنوب التركي بسجادة من اللغة العربية والمجتمع العربي .. ودخلوا في النسيح التركي والاقتصاد التركي وفي اسواق الذهب وكل الاستثمارات .. الا أن هذا خلق قلقا خطيرا لدى الاتراك الذين يعرفون انهم في حالة هشاشة حضارية وثقافية ويخشون من العرق العربي .. فالاتراك لديهم حساسية من العرب .. لأن الاتراك يعرفون انهم كأمة ليست لهم جذور ثقافية او حضارية كما هم العرب .. فالاتراك قبائل من الرعاة التي هاجرت من أسيا الوسطى .. ثم عملوا كمرتزقة للقتال لمن يدفع أكثر .. فاستخدمهم العباسيون في صراعاتهم الداخلية مع القوى السياسية .. واستعملهم البيزنطيون الارثوذوكس في صراعهم الديني المسيحي مع الكاثوليك .. ولما قويت شوكة القبائل الرعوية التركية استولت على المدينة التي استجارت بهم (القسطنطينية) وجعلوها عاصمتهم .. لأنهم كأقوام من الرعاة لا يقدرون وليست لديهم المواهب الفكرية لبناء الحواضر والمدن .. ولكنهم لجؤوا لتعويض هذه النقص الحضاري الى استعمال انتاج الأقوام الاكثر تحضرا للادعاء انهم أهل حضارة .. فدينهم مستورد من العرب .. وعقيدتهم من العرب .. ومدنهم من اليونانيين .. وهم طوال فترة 400 سنة من الامبراطورية التي حكموها لم يفلحوا باقامة اي مدينة عثمانية من صناعتهم وبنائهم وطراز معمارهم .. وذلك يبدو من شكل المآذن العثمانية المخروطية البعيدة عن الفن والذوق والابداع .. وهم فشلوا في العلوم الانسانية كلها .. ولذلك وطوال 400 سنة لم يوجد عالم كيماء عثماني .. او عالم رياضيات عثماني … او فيلسوف عثماني .. او علم جديد عثماني .. او اختراع ينسب لهم .. فلا البارود اخترعوه ولا الورق ولا السفينة المحيطية .. ولا الزراعة .. ولا اي شيء فأكبر اختراع لهم هو الخازوق التركي والحمام التركي .. وهي عدة الرعاة والعصابات .. بل كانوا يأخذون ابناء المستعمرات العربية والبلقانية ويرمونهم في الحروب والجبهات .. أما الاباء والامهات في المستعمرات فكانت وظيفتهم الزراعة في نظام اقطاعي عثماني ظالم ليطعم الرعاة والانكشارية ..
وهذا الادراك العميق في اللاوعي التركي يجعل الاتراك يعرفون انهم لا يملكون التأثير الحضاري على المجتمعات التي تحيط بهم لكنهم قد يغرقون بسرعة تحت تأثير اي موجة ثقافية واردة تجرفهم وتحرف ثقافتهم الهشة التي تتغير بجرة قلم .. وهم رأوا كيف ان قرارا بسيطا لمصطفى كمال غير الحرف التركي .. وهو مالم تتعرض له اية لغة .. فاللغة العربية لم تندثر وحروفها راسخة رغم كل الاعاصير التي مرت بها ورغم انها حكمت من الاتراك أنفسهم .. ولذلك فان دخول تغييرات ديموغرافية في بلدهم سيطيح باسطورة انهم أمة وعرق متفوق في الشرق كما أوهمتهم سنوات الامبراطورية العثمانية التي بقيت بسبب خلل في مسار التاريخ وبسبب صدفة تاريخية ..
