صبرا وشاتيلا جريمة لا تسقط بالتقادم.. فى ذكراها ال 41 – فلاش باك مع سبتمبر الحزين
بقلم: محمود كامل الكومي*
هذا الشهر هو بداية الخريف وفيه تجتر الأحزان , من أيلول الأسود جريمة إبادة المقاومة الفلسطينية , إلى صعود روح الزعيم جمال عبد الناصر إلى بارئها , بعد أن أوقف نزيف الدم الفلسطيني , ثم وفاة المناضلين خالد جمال عبد الناصر و محمود نور الدين اللذين قادا تنظيم ثورة مصر المقاوم للتطبيع والقابض على السلاح من أجل تطهير مصر من الموساد فقتل منهم من دنس البلاد .
نستهل ذكرى شهداء صابرا وشاتيلا بنشر فصل من روايتي ( قصفة زيتون وعنقود كروم).
(نجيب صِغِير) هذا الاسم المتدني أول من تدنى بلبنان فى مستنقع محفل البنائين , ثم صار كميل شمعون وبشير وبيير الجميل ودانى شمعون , هم الحركة الديناميكية
التى استدعت الصهيونية الي لبنان للتحالف مع المارونية المسيحية , من خلال انفتاح هذا المحفل بكل دسائسه ومؤامراته لتمزيق لبنان .
عند إعلان الكيان خاطب بن غوريون أركان جيشه :
– النقطة الأضعف في التحالف العربي هي لبنان لأن النظام الإسلامي مصطنع و من السهل تجاوزه لا بد من إقامة دولة مسيحية تكون حدودها الجنوبية على نهر الليطاني و سوف نقيم تحالفاً معها.
فكان التوجه الي موارنة لبنان
وواصل بن جور يون يجدد خطته :
– لابد من إسقاط الزعيم (مخلص) في مصر
واجتياح لبنان
وها هو اجتياح لبنان بعد اتفاق شامير وبشير الجميل
وبعد وفاة مخلص
كان أبو شاكر يستفيض في تأصيل خيوط المؤامرة والتآمر على لبنان
وهو يضع خطته لمواجهة الاجتياح الإسرائيلي لبيروت , فى اجتماع صاخب حضره كل قيادات وكوادر تنظيم المرابطون , وأردف قائلا :
– كنا القوة الأكبر من بين كل القوى اللبنانية التى وقفت الى جانب أخوتنا الفلسطينيين فى حرب الإبادة التى شنها عليهم الموارنة والكتائبيين والشمعونيين وكل الذين يديرهم محفل البنائيين في لبنان .
لحظتها انبرت جهاد المغربي ينساب منها الكلام :
– أن الجرائم ضد شعبنا الفلسطيني التى يرتكبها العملاء يندى لها الجبين
هذا المجرم (ايلي حبيقة) وحارسة الأفعى السفاح ( روبرت حاتم),قتلوا بدم بارد مئات الأشخاص العزل الذين كانت عصابتهم المجرمة تعتقلهم و تعدمهم بعد تعذيبهم و التنكيل بهم بكل وحشية وسادية ثم يطمرون جثثهم بالشد داخل بئر حفرت خصيصاً لذلك .
يثور محمود نور الدين , وقد أثر فيه كلام جهاد قائلا:
– لابد من القصاص من حبيقة وحاتم , اللّذَيْن تحميهما إسرائيل وتمد
عصابتهم بكل سلاح جديد .
يستمد أبو جهاد من كلام محمود ويستزيد
– أذن هي اسرائيل التى تغزو لبنان الآن
لابد أن نتصدى لها بكل ما أوتى لنا من قوة وبالروح والدم .
وهنا أعطى أبو شاكر الأمر
– الجهاد فرض عين ولابد من مواجهة غزو إسرائيل للبلاد بالروح
وبالدم , مع المقاومة الفلسطينية تصير اللُحمة .
لابد أن نثبت ل حكماء زعبوط أن مخلص حي رغم الكفن خالد فى لوح الزمن”
وصارت المقاومة للغزو الصهيوني وحلفائه من المارونيين يسطرها التاريخ .
غدت بيروت ميدان قتال مفتوح , وبدا التكتيك لمواجهة القوة العسكرية المتقدمة لإسرائيل , هو حرب العصابات.
ما زالت مجموعتنا الثلاثية على ترابطها أنا وجهاد المغربي وأبو جهاد فى تناغم بالإشارة وبالقنابل وبالدم:
أنبرت جهاد المغربي تشير
– هيا يا محمود هناك دبابة غادية
سرعان ما أطلقتْ قنبلة دخان منعت الرؤية عن طاقم الدبابة
لحظتها امتطى محمود نور الدين الدبابة الإسرائيلية ومن فتحتها العلوية قذف بقنبلته اليدوية , فأحالت من في الدبابة الى رماد ,
وهبط مسرعا.
ومن أتى لنجدتهم اصطدناهم بالرشاشات …
ورحنا نواصل أطلاق الرصاص.
داومنا حربَ العصابات بكل أشكالها, وتلاحمنا مع المقاومة الفلسطينية نمحو عار التآمر ضدها.
فيما جولبهار , وقد مزقها الألم والحزن , على البؤس والدمار الذي حل بمخيمات الفلسطينيين , فصارت الى مخيم صابرا وشاتيلا ,تحاصرها رائحة الشياط التى تفوح في فراغ ,تملأ جو المخيم.
ترعى الأطفال والنساء وتمسح عنهم الحزن وتكفكف العبرات .
بسرعة بديهة كونت مركز إغاثة فى المخيم .
ساندتها راهبة مسيحية , تدعي ( جانيت) جاءت ترعى سكان المخيم وتضمد الجراح , وتتبرأ مما يفعله المارونيين باسم المسيحية والمسيح وأمه مريم وجهان يبكيان مما اقترفته أيديهم.
