غزة بين نكبتي 1948 و2023
بقلم: خليل البخاري/ المغرب*

تتزايد فضائع الكيان الصهيوني النازي في قطاع غزة والتي وصلت إلى حد التلويح بتهجير سكان القطاع إلى وادي غزة جنوبا ..هذه الأحداث تذكرنا بنكبة 1948 وما شهدتها القرى والبلدات الفلسطينية من خراب وتدمير واسع بلغت حد محلها من ذاكرة الجغرافيا ودخولها إلى ذاكرة التاريخ ليتحول بعدها الشعب الفلسطيني إلى أرقام في الشتات والنزوح واللجوء.
فمنذ 1948 شرد الإحتلال الصهيوني النازي والعصابات التابعة له آلاف الفلسطينيين من قراهم ومدنهم فمن أصل 1,4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 داخل 1300قرية ومدينة فلسطينية فضلا عن التهجير الداخلي للآلاف منهم داخل الأراضي التي أخضعت لسيطرة الإحتلال الإسرائيلي عام النكبة وما تلاه بعد طردهم من منازلهم والإستيلاء على أراضيهم. وليبدأ التاريخ من 1948 تسجيل مجازر وإبادة جماعية ممنهجة بحق سكان فلسطين على يد المحتل : دير ياسين عام1948, مخيم البريج 1953, ،مجزرة نحالين 1954, مذبحتي غزة الأولى والثانية 1957, مذبحة قانا..وغيرها..ولا تزال صفحات التاريخ مفتوحة إلى الآن.
وفي يونيو 1967 إغتصب الكيان الصهيوني ما تبقى من فلسطين التاريخية (القدس الشرقية، الضفة الغربية، قطاع غزة ومعها هضبة الجولان السورية)… وفي سنة 1982 إرتكب الإحتلال الصهيوني النازي مجزرة أخرى في مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين .
لقد تعرض قطاع غزة لعدة حروب دامية أبرزها حرب 2008 تحت إسم عملية الرصاص المصبوب استعمل فيه الفوسفور الابيض واليورانيوم المنضب والمتفجرات. وفي 2014 أطلقت إسرائيل عملية الجرف الصامد على قطاع غزة. وتظل عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس المقاومة للإحتلال الصهيوني الغاشم ردا على الإنتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى في سجون الإحتلال . وأعلنت إسرائيل حربا ظالمة متواصلة دون توقف على قطاع غزة استهدف دور العبادة والمدارس والمستشفيات وقطعت الماء والكهرباء والوقود والأدوية على غزة. وتهدد حاليا بآستعمال السلاح النووي كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الحرب العالمية الثانية ضد مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين.
إن ما تقوم به سلطات الإحتلال حاليا ما هو إلا تطهير عرقي، ولكن فلسطين أرض لا تفنى، وشعب لا يموت.
إن نكبة غزة أشد قهرا من المجازر السابقة. وهناك دروس عديدة تعلمها العالم من أهل غزة المناضلين والصبورين أبرزها : حبهم لقطاع غزة المروي بالدماء وتحملهم للمعاناة والقهر في ظل الحرمان من الحياة والماء والكهرباء والطعام والأدوية وكل مقومات الحياة الأساسية إضافة إلى إيمانهم القوي بقضيتهم التاريخية والقيم الأخلاقية التي يتحلون بها.
إن ما يقع حاليآ بقطاع غزة يمكن تسميته بنكبة غزة 2023. . فقد تحول جنوب قطاع مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى أداة ضغط على مصر . وهدف الحكومة الإسرائيلية المتطرفة هو تهجير سكان غزة إلى سيناء تحت ذريعة اللجوء الظرفي ورفض عودتهم إلى ماقبل 7اكتوبر الماضي.
إن ما يقع في قطاع غزة الآن يسير بشعب غزة نحو نكبة ثانية. فحتى لو حصل الفلسطينيون والمصريون والعرب على ضمانات بعودة سكان غزة. فإن الحكومة الإسرائيلية لن تلتزم يوما بتنفيذ أي قرار أممي. وفي زمن الأحادية القطبية بعد آنهيار الإتحاد السوفياتي وانحياز واشنطن لإسرائيل في الأزمة الآنية، فإن إمكانية تعنت إسرائيل ستكون واردة جدا.
لقد تأخر الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية. ففي النكبة الأولى لعام 1948 يتحمل النظام الرسمي العربي حينها جزءا من مسؤولية عدم قيام كيان فلسطين مستقل، حيث ظلت الأراضي الفلسطينية بعد قرار التقسيم تحت رعاية أردنية مصرية.
بين النكبة الثانية (غزة) والدولة المحتلة تصر إسرائيل على تنفيذ النكبة الأولى وتجنب الإجابة عن الثانية (الدولة).. وصفوة القول إن إسرائيل حاليا تراهن على النكبة الأولى مجددا لمنع قيام دولة فلسطين.
* أستاذ مادة التاريخ