هل هي بداية صحوة عربية؟.. استقبال فاتر لبلينكن في العواصم العربية، ومقاومة غير متوقعة من ابن سلمان والسيسي

خلال جولته المكوكية في عدة دول عربية، قوبل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن باستقبال فاتر ولم يجد تعاطفا مع إسرائيل؛ ولذلك تشعر الولايات المتحدة بقلق متزايد، بحسب إيان مارلو، في تقرير بوكالة “بلومبرج” الأمريكية.
وخلال أيام قليلة، زار بلينكن كلا من إسرائيل والأردن والبحرين والسعودية وقطر والإمارات ومصر، حيث أجرى مباحثات بشأن حزمة قضايا، في مقدمتها منع توسع الصراع إلى حرب إقليمية، بحسب مارلو.
وقال مارلو إنه مع تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 3 آلاف، حذرت إيران وحليفها جماعة “حزب الله” اللبنانية من احتمال انضمامهما إلى القتال وفتح جبهة ثانية من لبنان شمال إسرائيل.
وتابع: “ومع قيام بلينكن بجولة في العواصم العربية، وتمديد الرحلة لإضافة المزيد من المحطات، أصبح هو وفريقه يشعرون بقلق متزايد.. ولم يجد تعاطفا كبيرا في العواصم العربية مع مناشداته لدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حماس”.
وأردف: “وحتى تركيا، العضو (في حلف شمال الأطلسي) الناتو، نددت بقرار واشنطن إرسال سفن حربية لإظهار دعمها (لإسرائيل)، فيما دعت الصين وروسيا علنا إلى وقف إطلاق النار، وهو خيار ترفضه إسرائيل والولايات المتحدة”.
أخبار سيئة
في أبوظبي، “عقد بلينكن اجتماعات مع المسؤولين الإماراتيين، الذين لم يفتحوا الطرق أمام موكبه، ما اضطره إلى التوقف عند إشارات المرور، كما أضاف مارلو.
وزاد بأن “الأخبار الواردة من غزة كانت سيئة للغاية، وأثار أمر الإخلاء الإسرائيلي انتقادات من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ووصف بأنه “مستحيل”؛ خاصة وأن السكان ليس لديهم مكان يذهبون إليه، فيما اندلعت احتجاجات في أنحاء العالم العربي، وبينها الدول التي زارها بلينكن”.
ومشيرا إلى احتمال المشاركة في القتال، قال مارلو: “فجأة، بدأ يبدو أكثر احتمالا أن تقوم مجموعتان من حاملات الطائرات الأمريكية المتوجهة إلى المنطقة بما هو أكثر من مجرد ردع الجهات الفاعلة الأخرى عن الانضمام إلى القتال”.
وخلال عملية “طوفان الأقصى”، أسرت “حماس” ما لا يقل عن 199 إسرائيليا، بينهم عسكريون برتب مرتفعة، لمبادلتهم مع أكثر من 5 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، في سجون إسرائيل.
مارلو قال إن “الجهود الأمريكية لمعرفة كيفية ترتيب إنقاذ أو إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين الذين تحتجزهم حماس بدت متوقفة، مع تزايد خطر تعرضهم للقتل في الغارات الإسرائيلية”.
وأردف: و”أجرى بلينكن اتصالا مع نظيره الصيني وانغ يي، ناشد فيه بكين استخدام نفوذها لدفع إيران إلى التراجع، لكنه لم يحرز الكثير من التقدم، وانتقدت الصين إسرائيل لتجاوزها في ردها الانتقامي”.
عقاب جماعي
و”مساء السبت الماضي، سهر الوفد الأمريكي حتى وقت متأخر على أمل لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لكنه لم يستقبلهم إلا في صباح اليوم التالي، وأعرب عن قلقه بشأن سقوط ضحايا من المدنيين في غزة، وليس إسرائيل”، كما أضاف مارلو.
وتابع: “ومن الرياض، توجه بلينكن إلى القاهرة، حيث كانت الولايات المتحدة تكافح للفوز باتفاق يسمح لما لا يقل عن 500 أمريكي محاصرين في غزة بعبور الحدود، وقد طلب منهم المسؤولون الأمريكيون الذهاب إلى المركز الحدودي المزدحم في رفح، فوجدوا أن الحدود مغلقة. كما توقفت قافلة مساعدات إنسانية ومُنعت من دخول غزة”.
وزاد بأنه “في القاهرة، التقى بلينكن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي قال للوزير الأمريكي عن الرد الإسرائيلي: إنهم يبالغون في حق الدفاع عن النفس، ويتحول الأمر إلى عقاب جماعي”.
