حل الدولتين في فلسطين مشروع صهيوني بديل لهدف التحرير
بقلم: أحمد السعدي
الدكتور محمد وحيد الجعبري وهو حفيد الشيخ محمد علي الجعبري، ذكر في رسالة مكتوبة، بناءً على طلبي، يذكر فيها ما سمعه من جده حول المشروع الصهيوني لإقامة (دولة فلسطين) في الضفة الغربية وقطاع غزة، الشيخ الجعبري كان من بين الشخصيات الفلسطينية التي جرى الإتصال بها من قبل الحاكم العسكري الصهيوني بعد احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية عام 1967. وقد أبلغ الجعبري بطبيعة هذه المحادثات ومحورها (إقامة دولتين في فلسطين، فالدولة الأولى هي قائمة وتسمى (إسرائيل)، أما الدولة الثانية فهي (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وتسمى دولة فلسطين، فالضفة الغربية كانت الجزء الفلسطيني من المملكة الأردنية الهاشمية وقد تم احتلالها عام 1967، وقطاع غزة تم احتلاله أيضاً وكان تحت إشراف الإدارة المصرية. وبدايةً فمجرد القبول بفكرة الدولة الفلسطينية هذه تلغي أردنية الضفة كأرض أردنية محتلة!! كما تلغي مسؤولية مصر، التي كانت تدير شؤون قطاع غزة، عن استعادة قطاع غزة، وبالتالي فإن ذلك يلغي القرارات الدولية المتعلقة بها كأراضي محتلة، مع أنه يوجد قرار دولي بالإنسحاب منهما!!)، وفي مؤتمر القمة العربية الذي عقد في السودان إثر احتلال الكيان الصهيوني الضفة والقطاع، تم التحذير من قبل بعض رؤساء الدول العربية من قيام العدو الصهيوني بتشكيل كيان فلسطيني في الضفة والقطاع بشروط ومواصفات الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين.
شخصيات وطنية في الضفة الغربية تعارض وتحذر من مشروع حل الدولتين
الشخصيات الفلسطينية التي اتصل بها الحاكم العسكري الصهيوني وعرض عليها فكرة الدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة أصدرت البيان التالي:-
“إننا إذ نؤكد إصرارنا على عودة وحدة الضفتين، ونرفض بإصرار الدعوة المشبوهة لإقامة دولة فلسطينية” يراد لها أن تكون منطقة عازلة بين العرب و(إسرائيل)، وهي وسيلة لإخراج القضية الفلسطينية من محيطها العربي وتجريدها من بعدها القومي، وعزل الشعب الفلسطيني عن أمته العربية، وإن إقامة مثل هذه الدولة من شأنه تصفية القضية الفلسطينية تصفية نهائية تؤدي إلى إنحلال الشعب الفلسطيني.
إننا ونحن نؤكد إصرارنا على وحدة الضفتين لنتذكر بألم أن أوضاعاً سادت أجهزة الحكم في الأردن خلقت آثاراً محزنة في نفوس المواطنين، ولكننا نعلم أن شعب الأردن بضفتيه، وقد هزته النكسة لعلى وعي تام بالأخطاء التي ساهمت في وقوعها، وأنه عاقد العزم على تقويمها، وإننا نرفض بإصرار الدعوة المشبوهة لإقامة دولة فلسطينية يراد لها أن تكون منطقة عازلة بين العرب و(إسرائيل)، مرتبطة بالوجود الصهيوني الدخيل، ونعتبر تلك الدعوة لإخراج القضية الفلسطينية من محيطها العربي وتجريدها من مفهومها القومي، وعزل الشعب العربي الفلسطيني عن أمته العربية”.
قيادة حركة فتح برئاسة عرفات لها موقف آخر غير موقف الشخصيات الوطنية
يذكر سليم الزعنون الذي كان رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني، وعضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح، “بأن أول تمرد على قيادة حركة فتح حصل عندما عرض فاروق القدومي، وهو أحد أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح ومن المؤسسين لها، موضوع المرحلية في تحقيق الأهداف ومباشرة بعد احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية والقطاع لإنشاء الدولة الفلسطينية، واعتبر المتمردون أن هذا بمثابة خيانة، وكما ذكر وائل السعدي، الذي كان عضوا في لجنة الإقليم لحركة فتح في الكويت، أنه سمع كلاماً كهذا من عصام السرطاوي وادعى “أن هنالك قرارات قيادة سرّية بالقبول بالضفة الغربية والقطاع لإنشاء دولة فيها”.
“واجتمعت لجنة الإقليم لحركة فتح في الكويت وانتهت إلى القول بأن هنالك إنحرافاً في الحركة، واتخذت قراراً بمنع المال عن القيادة التي يرأسها عرفات”، وجرت مشاورات واجتماعات انتهت بتجميد هذه المشكلة إلى حين انعقاد المؤتمر العام الثاني لحركة فتح في سوريا، وكما يذكر القيادي في الحركة صلاح خلف فقد تم إحالة (إقامة الدولة) في الضفة والقطاع بانتظار أيام أفضل”، كتاب صلاح خلف (فلسطيني بلا هوية، ص220)، ومذكرات سليم الزعنون (السيرة والمسيرة ص139-141)،
خطوات فلسطنة الصراع العربي الصهيوني، وحل الدولتين
1968- 1974 وإعلان الدولة الفلسطينية عام 1988
فلسطنة الصراع مع العدو الصهيوني كانت الخطوات الأولى لعرفات عندما أصبح رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، مع أن هذا الصراع منذ نشأته كان حرباً بين دول عربية والكيان الصهيوني، كما كانت الثورة الفلسطينية مدعومة بقيادات وعناصر عربية منذ بداية هذا الصراع، فما هي خطوات عرفات لفلسطنة الصراع العربي الصهيوني الذي اقترحتها فتح عرفات وأقرها المجلس الوطني الفلسطيني الذي أصبحت الأغلبية فيه لحركة فتح/عرفات وكان ذلك في 17/7/1968م :-
1. تغيير عنوان الميثاق القومي الفلسطيني الذي قامت على أساسه منظمة التحرير، فأصبح العنوان، الميثاق الوطني الفلسطيني.
2. المادة الأولى في الميثاق أصبحت “فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني، بدلاً من فلسطين وطن عربي.
3. حذفت المادة (24) التي تنص على “لا تمارس هذه المنظمة أي سيادة على الضفة الغربية في المملكة الأردنية الهاشمية ولا في قطاع غزة.
فلسطنة الصراع بدأها عرفات ولم تتوقف عند هذه التعديلات بل اتخذت خطوات عديدة لنشر فكر الفلسطنة لتلتحق بذلك الأمم المتحدة والدول العربية عام 1974 خطوات عملية فلسطينية ودولية وعربية لإقرار فلسطنة الصراع، ففي الدورة الثانية عشرة بتاريخ 8/6/1974 أقر المجلس الوطني الفلسطيني البرنامج السياسي المرحلي الذي تبنت فيه منظمة التحرير الفلسطينية إقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة على كل جزء من الأراضي الفلسطينية يتم تحريرها.
وفي 14/10/1974 دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة الشعب الفلسطيني إلى الاشتراك في مداولات الجمعية العامة حول قضية فلسطين في جلساتها العامة …وفي 29/10/1974 أصدر مؤتمر القمة العربية السابع في الرباط قراراته وأحدها “تأكيد حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني على أية أرض فلسطينية يتم تحريرها وتقوم الدول العربية بمساندة هذه السلطة عند قيامها في جميع المجالات.
وفي 31/7/ 1988 أعلن الملك حسين ملك الأردن في خطاب له فك الإرتباط مع الضفة الغربية، وفي ضوء ذلك واستكمالاَ لقرارات الفلسطنة للصراع العربي الصهيوني أعلن المجلس الوطني الفلسطيني استقلال فلسطين!! في حفل كبير في الجزائر في 15/11/1988.
اتفاقية أوسلو عام 1993 ذروة ونتاج حل الدولتين
واضح مما سبق أن مشروع حركة فتح التي قادت مسيرة العمل الفدائي إثر حرب عام 1967 الذي نتج عنها احتلال الكيان الصهيوني لسيناء المصرية والضفة الغربية وقطاع غزة وهو ما لم يحتل عام 1948، فمشروع الدولة الفلسطينية أو حل الدولتين بدأ التمهيد له كما مر سابقاً، ووصل هذا الحل ذروته المأساوية عام 1993 باتفاقية أوسلو التي تلخصها رسالة من عرفات، الرئيس الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية في 9/9/1993 الى رئيس الحكومة الصهيونية والتي ذكر فيها “بأن بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تنكر حق إسرائيل بالوجود…ستصبح ملغاة، وأن منظمة التحرير الفلسطينية ستتحمل مسؤولية جميع عناصر وموظفي منظمة التحرير كي تضمن إذعانهم …وتتخذ الإجراءات التأديبية بحقهم”، بينما إجابة رئيس الحكومة الصهيوني إسحق رابين لا يوجد بها أي التزام سوى الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً للشعب الفلسطيني وبدء المفاوضات في (إطار عملية السلام).
والكل يعرف أنه يوجد تنسيق أمني بين السلطة الفلسطينية، والكيان الصهيوني، بموجب هذه الاتفاقية تقوم السلطة الفلسطينية بواجباتها في ملاحقة الفدائيين واعتقالهم بل وحصل ذلك، ولا يزيد كون (الدولة الفلسطينية) عن أداة لخدمة الأمن الإسرائيلي.
فحل الدولتين يعني بداية الاعتراف بالكيان الصهيوني وخدمته أمنياً، وإلغاء هدف التحرير، بل تم تحميل تكلفة إدارة القطاع لما سمي الدولة الفلسطينية، مع أنها بالأصل كلفة يدفعها المحتل.
وكيف استطاع عرفات الوصول لذلك يحتاج الجواب لتفصيلات كثيرة، تتلخص (بأن عرفات كان يقوم ببرنامج الاعتراف بالكيان الصهيوني وخدمته أمنياً تحت عنوان الحصول على دولة في الضفة والقطاع)، وبحل الدولتين لم تعد هذه الأجزاء من فلسطين أردنية (الضفة الغربية)، ولا ضمن الإدارة المصرية (قطاع غزة)، بل أصبحت مناطق يتم التفاوض حول مصيرهما، وقد قال رئيس الحكومة الصهيونية شامير سنفاوضهم عشرين عاما ولن نعطهم شيئاً، وها قد مرّ ثلاثين عاماً دون أن يتحقق شيء في هذا المجال.
ملاحظة أخيرة:
قرارات الأمم المتحدة بخصوص القضية الفلسطينية هي أقل سوءاً من اتفاقية أوسلو وما يسمى حل الدولتين.
كلمة أخيرة واجبة:
بهذه المناسبة أحيي ثورة (طوفان الأقصى) قادة وعناصر، فهي تجاوزت بتنظيمها وإنجازاتها ثورات ما بعد مأساة 1967 !! واحتلال أراضي في ثلاث دول عربية …وأي اتفاقية أو مصالحة بين المنظمات الفلسطينية إذا لم تكن قائمة على برنامج واحد وأهداف واضحة فإنها لن تعمر طويلاً، وسيكون لذلك نتائج مأساوية لاسمح الله.
(ثورة طوفان الأقصى) تستحق كل دعم وثناء ونصيحة أخوية.