لماذا قَزَّمَتْ الأنظمة العربية القضية الفلسطينية إلى جَيْبٍ في غزة؟

بقلم: توفيق المديني

رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع من حرب الإبادة الصهيونية -الأمريكية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والتي أسفرت لغاية الآن عن استشهاد أكثر من 8805 فلسطينيًا، بينهم 3648 طفلا ،و2290 عدد النساء اللواتي قتلن في غزة، و2030 عدد المفقودين، أو تحت الأنقاض، و132 عدد الكوادر الطبية الذين قتلوا جراء القصف الإسرائيلي ،و 22219 عدد الفلسطينيين المصابين ، وفي الضفة الغربية استشهد 132 فلسطينيا ،وبلغ عدد المصابين 2050 ،واعتقل نحو 2000 ، حسب مصادر فلسطينية رسمية، فإنَّ الدول العربية على اختلاف الأنظمة التي تحكمها، لم تتخذ المواقف القومية الحازمة تجاه الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تدعم استمرار العدوان الصهيوني على غزة .
وفي الكيان الصهيوني ، بلغ عدد القتلى الإسرائيليين 1400 شخصًا منذ 7أكتوبر 2023،و328 هو عدد الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا ،و5431 هو عدد المصابين الإسرائيليين، و250 ألف هو عدد النازحين الإسرائيليين، و240 هو عدد الجنود والمدنيين المحتجزين لدى حركة حماس.
وبحسب كبير الاقتصاديين في شركة الاستثمار الإسرائيلية “ميتاف” أليكس زبينسكي ستصل أضرار الحرب التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة إلى أكثر من 70 مليار شيكل (18 مليار دولار)، وهو ما يشكل حوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي.وتتوزع الخسائر والأضرار إلى 4 مجالات هي: التكلفة المباشرة للقتال، ودفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات، والمساعدات المالية للعائلات والمصالح التجارية، وفقدان إيرادات الدولة بسبب الأضرار التي لحقت بالنشاط الاقتصادي.
لقد سال الدم الفلسطيني غزيراً في قطاع غزة منذ بداية الحرب الصهيونية-الأمريكية ، والذي امتد للضفة الغربية، ومع ذلك، حوّلت الأنظمة العربية القضية الفلسطينية، التي كانت في الأمس القريب، قضية مركزية في المشروع النهضوي العربي، إلى جيبٍ صغيرٍ في غزة يعمل العدو الصهيوني إلى تهجير سكانه بالقوة إلى صحراء سيناء.
لكنَّ المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس لا تزال تقاوم هذا المخطط الأمريكي الصهيوني الرجعي العربي الذي يستهدف تهجير سكان قطاع غزة بقوة السلاح، وتوطينهم في صحراء سيناء، مقابل إلغاء الديون المصرية التي بلغت حوالي 160 مليار دولار بحلول نهاية العام الماضي، خصوصًا وأنَّ نظام السيسي يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على المساعدة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية.إضافة لذلك يعمل هذا المخطط على تصفية القضية الفلسطينية، وإقامة تحالفٍ استراتيجيٍّ بين الكيان الصهيوني والأنظمة العربية تقوده الولايات المتحدة، ويمنع حماس من أن تخرج منتصرةً في هذه الحرب، لأنَّ هذا النصر سيؤدي إلى تأكيد شرعية أيديولوجية المقاومة في المنطقة العربية ، ويقوي من صعود إيران كقوة إقليمية التي تربطها علاقات قوية مع فصائل المقاومة المتمركزة في جنوب فلسطين وشمالها، وفي اليمن، والعراق وسوريا.
والحاصل أنَّ هناك مشروعين يحكمان المشهد السياسي الفلسطيني ،أحدهما يؤمن بالتسوية طريقاً لحل القضية الفلسطينية رغم الفشل الذريع الذي منيت به منظمة التحرير الفلسطينية والمتمحورة حول حركة فتح التي كان يقودها الرئيس الراحل ياسر عرفات، والتي عجزت تاريخياً في التوصل إلى تحقيق هدفها عبر التفاوض مع “إسرائيل ” في خلق دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية ،والحل الآخر يؤمن بخيار المقاومة طريقًا لتحرير الأرض السليبة في فلسطين ،هذا هو الوضع حتى عشية اندلاع عملية “طوفان الأقصى” في 7أكتوبر الماضي.