وقبيل مغادرته إلى تل أبيب، قال بلينكن لصحفيين في القاهرة الأحد الماضي: “توجد وجهة نظر مشتركة مفادها أنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا للتأكد من عدم انتشار المرض (الصراع) إلى أماكن أخرى، ورؤية مشتركة لحماية أرواح الأبرياء ولتوصيل المساعدة للفلسطينيين في غزة”.
زيارة بايدن
وقال مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية، لم يكشف التقرير عن هويته، إن كل زعيم عربي أخبر بلينكن أنه من الضروري معالجة الوضع الإنساني في غزة.
وأضاف المصدر أنه بعد الجلسة مع السيسي في القاهرة، اتصل بلينكن هاتفيا بالرئيس الأمريكي جو بايدن وأخبره بما سمعه، فحث بايدن كبير مبعوثيه على العودة إلى إسرائيل والتوصل إلى اتفاق بشأن هذه القضية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وبحسب مارلو: “عندما وصل الدبلوماسيون الأمريكيون أمس الإثنين إلى مطار بن جوريون، لم تكن هناك علامة تذكر على التفاؤل”.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت لبلينكن: “ستكون هذه حربا طويلة وسيكون الثمن باهظا”.
وفي ذلك المساء، انطلقت صفارات إنذار الغارات الجوية فوق وسط تل أبيب حين أطلقت “حماس” الصواريخ على المدينة، وهرب بلينكن، الذي التقى بنتنياهو وحكومته الحربية، إلى مخبأ، واستأنف محادثاتهما بعد فترة وجيزة مع انتهاء حالة التأهب”، وفقا لمارلو.
وأردف: “استمرت المناقشات أكثر من سبع ساعات، وانتهت حوالي الساعة الثالثة صباحا، ثم أعلن بلينكن الذي بدا مرهقا عن أن بايدن في طريقه لزيارة إسرائيل الأربعاء، و”سيؤكد الرئيس بايدن رسالتنا الواضحة بأن تمتنع أي جهة فاعلة، سواء دولة أو غير دولة، عن محاولة الاستفادة من الأزمة”.
مقاومة غير متوقعة من ابن سلمان والسيسي
وفي هذا السياق، أفادت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، امس الإثنين، بأن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، واجه، امس الاول الأحد، مقاومة شديدة من “أقوى رجلين في العالم العربي”، خلال محاولته لإقناع الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بتبني وجهة نظر واشنطن بشأن الصراع بين إسرائيل و”حماس”.
وذكرت الصحيفة أن بلينكن قال للصحفيين، يوم الأحد بعد اجتماعاته مع الزعيمين: “سمعت الكثير من الأفكار الجيدة بشأن بعض الأشياء التي يتعين علينا القيام بها للمضي قدمًا”، لكن الخلافات في وجهات النظر ظهرت على الفور بشأن حق إسرائيل في شن هجوم واسع النطاق على غزة، الأمر الذي أثار مخاوف السيسي وبن سلمان بشأنه.
وأضافت أن كبير الدبلوماسيين الأمريكيين يتنقل في الشرق الأوسط بهدف إقناع الشركاء العرب بإدانة هجوم حماس على إسرائيل، والامتناع عن إثارة الاضطرابات الداخلية ردًا على حملة القصف الإسرائيلية المدمرة في غزة.
وفي الرياض، أبقى الحاكم السعودي بلينكن بحالة انتظار لساعات عدة قبل اجتماع كان من المفترض أن يحدث في المساء لكن ولي العهد لم يحضر إلا في صباح اليوم التالي، بحسب الصحيفة.
وبمجرد بدء الاجتماع، “شدد” بن سلمان على ضرورة وقف العمليات العسكرية “التي أودت بحياة الأبرياء”، في إشارة إلى الهجوم الإسرائيلي، ورفع “الحصار عن غزة” الذي ترك الأراضي الفلسطينية بدون ماء وكهرباء أو الوقود، بحسب الملخص السعودي للاجتماع.
كما دعا ولي العهد السعودي إلى وقف “التصعيد الحالي” في الصراع، وهو ما يتناقض بشكل مباشر مع السياسة الأمريكية، التي دعمت إسرائيل لتحقيق هدفها الأقصى المتمثل في القضاء على حماس.
وتشير الصحيفة إلى أن السعودية “هي مهد الإسلام وموطن أقدس موقعين فيه، ولها صوت مؤثر في تشكيل التصورات العربية للصراع، وفي حين تلتزم الرياض بدورها كمدافع عن الفلسطينيين، فإنها تنظر إلى ان حماس تلعب دورًا معرقلا لعملية تحقيق مزيد من التكامل الإقليمي، بما في ذلك مغازلة ولي العهد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل”.
ولكن الجهود الرامية إلى إقناع الرياض بإدانة حماس باءت بالفشل حتى الآن، كما نددت وزارة الخارجية السعودية بحملة القصف الإسرائيلية المكثفة على غزة، واصفة إياها بالاعتداء على “المدنيين العزل”.
وعلى الجانب المصري، ذكرت الصحيفة أن مسؤولين أمريكيين أعلنوا، السبت، أنهم توصلوا إلى اتفاق مع القاهرة لفتح مؤقت لحدود رفح بين غزة ومصر أمام المواطنين الأمريكيين الذين يسعون للفرار من العنف والقصف الإسرائيلي.
وأدى هذا الإعلان إلى اندفاع نحو 500 إلى 600 فلسطيني أمريكي في غزة إلى الحدود، لكن لم يتمكن أي منهم من العبور إلى مصر وسط تصريحات متناقضة بين المسؤولين الأمريكيين والمصريين بشأن سبب عدم إعادة فتح الحدود.
كما ظل معبر رفح الحدودي، وهو المعبر الوحيد الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، مغلقًا أمام الإمدادات الحيوية من الغذاء والماء والوقود والأدوية التي تحاول مجموعات الإغاثة والدول الصديقة إرسالها إلى غزة، بالتنسيق مع مصر.
ودمرت الغارات الجوية الإسرائيلية المعبر في الأسبوع الماضي، ولم تكن إسرائيل مستعدة للالتزام بعدم ضرب مركبات المساعدات التي تدخل غزة، حسبما قال مسؤول دبلوماسي لصحيفة “واشنطن بوست” يوم السبت، مشترطا عدم الكشف عن هويته.
وقال بلينكن عن مباحثاته مع السيسي بشأن الحدود: “مصر قدمت الكثير من الدعم المادي لسكان غزة، وسيتم فتح معبر رفح”، وأضاف: “نحن نعمل مع الأمم المتحدة ومصر وإسرائيل وآخرين على وضع الآلية التي يتم من خلالها إدخال المساعدة وإيصالها إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها”.
وعين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، السفير السابق، ديفيد ساترفيلد، يوم الأحد لقيادة الجهود الإنسانية للولايات المتحدة المتعلقة بالنزاع، وقال بلينكن إنه من المقرر أن يصل ساترفيلد إلى مصر يوم الإثنين للمساعدة في تنسيق المساعدات لغزة.
رسائل مصرية
وتنقل الولايات المتحدة ومصر رسائل مختلفة بشأن الصراع نفسه، وخلال لقاء بلينكن في القصر الرئاسي بالقاهرة يوم الأحد، قال السيسي إن اعتداءات إسرائيل تجاوزت “الحق في الدفاع عن النفس وتحولت إلى عقاب جماعي”.
وعلق الرئيس المصري أيضًا على تصريحات بلينكن الأخيرة في إسرائيل والتي استشهد فيها الدبلوماسي الأمريكي بتراثه اليهودي في شرح فهمه للقمع الذي طال اليهود، قائلا: “أنت قلت إنك يهودي وأنا مصري نشأت بجوار اليهود في مصر”، مضيفا: “لم يتعرضوا قط لأي شكل من أشكال القمع أو الاستهداف، ولم يحدث قط في منطقتنا أن تم استهداف اليهود في التاريخ الحديث أو القديم”.
وبينما أدان السيسي هجوم حماس على الإسرائيليين، فقد ألقى باللوم على إسرائيل في دفع الفلسطينيين إلى اليأس نظرا لعدم إحراز تقدم نحو حل الدولتين، وبعد أن التقى السيسي بمجلس الأمن القومي في وقت سابق من يوم امس الاول الأحد، أصدر مكتبه بيانا يدعو إلى عقد قمة دولية “لدراسة مستقبل القضية الفلسطينية”، وقال بلينكن للصحفيين إنه يؤيد الفكرة لكن “علينا أن نتجاوز هذه الأزمة أولا”.
وباعتبارها الدولة الوحيدة التي تحافظ على اتصالات قوية مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة، كانت مصر محاوراً رئيسياً خلال اندلاع أعمال العنف في الماضي.
وقال محللون إنه في حين اضطلعت جهات فاعلة أخرى في الشرق الأوسط بأدوار أكثر نشاطا في الدبلوماسية حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في السنوات الأخيرة، فإن موقع مصر الجغرافي يجعلها لاعبا لا غنى عنه في هذه القضية.
وفي السياق، قال خالد الجندي، مدير برنامج الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن: “لا يوجد بديل لمصر بسبب حدودها مع غزة”، مضيفًا: “لقد لعب الأتراك دورًا، ولعب القطريون دورًا، لكنهم ليسوا هناك، متجاورين مباشرة مع الفلسطينيين… بدون مصر لا يوجد شيء يمكن تحقيقه”.