دماء غزة في أعناق الشعوب العربية .. أشكو العروبة، أم أشكو لك العربا؟
بقلم: نارام سرجون
لم أتعود أن يقل كلامي في الاحداث الكبيرة .. ولكن قدرتي على الكلام قليلة .. لأن ما أريد قوله صار فوق طاقة الكلام على أن يحمله .. وما أريد قوله لم يعد كلاما بل سياطا أحملها .. والكتابة بالسياط تشبه محاولة المشعوذين اخراج الجن من النفوس المريضة بجلدهم .. والكتابة عندها تصبح أقرب الى الشعوذة منها الى تحرير الروح باليقين .. فالكتابة ليست تعويذات وليست للمجانين بل للعقلاء وذوي العقل .. ولا تقبل ان تحملها السياط ..
ولكن دعوني أحرر روحي .. ودعوني أصدر حكما ببراءة كل الزعماء العرب .. لأدين معظم الشعوب العربية .. لأن عملية تحميل التخاذل والتقصير للحاكم لم تعد حجة مقبولة وذريعة يمكن تعاطيها .. بل ان الحقيقة هي أن الحكام لم يكونوا قادرين على مواجهة الشعوب عندما كانت هناك شعوب تحاسبهم .. وتعاقبهم او تفرض عليهم خطواتها .. ان بريق عبد الناصر عندما كان يستدعي الشعوب العربية ليس لأنه كان قائدا فذا فقط وليس لأن خطاباته كانت تلهب المشاعر والعواطف .. بل لأن ذلك الجيل العربي الذي قاده عبد الناصر غير هذا الجيل من الشعوب العربية الباردة التي صارت ترى ان الجهاد فرض كفاية على غزة .. وحزب الله .. وصارت تأخذ عروبتها من ابو ظبي ومن السعودية ومن تركيا .. وأحيانا من الاتحاد الاوربي .. وترى ان خير الجهاد هو جهاد الدعاء على اسرائيل .. وعلى الزعماء العرب ..
صحيح ان ذلك الجيل الذي تبع عبد الناصر كان يتلقى الهزيمة ولكنه لم يكن متصالحا مع فكرة الهزيمة وخرج يصرخ (ح نحارب) رغم ان جرحه كان لايزال ينزّ دما .. وذلك الجيل العربي الذي رحل هو الذي كان يجرّ نوري السعيد على الرصيف لخيانته . . وهو الذي أطاح بالحكم الملكي في ليبيا .. وهو الجيل الذي قطع النفط عن الغرب من قلب السعودية وأعلن اضراب عمال شركة ارامكو في قلب المملكة البريطانية الصنع .. فيما كان عمال التابلاين يقطعون شرايينه ويرفض عمال آخرون تحميل البواخر الغربية من الموانئ العربية او افراغها .. في ذلك الزمان كان خطاب عبد الناصر مخيفا للزعماء العرب ليس لأنه عبد الناصر بل لأن ذلك الجيل العربي هو الذي جعل عبد الناصر قويا .. وكان هدير المتظاهرين في الطرقات يرعب أي امير نفطي وأي ملك عربي لا ينطق باللاءات الثلاث .. وكان على الملوك الانتظار للتمرد على شعوبهم الى لحظة سقطت الشعوب العربية في امتحان الصمود وقبلت بسلام (الشجعان) .. وتسلل الاسرائيليون من تلك اللحظة الى شقوقنا الاجتماعية عبر اعلام النفط المسموم ..
اليوم .. هذا الاصرار على تحميل الحاكم الذنوب وخطيئة التقاعس عن نصرة غزة هو شكل من اشكال الهروب من الحقيقة وهو نوع من أنواع التخلف الاجتماعي والمرض النفسي الذي يرى أن مشاكل الامة سببها افراد في السلطة .. وليس المجموع الواعي والمجموع النخبوي والمجموع العام .. فأبن هم المثقفون باستثناء حفنة قليلة جدا .. واين هم الفنانون والشعراء .. واين هم أولئك الذين يغضبون؟ .. وأين هم عمال المصافي والنفط وأين هي النقابات؟ .. واين هي الجمعيات المدنية والاهلية التي تحرك الناس؟؟ ..
غزة قدمت أعظم جرعة تنشيط للشعوب العربية ولكن الشعوب العربية هي التي خذلت غزة .. واكتفت ببعض مظاهرات كانت رفعا للعتب ونوعا من الاندفاعة التي ظن اصحابها انهم فعلوا ما يجب عليهم ان يفعلوه وكفى الله المؤمنين شر القتال ..
هذه الشعوب التي رضيت ان تقاتل تحت راية السعودية والامارت وتركيا لاسقاط الجمهوريات العربية .. كانت تقول ان سبب كوارثها هم الحكام العرب .. وتمكن اعلام النفط من تفسير كلمة الحكام العرب برؤساء خمس جمهوريات عربية .. رغم ان عربيا واحدا لا يستطيع ان يقول ان العراق البعثي لم يقدم من أجل فلسطين .. ولا يستطيع عربي ان يقول ان الحكم البعثي في سورية لم يقدم لفلسطين وانه دفع ثمن موقفه وانه لايزال يدفع لفلسطين .. ولا يستطيع عربي ان ينكر ان القذافي كان مع فلسطين وانه حوصر بسبب مواقفه العربية والمحبة لفلسطين .. ولا يستطيع عربي ان ينكر ان اليمن انخرط من اجل فلسطين بما يقدر .. ولكن نستطيع ان نتحدى العرب جميعا شعوبا وقبائل وأفرادا ان يأتوا لنا بملك عربي واحد لم يخن فلسطين سرا وعلانية .. ونتحدى اي عربي أن يأتي لنا بأمير نفطي او شيخ من شيوخ النفط لم يخن فلسطين سرا وعلانية وبكل وقاحة ..
وبعد كل هذا نسمع صراخ الصغار والنساء والمفجوعين في غزة يقول أين العرب ؟؟ عن أي عرب تسالون يا أهل غزة؟؟ لم يبق هناك عرب .. العرب دمروا العروبة .. ودمروا العرب .. دمروا العراق الذي كان يقف مع فلسطين .. ودمروا سورية.. التي كانت ذخرا لفلسطين .. ودمروا ليبيا .. ودمروا اليمن .. ودمروا لبنان .. وبقي لكم عرب النفط وشيوخ النفط .. وما أدراكم بشيوخ النفط .. هؤلاء تمثلهم جدا ابتسامة وضحكة وزير النفط السعودي الذي أضحكه سؤال السيدة الاجنبية التي طرحت عليه سؤالا عن احتمال تأثر امدادات النفط اذا قررت السعودية التهديد به .. وأبدى تأثره على ضحايا الصراع الاسرائيليين والفلسطينيين ..
في زمن مضى كان هناك عبد الناصر .. ولكن كان عبد الناصر مدفوعا بالجماهير التي حملته كما يحمل التيار الجارف السفن … وفي هذا الزمان هناك عبد الناصر يلبس عمامة سوداء اسمه السيد حسن نصرالله .. عبد الناصر غير لباسه العسكري الى عمامة سوداء .. ولكن خطاب السيد حسن نصرالله هو نفس خطاب عبد الناصر الى حد التطابق .. وان اختلف الزي واختلفت الايدولوجيات .. ولكن زمن السيد ليس زمن الزعيم .. فالسيد لا تقف معه جماهير الامة التي تنتظر فتوى بقبول مشروعه .. والجماهير التي رأى السيد حسن أنها لن تتقدم خطوة واحدة نحو خلخلة النظام الرسمي العربي واستعادة هيبة الجماهير التي تشعره انه ان يقدر ان يطلق العنان للغضب .. وأنها ستنصره وستقف معه وستحطم الطرقات وتقتلع السفارات .. ولو تأكد السيد حسن بعد اسبوعين من الحرب ان الشعوب تغيرت فانه ربما كان سيجد أن أسهل شيء سيكون قيادة الغضب الشعبي وتفجير الشرق العربي على مصالح اميريكا والغرب ..
أرجو ان نتوقف عن لعب دور الضحية .. واننا نتعرض لاظهاد الشرطة والمخابرات العربية رغم ان غضب الجماهير واعاصيرها على الغرب لن يقدر حاكم ان يقف في وجهه .. وأنا أظن ان الحكام العرب جميعا لم يحسوا أنهم مهددون بالشارع العربي .. ولم يحسوا انهم مضطرون لمجاراة الشارع العربي والشكوى للغرب انهم محرجون وانهم مضطرون لاتخاذ مواقف لانهم وجدوا ان هذه الذريعة لم تقدمها لهم شعوبهم .. وهذا لا يعني انهم راغبون بهذا الدور .. ولكننا أعفيناهم ومنحناهم شرف الوقاحة في التخاذل واللامبالاة ..
الشعوب العربية في الاردن .. وفي مصر .. وفي السعودية .. وفي كل دول الخليج .. وفي المغرب .. وفي تونس والجزائر .. كان بامكانها ان تفعل الكثير .. ما يفعله الشعب السوري والعراقي واليمني وحزب الله الذين يقاتلون يوميا ضد القواعد الامريكية والوجود الامريكي يجب تقديرها رغم وجود هذه الدول في وضع كارثي بالقياس لما تعيشه بقية الشعوب العربية .. وخاصة الشعب السوري الذي لم تبق فيه سفارة غربية واحدة ليهاجمها ولا مصالح تجارية ولا خطوط مواصلات بل على العكس ترسل اليه اميريكا داعش لقتله في الوقت الذي تقتل فيه اهل غزة..
سأقول ان بقية الشعوب العربية مقصرة واذا ما قارنت ما رأيته من ثورة عالمية ووقفات مذهلة في شوارع العالم فانني أعتبر ان الشارع العربي يحتاج علاجا بالصدمة .. ويحتاج عملية انعاش .. ويحتاج دواء .. لأنه الرجل المريض الذي حدث زلزال حوله وهو لايزال يفكر ان كان عليه ان يتحرك قبل ان ينهار المبنى عليه ام ينتظر فتوى المشايخ .. وفتوى الفضائيات وفتوى الجزيرة وسكاي نيوز والعربية ..
صدق من قال: يا ابن الوليد .. ألا سيف تؤجره؟؟