الحوار بديلا عن الموت البطىء أو الانفجار المميت
بقلم: مجدى أحمد حسين*

تلح على فكرة الحوار المجتمعى كمفتاح لكل هذه الأزمات المتلاحقة بحيث اصبحت حياتنا سلسلة متوالية من الأزمات أو الكوارث . وقد تمت الاساءة أيما إساءة لفكرة الحوار ناهيك عن الحوار المجتمعى فكلما سمعت شعار ” الحوار المجتمعى ” توجست شرا فالسلطات تطلق هذا الشعار قبل تمرير ما تنتويه من قرارات أو مشروعات لا تلقى شعبية .
ولكن فكرة ” الحوار ” نفسها أصبحت أكثر ابتذالا .. وما جرى فيما يسمى ” الحوار الوطنى ” خير دليل فبعد أكثر من عام لا نكاد نعرف عنه شيئا ولا نتج عنه أى شىء صغر أو كبر . ولكن موضوع ” الحوار ” أشد بأسا وتنكيلا .. ففى لغة التخاطب الشعبى تحول ” الحوار ” إلى شتيمة .
بلاش الحوار دا معانا
ما تحورش معايا
أصبح الحوار يعنى التشاجر والمناكفة والتى يمكن أن تنتهى إلى التشابك بالأيدى .. لقد عشت سبع سنوات مع الجنائيين أو على مقربة منهم وهم شريحة ممثلة للطبقات الشعبية ، واكتشفت بذهول كيف تغيرت معانى اللغة العربية ، بما يتطلب مراجعة وتعديل القواميس والمعاجم العربية بالإضافة والحذف . أو إعداد قواميس ومعاجم جديدة تتعامل مع اللغة الجديدة . وقبل دخول السجن لاحظت على الأجيال الجديدة لغة جديدة أو مصطلحات عديدة بعضها جاء من لغة الكمبيوتر : وبعضها لم أفهم مصدره : مثل اشتغالة .. بيشتغلنا .. وش فى إشارة إلى القول الصريح أو غير الدبلوماسى . ولكن حتى لانقع فى مبحث لغوى رغم أهميته الاجتماعية والثقافية ، دعونا نركز الآن على كلمة “ الحوار” لأن هذا هو موضوعنا .. والمقصود بهذه المقدمة السريعة أن أعتذر عن استخدام كلمة الحوار ، بعد أن أبتذلت إلى حد أنها أصبحت تعنى التشاجر والاشتباك بالأيدى . والحوار ابتذل على مدار عشرات السنين فى حياتنا السياسية والفكرية ، حتى أقيمت ندوات ومؤتمرات الحوار بدون أى نتائج أو مخرجات ، وفعلت السلطة فى النهاية ما تريده . أعتذر ولكن لابد مما ليس منه بد . فالقيمة الأصلية لمصطلح ” الحوار ” لا تزال موجودة ، وهى قيمة إنسانية لا يمكن تخطيها أو تجاهلها إذا أردنا أن نقيم مجتمعا متحضرا متراحما قابل للتطور والنمو .
فى البدء كان الكلمة، هكذا بدأ الانجيل . وأول آية نزلت من القرآن : إقرأ . ليس أمامنا إلا الحوار ، ولنأخذ الموضوع مأخذ الجد . ألاحظ أن وسائل التواصل الاجتماعى أصبح بها مساحة أوسع لحرية التعبير وتسامح السلطات المتزايد مع ذلك ، وهذا جيد ولكنه لا يحقق إلا درجة أولية وبسيطة و مشتتة للحوار ، الحوار الجاد لابد أن يكون منظما ومركزا ومجدولا وفق القضايا المختلفة ، وإحداث تمييز واضح بين الموضوعات الأساسية والموضوعات الفرعية والمتشعبة بلا نهاية . الموضوعات المتفجرة هذه الأيام أو المتراكمة بدون ترتيب فى الأهمية و بدون توضيح وجهة نظرى فى كل منها فى هذه السطور :
*الديون وما حققته من رقم قياسى وكيفية سدادها أو جدولتها ومسألة استمرار السلطات فى الوقوع فى المزيد من الاستدانة . وهذه مسألة لا تحتمل التأجيل ولا يوجد رأى عام يؤيد تصرف السلطات فى هذه القضية .
*الاعتقالات التى تتراوح تقديراتها بين 60 ألف و100 ألف لا يمكن أن تظل معلقة للأبد .
*حبس أحمد الطنطاوى الذى كان يحاول الترشح للرئاسة ولست من مؤيديه كان اعلانا صريحا أو تأكيدا أخيرا على إلغاء الحياة السياسية والحزبية . والأفضل للبلاد أن يتم تعديل الدستور وتلغى الحياة الحزبية والسياسية صراحة . ولكن القول بوجود نحو 80 حزبا فى البلاد ويكون هذا هو الواقع فهو أمر لا يؤدى إلا إلى تفسخ المجتمع ، وفقدان الكلمات لمعناها مثل حكاية الحوار الذى اصبح معناه الشجار .
*سد النهضة ومشكلة المياه المتفاقمة فعلا التى يتم التعايش معها بدون أى حلول جذرية . بل هذا التعايش أدى إلى تقليل زراعة الأرز والقمح ومنع زراعة القصب وأدى إلى مشكلات أخرى عديدة وأخيرا كان قطع المياه عن مرسى مطروح ومناطق أخرى فى البلاد .
* بيع مصر أو ما يسمى بمنتهى الفخر بيع الأصول وكأنه عمل اقتصادى .
* التوسع فى تصدير المواد الخام والمنتجات الزرعية رغم احتياجنا لها وهو ما ساهم فى زيادة أسعار الفواكه والخضروات . وتراجع التصدير للسلع الصناعية . وأزمة القطاع الصناعى وغياب أى خطة للتطوير الصناعى .
* أزمة الغاز والكهرباء
* غزة وهى تشمل موقفنا من اسرائيل وأمريكا ومايسمى كامب ديفيد .
* السودان وانعكاس أزمته علينا وعلى أمننا القومى وكذلك تدهور علاقاتنا مع شرق ليبيا .
* رفع الدعم والغلاء فى سعر الخبز والكهرباء والمياه والمواصلات والوقود والغلاء العام للسلع الضروربة والأدوية .
* تراجع خدمات الصحة والتعليم وانعكاس ذلك فى الميزانية وبالمخالفة لنصوص الدستور .
ولكن الكوارث يومية : كارثة موت مئات الحجاج المصريين وهو أمر لم يحدث منذ صدر الدعوة الاسلامية !!
اكتشاف اجتثاث الأشجار وتبوير المساحات الخضراء ل 5 ملايين متر مربع خلال آخر 10 سنوات .
تزايد انقطاع الكهرباء لأكثر من 3 ساعات .
توقف العديد من مصانع للأسمدة والبتروكمائيات عن الانتاج بسبب الكهرباء .
وهذا مجرد رصد سريع بدون الدخول فى مناقشة هذه الموضوعات وتحديد الأولويات .
ولكن كيف يقوم هذا الحوار ؟ من ينظمه ؟ وكيف يعمل ؟ هل ستتجاوب السلطات معه ؟ أو حتى تسمح به ؟
هذا موضوع المقال رقم 2 بإذن الله
*باحث اسلامى وكاتب مصرى
magdyhussein.id