علاوة على ذلك فانهم يخشون ان يعيد التاريخ نفسه عندما صاروا أكثرية في الاناضول وانقلبوا على من كان يستجير بهم وحكموا الشرق بناء على قاعدة “اقتلوا من استقبلكم “.. خاصة أن الجنوب التركي صارت فيه أكثرية عربية بسبب الوافدين الجدد من سورية والمقيمين القدامى في منطقة كيليكية السورية الذين يعرفون ان أصولهم عربية في كليلكية ولواء اسكندرون .. وهذه الكتلة السكانية قد تتفاعل مع بعضها وماهي الا سنوات حتى يصبح عدد هذه الجاليات يفوق عشرة ملايين .. وخاصة ان هؤلاء ليسوا جميعا محبين لتركيا .. وليسوا جميعا معارضين للدولة السورية .. بل معظمهم سوريون هربوا من الحرب وويلاتها .. وسيكون الاحتكاك العرقي حتميا بين الاتراك العنصريين الخائفين من التفوق الحضاري للوافدين عليهم الذين لديهم لغة عريقة وثقافة عريقة وقرآن ينطق بلغتهم .. وبين العرق الوافد ..وقد يحدث في استانبول ما حدث للقسطنطينية .. التي استجارت بالرعاة لحمايتها من الكنيسة الكاثوليكية .. فاذا بهم يبتلعونها ويبتلعها بلعوم محمد الفاتح العثماني .. وتصبح عاصمة الأرثو ذوكسية عاصمة للرعاة .. الذين كل ما لديهم ليس من صناعتهم .. من الدين الى القرآن الى اللغة المسروقة والمركبة من عدة لغات خلطتها خلاطات الجغرافيا .. فكيف اذا كان الاحتكاك بين الاتراك وشعوب لهم ثقافة كالعرب؟!!..
ومن هذا القلق الوجودي يلمس اردوغان على رأسه ويجد أن عليه ان يتصرف مثل الابن الضال ويعود الى بيت الطاعة للتاريخ والجغرافيا .. ولكنه يفضل لقب .. “السلطان الضال” .. ليكون قصة شكسبيرية بنكهة عثمانية ..
أما الكارثة الثانية التي فتحها جنون اردوغان فهو النهوض الكردي الذي أطلقته اميركيا واسرائيل في المنطقة .. فقد أقام الكرد اول كيان لهم في شمال العراق يحاول ان يسير على خطا اسرائيل .. فالكيانان متشابهان لأنهما لا نتميان الى المنطقة الا كوجود عابر قصصي .. فالكرد لم يكن لهم دولة بل كانوا دوما جزءا من دولة كما اليهود الذين كانوا عابرين وسموا بالعبرانيين في كناية عن العبور العابر .. وهذا ليس بسبب اي ظلم تاريخي للاكراد بل بسبب ظلم الجغرافيا التي اختاروها .. فالأكراد سكان جبال .. وسكان الجبال لايقدرون على بناء المدن التي تمر بها طرق التجارة والنشاطات الانسانية التي تصنع الحضارات مثل البتراء ومكة وصور وصيدا ودمشق .. .. فكيف ستقيم مدينة في جبال قنديل او جبال شمال العراق ثم يأتي اليها التجار والقوافل القديمة وطريق الحرير ووو .. وتصعد لتبيع او تستريح في أعالي الجبال حيث لا تجارة ولا نشاط اقتصادي الا نشاط الرعي؟ ولذلك كان سكان الجبال التي لا تمر بها طرق التجارة غير مكترثين باقامة دولة او مدن .. ولذلك فانهم فشلوا في اقامة دولة تحتاج مقومات كثيرة لم تتوفر لهم .. ولكنهم اليوم يظنون انهم سيغيرون قوانين التاريخ والجغرافيا لأن الامم المتحدة هي التي تحبل بالدول وهي التي تضع الدول ومواليدها وليست الجغرافيا .. ولأن مفقسة الدول التي ترعاها بريطانيا تقدر ان تصنع لهم دولة كما جعلت قطر دولة والبحرين دولة والامارات دولة واسرائيل دولة .. ولبنان دولة .. والاردن دولة .. والاكراد لا يفهمون ان هذه الدول مؤقتة وعابرة وهي ضد التاريخ والجغرافيا والمنطق .. وستذوب ان عاجلا او آجلا .. لانها لا تملك مقومات البقاء والاستمرار لانقطاعها عن دم التاريخ ودم المنطق ودم الجغرافيا ..