قالت ” جانيت “:
– سيدتي جولبهار , لايوجد خدمات فى المخيم
– نعم وهذه معاناة لا يحتملها بشر
– لذلك سنقسم العمل بيننا
سيكون عملي خارج المخيم اجمع التبرعات
ردت جولبهار
– وأنا داخل المخيم أقدم الخدمات
فى تعاون ثنائي غدت الخدمات لسكان المخيم تعيد بعض البسمة على الشفاه .
لكنها أيام وفرض الحصار على المخيم.
كانت جولبهار تتجول فى المخيم ومعها جانيت
الأولي تُشهد موسى على من ينتهكون التوراة بحصار الأبرياء
والثانية تُشهد المسيح على تعاون المارونيين مع الصهاينة
ينتهكون حرمة الإنجيل .
وبعد أن توجها تضرعا الي السماء
صاحت جولبهار
– أَ جانيت, أنظري
توجهت الأنظار إلى سيدة عشرينية
من ملامحها كمدت حزنها , فغدت متغضنة الوجه, وبأعلى صوت لها وهبت زوجها الي ربها .
غاصت أنظار جانيت وجولبهار فى ثدييها وهي تعصرهما بشدة لعل احدهما يروى ظمأ الوليد الذي تحمله ,وهو ينهش فيهما دون جدوى فلم يجد ما يثنيه عن شده البكاء والعويل .
تمتمت جانيت تحدث نفسها قبل أن تحدث جولبهار
– من اين يصير النهد ينبوعاً يروى ظمأ الوليد ؟
ردت جولبهار
– منذ أيام وحصار القوات الصهيونية لمخيم صابرا وشاتيلا يمنع مصادر الحياة .
وينهش الطفل ثدي أمه ويزداد بكاء وعويلا , وقلب الأم الرءوم يكاد يقطر دما مع كل صرخة ورفسة قدم ودمعة تنهمر من عيني الوليد لتصير كالسيل من عليين .
حاولنا فى كل أرجاء المخيم أن نجد( لبن )يروى ظمأ الوليد
لكنهم ازدادوا فى الحصار اكثر وحشية,كي يسكت الوليد للأبد !
وحين أوقد الشيطان قرون استشعاره, كانت القيامة.
مهدت العصابات الصهيونية الطريق لأكبر مجرمي التاريخ (أيلي حبيقه- وحارسه حاتم ) وسمير جعجع وقوات من حزبي الكتائب والقوات اللبنانية ومن معهم من جيش لبنان الجنوبي العميل ,ومن خلال عصابات هؤلاء الانعزاليين والصهاينة المحتلين اجتاحت مجموعاتهم مخيم العزل الفلسطينيين (صابرا وشاتيلا) , والى الداخل قتلوا كل من هو فى الطريق وأبادوا الآلاف من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح, لإسكات صوت الوليد .
ورغمًا.. يتعالى الصوتُ مع كل طلقة بارود ليزداد صراخ الرضيع.
فى لحظة هي المنتهي خرج قلبيّ جولبهار وجانيت من صدريهما يلملما أشلاء عشرات ألاف النساء والصغار والشيوخ الفلسطينيين , الذين صارت جثثهم رمادًا بعد شواء نيران مدافع مجرمى الكتائب التى تصيدتهم وهم مكتظين فى المخابىء والملاجىء , وصعدا بها الى السماء , حيث تلاقت الأرواح فى سلام , وعلى الأرض استوطنت الحرب وأجرام الصهاينة مصاصى الدماء.
لكن كان هناك من يتعهد بالثأر… قسما بروح جولبهار وجانيت:
– أنا رجل من صابرا وشاتيلا، أنا الذي رأى القتل والدمار والظلام وهو يحيط بى وأنا أرى , الأغنيات بين أصابعي التى لا تُرى , وفمي ينهش حلمات ثدي أمي , فيما جفت السنبلة, صارت هشيم.
رأيت أمي فى كل الأمهات تنبش في النفايات تبحث عن الزاد, مع الكلاب والهرر.
فجأة رأيت الكلاب تنهش فى جثث الصغار , تخرج أكبادها الصغيرة ,تأكل نبض قلوبها .
أنا الذي رأى أمي تحتضني وأنا طفل رضيع أشاهد روحها تصعد للسماء مع قلبي جولبهار وجانيت
وأرى الدماء تحيط بى من كل حدب وصوب فى مخيم الموت.
ويواصل الصدى
– كنت هناك وأمي تحتضني وأناتها كالجوى والدماء تسيل من جسدها النحيل
أنا الذي رأى الابتسامة على شفاه المغدور ين ,وأرواح الصغار تعانق الشيوخ …. كنا سويا.
أنا الذي رأى صمت الخرفان والخصيان وتعامى أعلام من يتشدقون بحقوق الأنسان وحكومات الرجعية العربية ، وتآمر العملاء , والجبناء , وكنت أرى.
– أقسم , بكل ما رأيت وبأرواح أمي وجولبهار وجانيت.
لن يدركني الكرى ,الا بعد أن يطيب الثرى من تحت أجساد شهداء صابرا وشاتيلا , بالثأر من القتلة .
صدى نعيق داني شمعون , يأتي من محفل البنائيين فى بيروت
– لقد وعدتكم أن إمدادنا بسلاحكم سيمكننا من إبادة مخيمات الفلسطينيين.
يرد عليه رئيس المحفل فى تل أبيب ضاحكاً متهكمًا
– ولماذا قبلتم بهم ، وقد تحصلتم على كل رأس ٢٥ ألف دولار!
والى لقاء حين تنشر الرواية كاملة
*كاتب ومحامى – مصرى