وإذا كان الكيان الصهيوني قد تَمَكَّنَ مِنْ حَرْقِ مِنَ الأرضِ العربيةِ متى شَاءَ ذلك، وأنْ يُحيِّدَ من الدول العربية أكثرها، فإنَّه لم يستطع أن يصفي المقاومة الرافعة لواء التحرير ودحر الاحتلال، من حزب الله في لبنان إلى الحركات الجهادية في فلسطين. فلا تزال المقاومة تشكل رافعة حقيقية حين توجه بنادقها ضدَّ العدو القومي للأمة، وضد الاحتلال الأجنبي على اختلاف مسمياته.
وفي هذا السياق الأوسع، هناك على الأقل حلقات تاريخية أو عناصر رئيسية ساعدت على الوصول بنا إلى العملية الحربية الجريئة لحركة حماس “طوفان الأقصى” التي وقعت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر2023، هذه العناصر هي:
المقاومة من المقدس الوطني إلى المقدس الديني
عندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة فتح في 1 كانون الثاني /يناير عام 1965، ولعبت دوراً بارزاً في تفجير الكفاح المسلح في فلسطين المحتلة وفي بلدان الطوق، جنباً إلى جنب مع باقي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الأخرى، لم تشارك الحركة الإسلامية الفلسطينية في معمعان الكفاح المسلح الذي كان دائراً آنذاك، واستمر لمدة عقدين من الزمن. وعندما انساقت معظم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في خط التسوية، والبحث عن حلول سلمية للصراع العربي- الصهيوني، وأصيبت المنظمة بالعجز والوهن، في ظل تراجع دورها على الصعيد العسكري، برزت ” الظاهرة الجهادية” من خلال تفجر العمل العسكري الذي مهد لانطلاقة الانتفاضة الأولى في فلسطين المحتلة في9 كانون الأول 1987.
تاريخياً وجدلياً مثلت الانتفاضة الفلسطينية بداية انتقال الكفاح المسلح من المقدس الوطني إلى المقدس الديني. فالمقاومة الفلسطينية اكتسبت شرعيتها السياسية والتاريخية في ظل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لها عندما تبنت ومارست الكفاح المسلح طريقاً لتحرير فلسطين.
غير أنه، وفي عام 1974 عندما ذهب الزعيم الراحل ياسر عرفات إلى الأمم المتحدة لتحتضنه الشرعية الدولية، لم يعد الكفاح المسلح مرتبطاً بالأهداف الاستراتيجية كالتحرير والعودة. وما كان يمكن أن يصعد عرفات إلى منبر الأمم المتحدة بهذه السهولة، وكان هذا إعلاناً أن منظمة التحرير أصبحت جزءاً من السياسة واللعبة الدولية والإقليمية التي لا تسمح مطلقاً باستمرارالمقاومة الفلسطينية من أجل التحرير. وبدأت منظمة التحرير التي أنشئت من أجل هدف التحرير ومنه تستمد اسمها، تتلاشى رويداً رويداً.
آنذاك، جرى توظيف العمل العسكري في خدمة خط التسوية السياسية الذي بدأ يهيمن على الساحة الفلسطينية منذ أواسط السبعينيات. هذه الوضعية المزرية من تراجع المقاومة، وعدم تطويرها، أسهمت في إضعاف “المقدس الوطني” للكفاح المسلح عند فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وهكذا سقط المقدس الوطني في أحابيل خط التسوية.
