تبعاً لملحمة “طوفان الأقصى”.. دعوة عاجلة للعمل على استنهاض الحالة العربية الراكدة
بقلم : فهــد الريمــاوي
مرحى لفرسان معجزة “طوفان الأقصى” الذين أضاءوا لنا – بالدم والعزم – درب التمييز والتفريق بين الوهم والفهم.. بين الشك واليقين.. بين الخديعة والحقيقة، وذلك حين وضعونا، ليلة ٧ أكتوبر وما بعدها، أمام حقيقتين متقابلتين كانتا غائبتين عن أبصارنا وبصائرنا خلف سحب المزاعم وضباب الاوهام.. حقيقة المستوطن الصهيوني الهشة والسريعة العَطب والقابلة للكسر والعصر، خلافاً لكل الأكاذيب والادعاءات والتبجحات.. وحقيقة المواطن العربي الباسلة والمناضلة والمؤهلة للانتصار في أعتى الحروب، والمشتعلة بالحمية والحماس والاستنفار وقت الشدة وعند الاقتضاء.
مرحى لأولئك الفرسان الشجعان الذين نجحوا بتفوق واقتدار في رجّ وجدان الأمة العربية، وهزّ الأقلام الراكدة والمتقاعدة والمتغطية بلحاف النوم، وشحنها بمداد الأمل والتفاؤل والحيوية، وتخليصها من شوائب الكسل والخيبة والاحباط، واخراجها من دوائر التَلبث والتَمكث والانتظار، تمهيداً لاقحامها في مجالات الكتابة بلغة الثقة بالنفس، ولهجة الانتصار والاستبشار، وبلاغة الرهان على الغد العربي المشرق باذن الله.
كل البشرية التقدمية – نكرر التقدمية – استيقظت على دوي “طوفان الأقصى”، فامتشق شبابها وطلابها وعموم أحرارها حراب عزائمهم، وخرجوا في مسيرات ومظاهرات مليونية بكل ساحات النضال العالمي، تاركين لحناجرهم ان تصدح باسم فلسطين، ولسواعدهم ان ترفع أعلامها، ولوسائل تواصلهم الاجتماعي ان تنحاز لقضيتها وتعلن الدعم المطلق لها، واللعن للمجرم الصهيوني الغاصب لأرضها والساعي لابادة شعبها.
على وقع هذا الطوفان الزاخر والغامر، وبعد طول تشتت وسبات اعقبا انهيار الاتحاد السوفياتي أواخر القرن الماضي، باشرت حركات اليسار والتحرر الأممية تململاتها وانبعاثاتها مجدداً في مختلف قارات العالم، وطفقت تتنامى وتتبلور في صيغ وأشكال تنظيمية مستحدثة سيكون لها ما بعدها، وبالأخص في عقر الديار الأوروبية والأمريكية المعروفة تاريخياً بمحاباة القراصنة الصهاينة، ومعاداة الشعب الفلسطيني المشرد، وكراهية العرب والمسلمين على وجه العموم.
وصلنا الى “بيت القصيد” المتمثل في سؤال لا بد ان يطرح نفسه هذا الأوان: كيف نستنهض الشارع العربي الراكد، ونبعث في عروقه دماء الصحوة والقوة، كي يرتقي ويرتفع الى المستوى الشاهق الذي صنعه “طوفان الأقصى”، ومن ثم يشرع في مزاولة مهماته الوطنية والقومية في نصرة القضية الفلسطينية، التي لا يصحّ او يجوز ان يثور من أجلها كل أحرار الدنيا، فيما تبقى الشوارع العربية صائمة عن المظاهرات والهتافات والتحركات الشعبية الغاضبة ؟؟
هذا هو سؤال المرحلة.. سؤال الزاوية الحرجة الذي يتعين ان يُجيب عنه كل صاحب رأي حر، وضمير حي، وفكر راجح، والتزام عروبي صادق، فيما بين المحيط والخليج.. ذلك لان من شأن الاجابة عنه ان تُسهم في توعية وتعبئة وتنشيط الجماهير العربية التي نجزم ونوقن انها – في الأعم الأغلب – شديدة الانفعال بالجاري في غزة، وبالغة التعاطف مع شعبها حد الاشفاق، وعظيمة الإجلال لمقاومتها المظفرة حد الانبهار.. غير انها في أمسّ الحاجة للتعبير عن هذا التعاطف والانفعال بمفردات العمل الميداني، وترتيبات الانطلاق الجماعي الى ساحات المناصرة والاسناد للشعب الفلسطيني في نضالاته المضرجة بالدماء في الضفة كما في غزة.
