محرقة في رفح وقتل جندي مصري .. بينما مصر تحقق !!!
بقلم: مجدى حسين*

ليلة أمس روعتنا مذبحة مخيم تل السلطان فى رفح ومخيم تل السلطان وثيق الصلة بمصر ويكشف أحد أعراض مأساة كامب ديفيد ، فسكان هذا المخيم هم السكان السابقون لمعسكر كندا الذى تم ضمه لمصر وفقا لكامب ديفيد التى قسمت رفح بشكل تعسفى بين مصر وفلسطين المحتلة ، وتم نقل السكان من معسكر كندا السابق – وسمى كندا لتواجد قوات كندية فيه بعد حرب 1956 – إلى تل السلطان . بل غزة كلها كانت عهدة مصرية يحكمها حاكم عسكرى مصرى بين 1948 – 1967 وتخلت مصر عنها بكل بساطة لتأخذ سيناء مقيدة التسليح .
ما حدث أمس رمز لموقفنا المشين من القضية الفلسطينية وأهل غزة على وجه الخصوص .
المذابح بدأت منذ 8 شهور على حدود مصر فى غزة التى كانت تحت ولاية مصر وسلمتها لاسرائيل فى المفاوضات . كان كل من فى غزة تحت إمرة مصر ولم يكن بها لا حماس ولا فتح ولا منظمة التحرير ، بل تم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد الشقيرى عام 1964 وجيش تحرير فلسطين .
لم تكن كامب ديفيد هدنة ، ومن الذى يمكن أن يعترض على هدنة ما لفترة ما مع عدو . ولكنها كانت فى فهم من وقع عليها ومن تبعهم بغير إحسان حتى الآن هى خيار استراتيجى .. السلام خيار استراتيجى .. وهذا يعنى الاعتراف بالكيان الصهيونى كصديق أبدى لمصر حتى وإن ذبح نصف الشعب الفلسطينى أو كله وذبح عشرات الآلاف من اللبنانيين والسوريين.
فى مقال سابق بدأت فى عد ضحايا وشهداء مذابح اسرائيل ولكننى لم أكمل ، وأكدت من مراجع موثوقة أن ضحايا وشهداء العدوان الاسرائيلى على لبنان خلال غزو 1982 الذى استمر شهرين لا يقلوا عن 20 ألف شهيد و30 ألف جريح لبنانيين وسوريين وفلسطينيين بالاضافة لمجزرة صابرا وشاتيلا ب 3 آلاف شهيد فلسطينى .
ولكن أعود لأعد شهداء ما نحن فيه فى غزة وقد تجاوزوا 120 ألف شهيد وجريح معظمهم نساء وأطفال . فى وقت تقول فيه احصاءات أوكرانيا أن القصف الروسى على مدار أكثر من عامين لم يقتل سوى 600 طفل .
شهداؤنا ليسوا أرقاما .. ولكننى أقول لحكامنا ونخبتنا السياسية ما قاله بعض المسئولين الغربيين بعد مرور عدة أسابيع من القتال : كم طفل وامرأة يجب أن يموتوا حتى نأخذ موقفا من اسرائيل ونقاطعها ونمنع عنها الأسلحة .
بعد 8 شهور من المجازر التى تأتى بعد ملايين من ضحايا اسرائيل وأمريكا فى فلسطين والعراق وأفغانستان وسوريا وليبيا والسودان والصومال وباكستان واليمن قبل 7 أكتوبر 2023 .. لم تتخذ مصر موقفا عمليا واحدا ضد أمريكا أو اسرائيل ، بل هى تواصل تعميق العلاقات مع أمريكا واعتبارها هى المنقذ من تردى أحوالنا الاقتصادية رغم أن اتباع تعليمات صندوقها هى سبب الكوارث . واستمرار التعاون مع اسرائيل والحرص على العلاقات معها بحيث أصبحت مسألة الطاقة : الكهرباء والغاز معلقة باسرائيل واستيراد الغاز منها . وما نتعرض له من أزمة كهرباء الآن يعود إلى إعلام اسرائيل السلطات المصرية بأنها لن تلبى احتياجاتنا من الغاز فى هذا الصيف نظرا لارتفاع الاستهلاك الاسرائيلى . كذلك تنسحب شركة إينى الايطالية من تطوير الغاز من حقل ظهر وتسحب الحفار لأنها لم تتلق مستحقاتها المالية ، وهذه شركة متآمرة وتعمل فى إطار الاحتكار الأمريكى الصهيونى فى أعمال استخراج النفط . وسنعود للحديث فى موضوع الغاز قريبا لشرح أبعاده ، ولكننا اليوم مشدودين لمحرقة رفح . مصر لم تتخذ موقفا عمليا واحدا منذ 8 شهور وطوال هذه المجزرة والابادة الجماعية التى تجرى تحت أنفها . مصر تتكلم فقط فى الاعلام ولا تتحدث عمليا . وبعض الخبراء يحللون وكأن هذا ما ينقص غزة : التحليل . وكثيرا كان التحليل إيجابيا وكثيرا كان التحليل مثبطا وإنعزاليا ومنشطا للخلافات مع حماس وإيران ومحور المقاومة .
أن تكون مصر على الحياد فى هذا الصراع الضارى الذى يتوحش كل يوم هو كارثة وفضيحة ، ولكن الموقف الرسمى كان داعما للموقف الاسرائيلى من الناحية العملية باستمرار كل أشكال التطبيع التجارى والاقتصادى واستمرار كافة العلاقات الدبلوماسية والسياسية والتعاون الكامل مع اسرائيل فى مسألة التحكم فى إدخال المساعدات من مصر بحيث تكون تحت الرقابة الكاملة لاسرائيل ، حتى قامت اسرائيل بنفسها بالسيطرة على معبر رفح والسيطرة على محور صلاح الدين متجاهلة إعلان الصديقة مصر ان ذلك خط أحمر . وأعلنت مصر الرسمية انها زعلانة من اسرائيل ! ولكنها ظلت تحرم رفع العلم الفلسطينى رغم أنه كان ولا يزال راية كل الشعوب للانتفاض ضد العدوان الصهيونى على فلسطين . وبالتالى حظر أى تظاهر دعما لغزة وفلسطين إلا قليلا ، حتى سلم نقابة الصحفيين يبدو أنه اختنق بدوره . وتمكن بعض مشجعى الأهلى والزمالك من الهتاف خلسة بدون أعلام لفلسطين .
وكل المطبعين فعلوا مثل مصر رائدة التطبيع ، وبعضهم تسامح مع المظاهرات مضطرا كما حدث فى المغرب والأردن والبحرين ولكن دون أن يسلم الأمر من بعض الاعتقالات . وموقف تركيا كان الأسوأ لأنه استمر لمدة 7 شهور يتاجر مع الكيان ب 9 مليارات دولار ولم يتوقف حتى الآن عن تمرير بترول أذربيجان وكازاخستان عبر ميناء جيهان كما أكد النائب البريطانى الحر جورج جالاوى مؤخرا . وهذا يمثل 50 % من احتياجات اسرائيل .
صباح اليوم قامت القوات الاسرائيلية بقتل جندى مصرى وإصابة آخرين عند معبر رفح . ومصر لا ترد لا بالكلام ولا بالنار ولا بأى عمل حتى الساعة الخامسة عصرا . واسرائيل بدأت فى حظر النشر حتى تلم الموضوع كما فعلت من قبل عشرات المرات على الحدود .
ولكن حادث من هذا النوع يمكن أن يكون فرصة لفتح المعبر بالقوة أو فتحه فى نقطة جديدة لإدخال المساعدات . الغريب فى الأمر أنه لا مجال للتردد فهذا الموقف محمى بقرارات المحاكم الدولية ، خاصة فتح معبر رفح وإدخال المساعدات كما ورد فى حكم محكمة العدل الدولية . وبكثير من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة . ولكن وصلنى الآن بيان رسمى يقول إن مصر ستحقق فى الحادث . ولا تعليق .
القاهرة – عصر الاثنين 27 مايو 2024 .
*باحث إسلامي و كاتب مصري