إسقاط الدولة الوطنية العراقية
شكلت حرب الخليج 1991 عرضًا مذهلاً للقوة العسكرية الأمريكية والفن الدبلوماسي الذي أزال التهديد الذي شكله صدام حسين على توازن القوى الإقليمي. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي ، أصبحت الولايات المتحدة القائدة الفعلية للنظام الدولي الأحادي القطبية .فانتهز جورج بوش الأب ووزير الخارجية جيمس بيكر وفريق من ذوي الخبرة في الشرق الأوسط هذه الفرصة لعقد مؤتمر مدريد للسلام في تشرين الأول/ أكتوبر 1991، ضم ممثلين عن “إسرائيل” وسوريا ولبنان ومصر والمجموعة الأوروبية، ووفدًا أردنيًا فلسطينيًا مشتركًا.
وعلى الرغم من أنَّ مؤتمر مدريد لم يسفر عن نتائج ملموسة، ناهيك عن اتفاق سلام نهائي، إلا أنَّه وضع الأساس لبناء نظام إقليمي شرق أوسطي جديد، لا سيما بعد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين في العراق سنة 2003.. كان رَدّ محور المقاومة المتكون من إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي استراتيجيًا. فقد سعى محور المقاومة إلى أن يثبت للولايات المتحدة وغيرها أنَّه يمكن أن يعرقل مخططها الرامي إلى إنشاء نظام إقليمي جديد. وهذا هو بالضبط ما حدث، حيث قوضت عمليات المقاومة التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. ومع مرور الوقت، ومع بقاء السلام بعيد المنال وتدهور العلاقات بين إيران والغرب أكثر، أصبحت العلاقات بين حماس وإيران أقوى.
ثم جاء دور ما يسمى ب”انتفاضات الربيع العربي”، واندلاع الحرب الأهلية في سوريا ،عن طريق توظيف الولايات المتحدة والدول الإقليمية الخليجية والتركية والإسرائيلية الحركات الإرهابية والتكفيرية بهدف إسقاط الدولة الوطنية السورية. ومع دخول روسيا لهذه الحرب في نهاية سبتمبر 2015، واندلاع حرب التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن،وقيام هؤلاء الأخيرين بشن هجمات كبيرة ضد شحنات النفط والمنشآت في الخليج العربي والسعودية، زادتْ كل هذه التطورات من مخاوف السعوديين، وأصبحت في نظرهم إيران تمثل العدو الرئيس في إقليم الشرق الأوسط.
غير أنَّ التطور المهم تمثل في إبرام “اتفاقيات إبراهيم” سنة 2020، وهي عبارة عن سلسلة من الاتفاقيات الثنائية لتطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والمغرب والبحرين والإمارات والسودان. وأشار النقاد العرب إلى أنَّ الاتفاقيات هذه لم تفعل سوى المزيد من أجل تصفية القضية الفلسطينية ، مادام مصير 7 ملايين فلسطيني يعيشون تحت الاحتلال الصهيوني لم يُحل.
تزايد المخاوف من إيران
من وجهة نظر الدول الخليجية، حصل تحول في ميزان القوى في الخليج،إذْ أصبحت إيران القوة الإقليمية الصاعدة تشكل مصدر التهديد المشترك للسعودية في إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية بطرق مهمة، بما في ذلك تغيير علاقات بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لا يركز على حل القضية الفلسطينية مثل القادة السعوديين السابقين،فهو على غرار الكيان الصهيوني ،يرى في إيران (الداعم الرئيسي لحماس) تهديدًا لبلاده،وتتعاون السعودية والكيان الصهيوني بشكل غير رسمي بالفعل بشأن إيران.
فقد سعتْ إدارة بايدن بكل جديةٍ ، في الأشهر السابقة، لإقناع السعودية بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني مقابل نوع من الضمان الأمني الأمريكي، وربما الوصول إلى التكنولوجيا النووية المتقدمة. وكانت واشنطن مقتنعةً بضخامة هذه الصفقة الاستراتيجية؛ فإذا كانت “إسرائيل” تمتلك علاقات جيدة مع أقوى دولة في العالم العربي من الناحية الجيوسياسية، بضمانات أمنية أمريكية كبيرة، فإنَّ ذلك سيمثل تحولًا في المشهد في الشرق الأوسط،لا سيما أنَّ
العامل الرئيسي الآخر في رغبة واشنطن في تعويض النفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، لم يكن للدافع وراء هذا الجهد الأمريكي علاقة تذكر بالقضية الفلسطينية ،فقد أعلن الرؤساء الأمريكيون السابقون، بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما، مرارًا وتكرارًا أنَّ الولايات المتحدة -أقوى دولة في العالم، وفي كامل تدفق ما يسمى بلحظة القطب الواحد، ملتزمة بتحقيق حل الدولتين؛ لكنَّ هذه النتيجة الآن أبعد من أي وقت مضى وربما مستحيلة.
