قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إن الهجوم الأخير الذي نفذته حركة “حماس” على إسرائيل يحمل أصداء مخيفة لحرب يوم الغفران عام 1973، عندما هاجمت جيوش مصر وسوريا دولة الاحتلال في حرب استمرت لمدة 19 يوما أصابت الأمة اليهودية بصدمة كبيرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن حرب “حماس” الأخيرة بدأت أيضا يوم السبت، وهو نفس اليوم الذي بدأت فيه حرب 1973، عندما دوت صفارات الإنذار في جميع أنحاء البلاد في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، في يوم الغفران، وهو أقدس يوم في التقويم اليهودي.
واعتبرت أن اختراق “حماس” الكبير للتحصينات الإسرائيلية كان مذهلا، قياسا للحصار الذي كان مضروبا على معقلها في غزة، ذلك الشريط الساحلي الفلسطيني الذي أبقت عليه إسرائيل ومصر المجاورة تحت الحصار لمدة 16 عامًا، بدعوى أسباب أمنية.
وأضافت: سرعان ما بدأت تظهر صور لمسلحين فلسطينيين مدججين بالسلاح يدخلون المجتمعات الحدودية الإسرائيلية في شاحنات صغيرة ودراجات نارية، وفي حالة واحدة على الأقل عبروا الحدود المسيجة بطائرة شراعية.
مقاطع فيديو مروعة
وبدأت مقاطع فيديو مروعة لم يتم التحقق منها في الانتشار، يُزعم أنها تظهر جثث الجنود الإسرائيليين والرهائن المحتجزين في غزة ملطخة بالدماء.
واتصل السكان الإسرائيليون المذعورون في القرى الحدودية بمحطات التلفزيون المحلية من غرف آمنة. وتحدثوا همسا وطلبوا المساعدة وقالوا إنهم سمعوا المسلحين خارج منازلهم أو حتى داخلها.
ومع انتشار الارتباك والخوف، تساءل الكثيرون كيف يمكن للحكومة الإسرائيلية وأجهزتها العسكرية والاستخباراتية المتبجحة أن تفاجأ مرة أخرى.
وفي صدى آخر لحرب 1973، سارع الجيش إلى استدعاء وتعبئة جنود الاحتياط العسكريين.
تل أبيب دخلت وضعا لم تعد تتحكم فيه بمصيرها
وفي هذا السياق، اعتبر محلل سياسي إسرائيلي أن دولة الاحتلال دخلت في وضع لا تستطيع فيه التحكم بمصيرها، مؤكدا أن حجم المعارك التي تخوضها حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى مع إسرائيل لم يُشهد له مثيل منذ عام 1948، “عندما خرجت إسرائيل منتصرة من الحرب العربية الإسرائيلية والتطهير العرقي للفلسطينيين”.
وأشار المحلل الإسرائيلي ميرون رابوبورت إلى أنه حتى حرب الشرق الأوسط عام 1973- عندما شنت مصر هجوماً على إسرائيل قبل ما يقرب من 50 عاماً- لم تحقق هذا المستوى من المفاجأة، وفقا لما نقل عنه موقع “ميدل إيست آي”.
صدمة حتى النخاع
ووصف رابوبورت أجهزة المخابرات الإسرائيلية بأنها في حالة صدمة، والثقة الإسرائيلية بالجيش اهتزت حتى النخاع.
وتابع: “في عام 1973، قاتلنا جيشا مُدرَّبا، لكننا هنا، نتحدث عن أشخاص ليس لديهم سوى الكلاشينكوف. وهذا أمر لا يمكن تصوره. إنه فشل عسكري واستخباراتي وستستغرق إسرائيل وقتاً طويلاً للتعافي منه واستعادة ثقتها بنفسها”.
ومن المعروف أن إسرائيل قضت سنوات عديدة في العمل على تطوير شبكة متطورة ومُكلِّفة من البنية التحتية لمراقبة قطاع غزة وما حوله، والذي حاصرته منذ عام 2007.
وأشار رابوبورت إلى أنَّ وحدة استخبارات الجيش الإسرائيلي، المعروفة باسم الوحدة 8200، قادرة على معرفة أدق التفاصيل عن حياة الفلسطينيين، لكنها لم تتمكن من معرفة أنَّ بضع مئات، أو حتى آلاف، من المقاتلين ينظمون هجوماً معقداً وواسع النطاق.
المحلل السياسي الإسرائيلي قال أيضاً إنَّ تأثير الصور الذي أحدثه هذا الهجوم الفلسطيني- وضمن ذلك مقاتلون يتجولون في البلدات الإسرائيلية، ويقودون النساء والأطفال وكبار السن إلى الأَسر في غزة- سيكون عميقاً على الجمهور الإسرائيلي.
خيارات إسرائيل
ووفقا للمحلل، فإنَّ خيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستعادة السيطرة على السردية القائلة إنَّ إسرائيل تستطيع السيطرة على كل الأراضي الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، صارت الآن مُقيَّدة.
وتوقع رابوبورت أنَّ الرد الضمني للجيش الإسرائيلي سيكون سحق غزة، ويمكن لعدد الضحايا أن يرتفع بسهولة إلى الآلاف.
لكن من الناحية العسكرية، يرى رابوبورت أنه ليست هناك “أية أهمية” لشن هجوم جوي، لأنه لن يوقف حماس.
إضافة إلى أنَّ المقاتلين الفلسطينيين أسروا ما يصل إلى 150 إسرائيلياً، والذين سيكونون في خطر إذا قررت إسرائيل شن قصف مكثف ضد الحركة الفلسطينية.
احتلال غزة وثمنه
وبدلاً من ذلك، لكي يتخذ الجيش الإسرائيلي خطوات ذات مغزى، فإنه سيضطر إلى التوغل على الأرض واحتلال جزء من غزة، أو كلها.
وأضاف: “ما يشكّل مزيداً من التعقيد هو أنه إذا أرسلت إسرائيل جيشها وحاولت احتلال غزة، فإنَّ ذلك سيعني مقتل عشرات الآلاف من سكان غزة وإشعال أزمة لاجئين مع فرار الناس من منازلهم”.
وأوضح: “سيكون هناك أيضاً مئات من الإسرائيليين القتلى. وسيتمزق المجتمع الإسرائيلي ويواجه صعوبة بالغة في التعامل مع عدد كبير من الوفيات الإسرائيلية”.
وقال رابوبورت إنَّ احتمال مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة، فضلاً عن أزمة اللاجئين، ينطوي على خطر إشعال حرب إقليمية على نطاق واسع، حرب قد تشمل حزب الله في لبنان، والفصائل الفلسطينية والمدنيين في الضفة الغربية المحتلة والقدس، وحتى سوريا والأردن.
ويتلخص أحد الخيارات المتاحة أمام إسرائيل في اتباع نصيحة وزير ماليتها اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي قال في شهر مايو/أيار، إنَّ بلاده لا بد أن تغزو قطاع غزة.
وقال سموتريتش للقناة 14 في ذلك الوقت: “من المحتمل أن يأتي الوقت للعودة إلى غزة، وتفكيك حماس وتجريد غزة من السلاح. وسننفذ هذا أيضاً وفقاً للمصالح والاعتبارات الأوسع لدولة إسرائيل”.
التفاوض مع “حماس”
وأشار رابوبورت إلى أنَّ الخيار الآخر هو الدخول في المفاوضات، كما حدث في عام 1973؛ موضحاً: “بعد حرب عام 1973، قال الإسرائيليون: لماذا كان علينا أن نتكبد كل هذه الخسائر؟ لماذا كان علينا خوض تلك الحرب؟ ولماذا كان علينا أن نتكبد مقتل 3000 شخص؟”.
وأضاف: “إسرائيل تدخل وضعاً لم تعُد تستطيع فيه التحكم بمصيرها. فقد تراجعت ثقتها بنفسها لدرجة هائلة، وأبعاد الفشل العسكري شديدة. لقد فقد الجيش الثقة بنفسه، وفقد الجمهور الثقة بالجيش، وهذا سيؤثر تأثيراً كبيراً في أي قرار بشأن التعامل مع غزة”.