حرب غزة والانتخابات النيابية الأردنية القادمة
بقلم: د. كاظم ناصر
من المقرر ان تجرى الانتخابات البرلمانية الأردنية في العاشر من سبتمبر/ أيلول 2024، ويتنافس فيها مرشحون عن ” جبهة العمل الإسلامي ” والأحزاب السياسية الأخرى والمستقلين والعشائر؛ لكن ما يميز هذه الانتخابات عن سابقاتها هو أنها تجرى في ظل تفاعلات الشعب الأردني مع حرب عزة وتداعياتها الآنية والبعيدة المدى التي عززت عدم شعوره بالأمان بعد 30 عاما من توقيع اتفاقية السلام التي لم تجلب له سوى المزيد من الفقر والمشاكل، وساهمت في تباين المواقف بينه وبين النظام، وأثارت قضية الأمن والهوية والأولويات الوطنية الأردنية؛ ومن المتوقع ان تستخدمها بعض الأحزاب السياسية، خاصة ” جبهة العمل الإسلامي ” في حملاتها الانتخابية التي ستنطلق في التاسع من أغسطس/ آب لجذب لناخبين لها، وأن تكون تداعياتها في قلب تلك الانتخابات بعد ان اثبتت هذه الحرب للشعب الأردني الذي تربطه بالفلسطينيين علاقات وحدوية، عائلية، سياسية، ومصيرية أن دولة الاحتلال هي دولة توحش وتوسع لا تحترم المواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية، ولن تتردد في مهاجمة الأردن وتهديد وجوده بعد ان تتمكن من تهويد الضفة الغربية وتسمح لها الظروف بذلك.
ولهذا فقد بدأ بالفعل مرشحون طامحون في الحصول على مقاعد بهذا المجلس بالترويج لأنفسهم بين قواعدهم الشعبية عبر وعود بالضغط على الدولة لتعديل علاقاتها مع دولة الاحتلال، ووعد بعضهم بالسعي لإلغاء اتفاقية ” وادي عربة ” والاتفاقيات الأخرى بين الأردن ودولة الاحتلال لقناعتهم بأن الإجراءات التي اتخذها النظام كانت وما زالت خجولة، غير كافية، ولا ترتقي لمستوى العدوان الهمجي البربري الصهيوني الأمريكي. ونتيجة لذلك فإنه من المتوقع أن يحصد العديد من مقاعد المجلس النيابي القادم شخصيات حزبية ومستقلة بسبب مواقفها المؤيدة للفلسطينيين والمقاومة، وبرامجها الانتخابية المتعلقة بالإصلاح السياسي والاجتماعي، ورفض معظمها لموقف الدولة الخجول من الحرب، أي ان نجاح المتنافسين في هذه الانتخابات لن يعتمد على الفزعة والهبة العشائرية والعائلية التقليدية التي أوصلت معظم النواب إلى المجالس السابقة.
لقد حاولت الدولة الأردنية امتصاص ردود الفعل الشعبية الغاضبة الداعمة للفلسطينيين، الرافضة بشدة لجرائم الحرب التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني من خلال استدعاء السفير الأردني في تل أبيب والطلب من السفير الإسرائيلي مغادرة عمان، وقيام الملك عبدا لله الثاني بجهود دبلوماسية على المستوى الدولي لوقف الحرب، وتقديم مساعدات إغاثية لغزة، والسماح بتنظيم مظاهرات سلمية مؤيدة للفلسطينيين، إلا ان هذه الإجراءات والجهود لم تنجح في امتصاص غضب الشعب الأردني الذي يرفض خذلان الدول العربية والإسلامية، وفشلها في القيام بواجبها بدعم الفلسطينيين والتصدي للعدوان الإسرائيلي.
حماية وحدة واستقرار الأردن هي بدون شك مصلحة أردنية وفلسطينية وقومية؛ ولهذا فإنها تتطلب موقفا رسميا أردنيا أكثر حزما مع دولة الاحتلال يتمثل في اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية ضدها، والتعامل إيجابيا مع حركة حماس ومحور المقاومة للتصدي لأطماعها التي تثير مخاوف الأردنيين جميعا، وحرصهم على وحدة وسلامة وأمن ووجود بلدهم.