وهنا يجد أردوغان انه رأى بأم عينه هذا الكيان الكردي الذي صنعته مفقسة الدول الانغلوساكسونية .. وبدلا من ان يحاصره فانه أسقط الجدار السوري الذي كان جدارا عازلا .. فخرج منه يأجوج ومأجوج الكردي يخرب الجغرافيا والمنطقة تحت عين وبصر اصدقائه الإسرائيليين والامريكان .. واي عاقل سيعرف ان يأجوج ومأجوج الكردي لا يمكن ان يتوقف في سورية .. بل ان رأس يأجوج ومأجوج الكردي هو في تركيا حيث اهم كتلة سكانية كردية تزيد على 25 مليون نسمة .. وهؤلاء بمجرد ان يروا ان الامم المتحدة ستعطي شهادة ميلاد لكرد سورية والعراق .. فانهم سيعصفون بتركيا ويمزقونها الى قطعتين على الاقل .. وهنا أفاق السلطان الضال من حلمه .. واكتشف ان عليه ان يعيد بناء الجدار السوري بيديه اللتين هدمتا ذلك الجدار المنيع .. ليغلق على الاكراد طريق الوصول الى جنوب تركيا الحبلى بالمولود الكردي … فقرر السلطان الصال العودة عن خطئه ..
والكارثة الثالثة التي جلبها اردوغان على تركيا هي كارثة الليرة التركية والاقتصاد .. فرغم انه كان يباهي باعجازه الاقتصادي وأنه رفع اقتصاد تركيا الى مستويات كبيرة فان لم يقدر ان يرى انه هو الذي جلب الكارثة على الاقتصاد التركي .. ولو نظر الناظر الى سيرة حياة الليرة التركية لوجد انها قبل عام 2011 كانت في عافية .. فالدولار الواحد كان يساوي ليرة ونصف .. ومنذ عام 2012 .. بدأ يتراجع وبدأ الدولار يحلق بأجنحة ويرتفع بينما تسقط الليرة التركية سقوطا شاقوليا .. وعلى كل تركي ان يسأل عن سبب هذا الطيران للدولار وعلاقته بالازمة السورية .. فهناك تلازم واضح بين مسار الازمة السورية وبين ازمة الليرة التركية وأمراضها .. فالبورصة التركية انتعشت بتدفق اموال غربية من اجل تجهيز تركيا ومكافأتها مسبقا على دورها المرسوم في الحرب السورية .. ولكن هذه التدفق تحول الى ورقة ابتزاز لليرة التركية .. وكلما حاول اردوغان ان يستقل بقراره الاقتصادي شده الاوروبيون من أذنه في سوق البورصة .. فمن يعتمد على اموال الغرب في اقامة اقتصاده سيصبح عبدا للغرب .. وهذا ما فعله اردوغان .. فمن أجل ان يقنع الاتراك انه عبقري وانه صاحب معجزة فقد أدخل الدب الغربي الى كرمه .. وصار الدب هو من يملك مصير الليرة التركية .. كما أن التجارة التركية التي انتعشت بالانفتاح على الجنوب العربي وتنقل كل بضائع اوروبة الى الجنوب العربي والى الشرق عبر البوابة السورية فقدت هذه النافذة وهذا التميز .. اضافة الى ان جنوب الاناضول الذي اعطي ميزة الدخول للاسواق السورية كرمى عين اردوغان ومسرحياته في دايفوس ومرمرة .. فقد هذه الميزة .. ودخل اردوغان في حرب طاحنة مع الجميع .. فمرة يقاتل مصر ومرة يشتبك مع التوانسة والليبيين ومرة مع العراقيين ثم مع السعوديين والاماراتيين ومع اليونانيين والقبارصة .. وكاد يدخل حربا مع الروس .. كل هذا جعل الثقة باستقرار الاقتصاد التركي مهزوزة ..
هذا الرجل الذي تعرف اليه الاتراك بطلا .. سيتعرفون عليه كصانع للكارثة اذا لم يقم بتحول سريع .. واصلاح سريع لما اقترفت يداه من أثام بحق تركيا وجيرانها ..