كان الدافع الأمريكي للتطبيع يهدف في الغالب إلى منع السعودية من الاقتراب من الصين. وكان ربط الالتزام الأمني تجاه السعودية بالتطبيع في المقام الأول وسيلة للتغلب على إحجام الكونغرس الأمريكي عن صفقة عسكرية محببة مع الرياض. ومثل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وحكومته الفاشية ، يبدو أنَّ كبار المسؤولين الأمريكيين افترضوا أنَّه لا يوجد شيء يمكن لأي جماعة فلسطينية القيام به لعرقلة هذه العملية أو إبطائها، أو لفت الانتباه مرَّة أخرى إلى محنتهم.
من وجهة نظر إدارة بايدن، يمكن أن تسهم علاقات التطبيع بين المملكة السعودية و الكيان الصهيوني في خلق محور ردع ضد إيران من شأنه أن يسمح لواشنطن بالتركيز بشكل أفضل على منافستها مع الصين والتحدي التاريخي للحرب الروسية في أوكرانيا، لا سيما أنَّ الصين وروسيا تَتَحَدَّيَانِ الولايات المتحدة في الوقت الراهن، لجهة تأسيس نظامٍ دوليٍّ جديدٍ متعدد الأقطاب، والتخلص من النظام العالمي الليبرالي الأمريكي المتوحش،والذي يريد تأبيد هيمنته عالميًا، وهو منحازٌ بإطلاقية للكيان الصهيوني.
الأنظمة العربية قاعدة استراتيجية للهيمنة الأمريكية
لهذه العوامل مجتمعة يمكن القول أنَّ الدول العربية في غالبيتها العظمى باستثناء دول الممانعة ، تحولتْ إلى قاعدةٍ استراتيجيةٍ للهيمنة الأمريكية في المنطقة العربية، فاكتمل بذلك أضلاع المثلث الأمريكي-الصهيوني-الرجعي العربي، من خلال التحالف الاستراتيجي الجديد بين الكيان الصهيوني و الأنظمة العربية عبر سياسة التطبيع من جهة، ومن خلال المواقف الاستسلامية التي اتخذتها الدول العربية في حرب الإبادة الصهيونية -الأمريكية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
فالحدّ الأدني المطلوب من الدول العربية لوقف الحرب العدوانية على غزة، يكمن في اتخاذ قرارات عربية حاسمة، بما في ذلك إلغاء كل علاقات التطبيع التي تمّت مع الكيان الصهيوني النازي، وقطع العلاقات الدبلوماسية معه ،وطرد السفراء الصهاينة من العواصم العربية ،ومن ثم التوافق على تشكيل قوافل عربية ودولية لكسر الحصار على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية بقوة السلاح عن طريق الجبهة المصرية ،وفتح كل المعابر الحدودية بين مصر وقطاع غزة،والعمل على طرد سفراء الولايات المتحدة و الدول الغربية المؤيدة للعدوان الصهيوني على غزة من الدول العربية ،وإعادة استخدام سلاح النفط و الغاز من جديد ،فلا يجوز أن تصل قطرة وقود واحدة من الدول العربية لتلك الدول الغربية ،إضافة إلى سحب الأرصدة الملية العربية الضخمة الموجودة لدى البنوك الأمريكية والأوروبية.
لقد وقع على الشعب الفلسطيني ظلم مركب وطويل وإهمال متعمد لقضاياه بما فيها قضية اللاجئين،وعدم تنفيذ أي قرار دولي صدر لصالحه ليعيد له جزءا من حقوقه المسلوبة وإنسانيته المهدورة.فأمريكا غارقة حتى أذنيها بانحياز قادتها الأعمى لفرض هيمنتها ومصالحها الإقليمية والدولية على حساب الشعب الفلسطيني،وغيره من الشعوب التي اكتوت بنيران حروبها وتدخلها السافر في شؤونها الداخلية.وشاركت معظم الدول العربية، لا سيما الخليجية منها بالذات، عبر اتفاقيات إبراهيم في صناعة الواقع المؤلم الذي تحياه الأمة وغزة والضفة اليوم.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــة:
بما أنَّ قضية فلسطين قضية قومية عربية، لا قضية الشعب الفلسطيني لوحده، والمشروع الصهيوني يستهدف العالم العربي كله، والإمبريالية الأمريكية تخوض الحرب منذ أواسط الخمسينيات ضد الأمة العربية، فإنَّ تحرير فلسطين ليس شأناً فلسطينياً فقط، ولا يتم ببرنامج فلسطيني قطري -على الرغم من ضرورة وواجب الجماهير الفلسطينية وقواها الحيَّة الفاعلة في تصعيد النضال ضد العدو الصهيوني في الداخل- بل إنَّ تحرير فلسطين مهمة قومية عربية وإسلامية، أي أنَّها جزء من مهمات قوى الثورة العربية لتحرير العالم العربي كله – على الرغم من هزيمة الحركة القومية العربية بشقيها البعثي و الناصري عامة في ميدان المواجهة مع الإمبريالية الأمريكية والمشروع الصهيوني ،وعلى صعيد العمل للتغيير السياسي والاجتماعي، وعلى صعيد انتفاء شعار التحرير من برنامجها واستسلامها لخط التسوية. ‏
ولذلك فإنَّ سياسة قومية حديثة وراديكالية هي وحدها التي يمكن أنْ تنجز عملاً تحريرياً تاريخياً في سياق بناء استراتيجية لتحرير فلسطين، ينقض ويوقف هذه السيرورة التقهقرية الانحدارية التي انساقت فيها معظم الأنظمة العربية، إن لم نقل معظم الشعب العربي، ثم يقلبها في اتجاه بناء قوى التغيير الراديكالية العربية، من إنضاج الشروط التاريخية والسياسية والإيديولوجية اللازمة والضرورية لنقل الشعوب العربية من وهدة التأخر التاريخي، والتكسير المجتمعي، والنمط المجتمعي التقليدي إلى الانعتاق في ممارسة التغيير السياسي في سياق مشروع قومي ديمقراطي نهضوي يَتَسِّمُ بالشمولية التاريخية، ويُسَيِّسُ الشعوب العربية، ويَبُثُّ الوعي الثوري الراديكالي في صفوفها، بهدف تحقيق عبور الأمة العربية من مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية أخرى، أي من نمط مجتمعي متأخر إلى نمط مجتمعي عصري حديث .
ولأنَّ هذا يُسْهِمُ في تغيير موازين القوى لمصلحة الشعوب العربية سواء عبر تحقيق وحدة اندماجية بين دول الطوق المحيطة ب”إسرائيل”، أو وحدة في أحد أقاليم العالم العربي الأخرى، كوادي النيل، أو المغرب العربي، تكون بمنزلة المؤخرة الاستراتيجية ذات الحجم البشري والعسكري الكبير، لانتقال الأمة العربية من موقع الدفاع السلبي جداً، إلى مهمة تبني استراتيجية هجومية لكسر المشروع الإمبريالي الأميركي – الصهيوني، وبالتالي إلى التلاؤم الضروري مع تحقيق الأهداف الأخرى: كالوحدة العربية التي تشكل أرضية صلبة للتحرير، وبناء الديمقراطية والمجتمع المدني الحديث، بصرف النظر عن أولويات وتراتبيه تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية بين إقليم عربي وآخر. حان الوقت لانخراط الشعوب العربية والإسلامية في بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ، وخصوصًا ونحن في مرحلة تحول تاريخية، بعد عودة القضية الفلسطينية إلى احتلال المركز الأول في الصراع الإقليمي والدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى