أردوغان وغزة.. دعم السوشيال ميديا

بقلم: حسام عبد الكريم*

لا يتوقف الرئيس التركي عن ازعاجنا. يتناسى رجب طيب اردوغان انه يترأس دولة ضخمة, لها جيش جرار, واقتصاد كبير وموقع استراتيجي في المنطقة, ويصر على التصرف كأنه احد الشبان الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي – انفلونسر. منشورات على منصة اكس. كلام وتصريحات. خطابات وبيانات عن غزة وفلسطين. كلام بلا افعال. كلام ممكن ان يصدر عن فنان او لاعب كرة قدم متحمس.
تدرجت مواقف الرئيس التركي من الحرب الاسرائيلية في غزة. حين بدأ القصف الوحشي على غزة صرح اردوغان, الغاضب, انه سوف يلغي زيارته المقررة الى “اسرائيل”. هكذا يهدد “اسرائيل”, سوف ألغي زيارتي ! ولماذا كنتَ ستزورهم من الاساس ؟! هل اكتشفتَ, وانت في السبعينات من عمرك, أن “اسرائيل” دولة عنصرية مجرمة فقط عندما بدأ القصف الوحشي الاخير على غزة ؟ وقبل ذلك ماذا كانت “اسرائيل” يا ترى , حمامة سلام؟! ثم قال اردوغان : انه لن يتكلم مع نتنياهو بعد الان! ياللهول. نتنياهو لن ينام الليل بسبب مخاصمة اردوغان. وبعدها قال اردوغان : ان “اسرائيل” دولة مجرمة ويجب محاكمتها امام المحاكم الدولية. كلام جيد ولكنه مجرد تصريح صحفي وليس كما فعلت دولة جنوب افريقيا التي تقدمت رسمياً بشكوى لمحكمة الجنايات الدولية مطالبة بمحاكمة قادة “اسرائيل” كمجرمي حرب. ثم قال اردوغان : ان حماس ليست منظمة ارهابية بل هي حركة تحرر وطني. ما دمتَ تعلن ذلك, لماذا اذن لا تقوم بمساعدتها عسكرياً , لماذا لا ترسل لها السلاح حتى تدافع عن نفسها؟ بما انها حركة تحرر وطني فلديك الحق ان تدعمها عسكريا من ناحية اخلاقية وحتى قانونية, فلماذا لا تفعل؟ ثم فجّر اردوغان قنبلته الكبرى : دعا رؤساء الدول العربية والاسلامية للحضور الى اسطنبول للمشاركة في مسيرة تنديداً بالعدوان على غزة. طبعاً لم يحضر احد, وهو كان يعرف ان أحداً لن يأخذ دعوته تلك بجدية, فاكتفى هو بالقاء خطاب حماسي لجماهير حزبه التي احتشدت لسماع رئيسها – الخطيب المفوّه – وهو يقول ان تركيا كانت مسؤولة عن القدس والمسجد الاقصى لـ 400 سنة, وكفى.
اردوغان سياسي مخضرم وبراغماتي. هذا امر مفهوم ومعروف. ولكن اصراره على تقمّص شخصية الفارس الشجاع المدافع عن الحق هو ما يُزعج, لأنه في الحقيقة ليس كذلك. نبرة الصوت العالي تجاه “اسرائيل” والكلام الكثير عن فلسطين أمر مفيد له سياسياً وانتخابياً داخل بلاده. ولكن في النهاية المصلحة والمكاسب المادية لها الكلمة العليا عنده, ولذلك لا يُتبع كلامه بالافعال. الفارس الشجاع ورجل المبادئ والمواقف لا بد ان يكون مستعداً لدفع ثمن مقابل الحق الذي يتبنّاه, لا أن يكتفي بالتصريحات وكأنّ تركيا من دول جنوب الصحراء الافريقية او جزر الكاريبي.
لو شاء اردوغان ان يفعل لفعل, ولكان فعله مؤثراً. بين يديه مروحة كبيرة من الخيارات والقرارات التي ممكن ان يتخذها لو تخلى قليلا عن البراغماتية السياسية المقيّدة والمقيتة. فيما يلي بعضها :
– تركيا تربطها علاقات دبلوماسية مع “اسرائيل”. بإمكانه قطعها.
– تركيا عضو فاعل في حلف الناتو بقيادة امريكا. بإمكانه الخروج منه.
– تركيا لها علاقات تجارية واقتصادية واسعة مع “اسرائيل”, وهي مازالت تسير على ما يرام. فمثلا يوم 18 اكتوبر, 11 يوما بعد بدء الحرب, ذكرت وزارة الزراعة الاسرائيلية ان سفينة عملاقة قادمة من تركيا تحمل 4500 طن من الفواكه والخضار رست في ميناء حيفا. ويوم 21 اكتوبر ذكرت وكالة بلومبيرغ انه تم نقل مليون برميل من النفط الاذربيجاني الى “اسرائيل” عبر ميناء جيهان التركي. وهناك علاقات سياحية ورحلات طيران . بإمكان اردوغان لو شاء تقليص التعاملات التجارية للحد الأدنى او حتى إلغائها كلياً.
– على الصعيد السياسي والدبلوماسي, بامكان تركيا ان تكون اكثر فعالية وشراسة في معارضة “اسرائيل” وتنظيم حملات لعزلها ومقاطعتها. وفي اضعف الايمان يمكن لتركيا في مناطق نفوذها في اسيا الوسطى , وابرزها اذربيجان, أن تأمر اتباعها وحلفاءها وتوجههم لمنع التغلغل الاسرائيلي فيها. ولكنها لا تفعل و “اسرائيل” تسرح وتمرح في اذربيجان.
– تركيا لديها جيش جرار, بل ويعتبر ثاني اكبر جيش في حلف الناتو بعد الجيش الامريكي. وهي تتدخل عسكريا وأمنيا في عدة دول خارج حدودها مثل سورية والعراق وليبيا وقبرص واذربيجان وارمينيا وغيرها. ولو كان اردوغان صلباً وصاحب مبادئ لكان بامكانه ان يوجه جيشه ومؤسساته العسكرية والامنية لتقديم الدعم العسكري لحماس وجناحها المسلح (كما تفعل ايران). ولكنه لا يفعل, بل على العكس فالجيش التركي له علاقات عسكرية مستمرة مع نظيره الاسرائيلي.

لا يفعل اردوغان شيئا من ذلك كله لأنه مُكلِف ويترتب عليه تبعات لا يريد تحملها, ويكتفي بالصراخ والزعيق الذي يزعج “اسرائيل” بلا شك ولكنها تحتمله على مضض ما دام كلاماً في الهواء.

*كاتب من الاردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى