في الذكرى الأولى لرحيل الزعيم الخالد، جمال عبد الناصر، كتبت السيدة أم كلثوم مقالا في مجلة «الهلال» المصرية بعنوان «كيف عرفت عبدالناصر؟»،جاء فيه..
«أتذكر المرة الأولى التى رأيت فيها جمال عبدالناصر، كان ذلك فى عام مأساة فلسطين سنة 1948 حين هبت مصر للذوذ عن الأرض السليبة وذهب الجيش إلى هناك وكان على أبواب النصر، لولا أن دبرت له الدول الكبرى المؤامرة التى انتهت بخدعة الهدنة الأولى ثم الثانية فانقلب النصر إلى هزيمة، وحوصر أبناؤنا فى «الفالوجا» حصارا قاسيا مريرا أبدوا خلاله ألوانا أسطورية من البطولات،
كنت أتتبع أخبارأبطال الفالوجا يوما بيوم وساعة بساعة وقلبى يخفق لهم فى كل لحظة ويضرع إلى الله أن يؤيدهم فى صمودهم العظيم إلى أن يردهم إلينا سالمين، واستجاب الله الدعاء، وعاد أبطال الفالوجا إلى القاهرة وعلى رأسهم القائد البطل المرحوم السيد طه الذى اشتهر باسم «الضبع الأسود»، ودعوتهم جميعا إلى حفلة شاى فى بيتى، واستقبلت الأبطال بدموع المصرية الفخورة بأبناء مصر وجلست بينهم وأنا أشعر أنهم من صميم أسرتى».
وتضيف أم كلثوم: «أتذكر يومها أننى أقمت لهم فى حديقة البيت محطة إذاعة صغيرة تذيع عليهم ما يطلبون من أغنياتى، وأخذ السيد طه يقدم لى ضباطه وجنوده واحدا واحدا ويحدثنى عن بطولاتهم، وكان فى مقدمتهم الضابط الشاب جمال عبد الناصر الذى شددت على يده وأنا أصافحه وأتأمل ما يتألق فى عينيه من بريق الوطنية وحدّة العزم وعمق الإيمان، وكان هذا هو أول لقاء لى بجمال قبل أن يلعب دوره التاريخى فى حياة مصر بأربع سنوات،
ويأتى اللقاء الثانى يوم 23 يوليو 1952 حين اتصل بها ابن شقيقتى الضابط بسلاح الإشارة وأخبرنى بقيام الثورة، وكنت يومئذ اصطاف بالإسكندرية فهرعت إلى الراديو وسمعت أنور السادات يبشر الناس بقيام الثورة، ونهضت على الفور واتجهت إلى مطار الإسكندرية، نزلت من الطائرة وذهبت رأسا إلى إدارة الجيش بكوبرى القبة لأهنئ الأبطال الثائرين على الظلم والبغى والطاغوت..
كنت أتصور أننى لن أعرف منهم أحدا، ولكننى عندما قلبت عينى فى وجوه هؤلاء الأبطال تبينت أننى أعرف من بينهم وجوه أبطال الفالوجا الذين احتفيت بهم فى بيتى، وفى طليعتهم وجه جمال عبدالناصر، وتصافحنا للمرة الثانية وقد ازداد فى عينيه هذه المرة بريق الإصرار على النصر،
عدت إلى بيتى واتصلت فورا بالأستاذ أحمد رامى ليسارع في نظم قصيدة تشكل تحية أقدمها للثورة، فنظم أغنية:
«مصر التي في خاطري وفي فمي.. أحبها من كل روحي ودمي»