لمن تقـرأ ؟؟

بقلم: عبدالهادي راجي المجالي

تسألني فتاة في المقهى أمس.. لمن تقرأ؟
أخبرتها أني حين كنت في عمرها, كنت أحب طارق مصاروة, وكنت أقرأ لجورج حداد زاويته المشهورة في الدستور (هزة غربال).. كنت أقرأ لفهد الفانك, وننتظر اسبوعية “المجد” كي نقرأ زاوية فهد الريماوي (على ضفاف المجد)… كنت أقرأ أيضا لفخري قعوار, وكان أحمد المصلح يكتب عمودا لطيفا جدا في الرأي…كنت أقرأ لبدر عبدالحق أيضا, هذا الرجل لم يكتب مقالا يوما دون أن يطعمه بالمعلومة, وأحيانا تشعر أنه يعطيك درسا في الفلسفة.
أخبرتها أيضا أني كنت أقرأ زاوية (نزيه) في الرأي والتي تعاقب عليها مجموعة من الكتاب.. أخبرتها أيضا عن سلطان الحطاب, عن سليمان القضاة… وعن مؤنس الرزاز ومقالته التي لم تتعد يوما المئة كلمة.. أخبرتها عن خيري منصور, مقال خيري كان يتعبنا.. تشعر أنك تقرأ لمفكر وليس لكاتب, لحجم ما يحتوي من الثراء المعرفي..
قلت لها أني كنت أقرأ أيضا, لطاهر العدوان وصالح القلاب.. طاهر مزج في اللغة بين المقالة والرواية, كانت لغته رشيقة جدا وجميلة.. وصالح حين تقرأ له تعرف بوصلة السياسة إلى أين تتجه.. كنت أقرأ أيضا لباسم سكجها, وباسم ابن اللغة من المستحيل أن يضع فاصلة في غير مكانها.. ومن المستحيل أن يسهب في الشرح, هو يعطيك الزبدة مباشرة.
هذه الأقلام أغلبها غادرت الصحافة, وبعضها تقاعد بفعل العمر, وبعضهم اعتكف لأن الحال لم يعد هو ذاك الحال.. والبعض منهم أصابه الملل.. هذه الأقلام كانت تشكل مرجعية للسياسي والبرلماني وللمشرع..
في الأردن لم نعد ننتج أقلاما مثلما كنا نفعل في زمن سابق, لم نعد ننتج صحافة مثل التي كانت في بدايات عملنا.. صارت المقالة, مجرد هواية لكل متقاعد أو طامح.. أو لكل من يمتلك فائضا من المال.. أو فائضا من الصداقات.
في الأزمة الحالية..اكتفيت بمشاهدة التلفاز, لم أعد أقرأ ما يكتب في الصحف وعلى المواقع… يبدو أننا لا نعاني من انهيار المنظومة السياسية العربية فقط, بل صرنا نعاني أيضا من انهيار الوعي.
الدمار الذي أصاب الوعي العربي, لا يختلف أبدا عن الدمار الذي أصاب غزة..
كلنا تحت القصف..

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى