مجازر غزة وعجز وخذلان الأمة العربية
بقلم: د. كاظم ناصر
تحكمت بمصائر الشعوب العربية أنظمة وراثية وعسكرية تسلطية فاسدة مفسدة منذ الاستقلال وحتى اليوم؛ فمن بين الدول العربية توجد 8 أنظمة وراثية تهيمن على سياسات ومقدرات كل منها عائلة يرأسها ملك، أو أمير، أو شيخ، أو سلطان مطلق الصلاحيات، والدول العربية الأخرى يهيمن على كل منها رئيس وصل للحكم عن طريق انقلاب عسكري، أو انتخابات مزورة؛ لكن القاسم المشترك بين الأنظمة الدكتاتورية الوراثية والدكتاتورية الأخرى هو كون كل منها تخضع لفرد متسلط يتحكم بجميع السلطات، ويعبث بأموال ومقدرات ومؤسسات الدولة، ويفعل بالبلاد والعباد ما يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويتاجر بالوطن والمواطنين كما يشاء دون اعتراض أو مساءلة، وبدعم من أفراد عائلته وبطانته الفاسدة التي تتولى المراكز الهامة والحساسة في الدولة، وبسكوت وخذلان واستسلام الشعوب العربية التي لا تجرؤ على التمرد ومحاولة الخروج من بيوت طاعة حكامها على الرغم من انهم فشلوا في حمايتها وحماية أقطارها، وأذلوها، وأفقروها، وحرموها من أبسط حقوقها.
حرب غزة كشفت عورات الحكام والشعوب والمثقفين ورجال الدين والاحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وأثبتت اننا أمة ذليلة مستكينة فاشلة، لا تدرك أن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال في غزة هي جزء من استراتيجيتها التوسعية التي تهدف إلى تهويد الضفة الغربية وغزة، وتهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، وبعد ذلك تنتظر الفرص السانحة للانقضاض على ما تبقى من دول بلاد الشام، ثم السعودية ودول الخليج الأخرى لتحقيق حلم الصهاينة المعلن بإقامة امبراطورية يهودية من الفرات الى النيل. فهل سيتحقق هذا الحلم الصهيوني؟
الجواب للأسف هو ان هناك إمكانية حقيقية لتحقيق هذا الحلم الصهيوني بعد أن بطش الحكام العرب بشعوبهم وكتموا أنفاسها، وعلموها الذل والنفاق والهوان والاستسلام، وساهموا مساهمة فعالة في تدمير العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، ولبنان، وحولوا هزائمهم إلى انتصارات كاذبة، وجردوا مصر من دورها القيادي، وحموا الانقسام الفلسطيني، وطبع بعضهم مع دولة الاحتلال دون مقابل، وصمت معظمهم على جرائم إسرائيل ودول الغرب الداعمة لها، وأعادوا الاستعمار الى معظم اقطارنا، وتآمروا على محور المقاومة، واعتبروا المقاومين الأبطال الذين يتصدون للصهاينة ويدافعون عن كرامة وأمن ومستقبل أمتنا في غزة ولبنان واليمن والعراق ” إرهابيين! ”
وبما أن التاريخ شاهد على أن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة، وهي أول درجة في سلم الظلم، والبيئة المثالية التي يعيش ويتفشى ويتمدد فيها الفساد والانهزام، وتؤدي إلى الانهيار، فإن العديد من الأقطار العربية بوضعها السياسي والاجتماعي والديموغرافي وتخلفها العلمي والثقافي الحالي مهددة بالتشرذم والزوال، وأنه لا أمل لهذه الأمة في تصحيح أوضاعها وحماية أقطارها إذا بقيت خانعة مستسلمة للطغاة الذين يحكمونها. ولهذا يجب على الشرفاء من المثقفين ورجال الدين وقادة مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب ان يتحركوا قبل فوات الأوان، وأن ينضموا إلى الشعوب ويشاركوا في قيادتها، ويشجعوها على كسر حواجز الخوف، ومنازلة أنظمة وحكام الطغيان، وعلى دعم المقاومة والانضمام لصفوفها في فلسطين، ولبنان، والعراق، واليمن، وفي كل قطر عربي لأنها تمثل الحل الصحيح والوسيلة الناجعة الوحيدة للتخلص من أنظمة وحكام الخيانة، ولتحرير فلسطين، وإنقاذ الوطن العربي من الأطماع الصهيونية والغربية!