لماذا لا تتخذ الأحزاب والنقابات والمنظمات الشعبية والشبابية والطلابية العربية من أعجوبة “طوفان الأقصى” قدوة وأسوة، فتسارع الى مغادرة عزلتها، وإعادة تنظيم صفوفها، وتجديد برامجها ومناهجها، وتحفيز قواعدها ومنتسبيها للخروج الى معتركات الكدح والنضال والاحتجاج.. ليس مؤقتاً لنصرة فلسطين فقط، بل دوماً وعلى مدار الساعة لتحقيق مطالب شعوبها السياسية والمعاشية، والمشاركة في صناعة القرار وتوجيه بوصلة الاختيار ، بعدما احتكرت كل ذلك واستأثرت به أنظمة الفساد والاستبداد والاستسلام العربية الذليلة.
اليوم، وبعد ان اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قوة عالمية طاغية، وسلطة فوق كل السلطات الإعلامية.. لماذا لا نقتدي بسائر الشعوب في توظيف هذه الوسائل الواسعة التأثير والإنتشار لجهة تبصير وتنوير وتحشيد الجماهير العربية العرمرمية، للمطالبة – سلماً او عنفاً – بحقوقها المنقوصة وحرياتها المفقودة، وتذخيرها بالقيم العروبية الأصيلة، والمبادئ الوحدوية النهضوية، فضلاً عن توجيهها لكسب مودة وصداقة شرفاء وأحرار الدنيا، ولفضح مذابح وقبائح ومؤامرات (أم الجرائم) الامبريالية الأمريكية، وربيبتها او محميتها الصهيونية.
بعد لعنة “الربيع العربي” التي خربطت اليبت العربي، وعاثت فيه خراباً ودماراً، وأسفرت عن نتائج كارثية وحصائل مأساوية، حيث اختلط الحابل بالنابل والعميل بالمناضل، وغامت الرؤى وعشيت الأبصار والبصائر.. انكمش العمل العربي العام، وسادت حالة من التعب والتيه والغثيان السياسي، وانطفأت الروح الوطنية ومنائر الأمل والرجاء، سواء في الأقطار التي شهدت التغيير او الاخرى التي استعصت على ذلك.. ف”الخل أخو الخردل”، كما يقول المثل الشعبي الدارج.
لقد ظل الحال على هذا المنوال الى ان زلزلت “حماس” زلزالها، وأطلق السنوار والضيف ومروان عيسى طوفانها، ومادت الارض من تحت أقدام الأعداء الجبناء، فتحول الطاووس الصهيوني المغرور فجأة الى مجرد فأرٍ مذعور، وتبخرت في بضع ساعات طائفة الأوهام تحت ضربات أشاوس “القسام”.. كل ذلك جرى بالصوت والصورة تحت سمع وبصر العالم كافة، وبالذات شعوب العرب التي سرعان ما هلّلت وكبّرت وايقنت ان الانتصارات تشتريها التضحيات، وان القلة المجاهدة كفيلة بهزيمة الكثرة الباغية، وان طلاب الحق أقوى من أصحاب الباطل.
بقيت نقطة او نتفة صغيرة أخشى ان أطرحها في ختام هذه المقالة، كي لا يتهمني القارئ بالعته والخرف – وأنا في الثمانين من العمر – لأنها موجهة للحكام العرب (إياهم ) برجاء الاستفادة من دروس وتأثيرات وأصداء “طوفان الأقصى” الإقليمية والدولية، والعمل الجدّي على توليد واعتماد “قوة تفاهم” من شأنها اعادة توحيد الصفوف المهلهلة، واستعادة التضامن العربي الغائب، ولجم آليات التطبيع مع العدو لحساب التوافق والتطبيع مع الشقيق، والخروج بالتالي من خانة الضياع والصفر المكعب الى رحاب الموجودية الفاعلة والوازنة !!