عن كوارث الزلزال المغربي والإعصار الليبي

بقلم: توفيق المديني

لا يزال عمال الإغاثة وأفراد من القوات المسلحة المغربية يحاولون العثور على ناجين تحت الأنقاض، من جراء الزلزال الذي بلغت قوته 6.8 درة على مقياس ريختر، بحسب المعهد الجيوفيزيائي الأميركي، و7 بحسب المركز الوطني للبحث العلمي والتقني المغربي.
ويعتبر الزلزال الذي وقع، ليل الجمعة السبت 11سبتمبر2023، أقوى زلزال تم قياسه في المغرب على الإطلاق. وكان مركزه في إقليم الحوز، الواقع في منطقة جبلية جنوب مدينة مراكش. وبقرى نواحي مدينة ورزازات التي سجلت خسائر أقل من إقليم الحوز. وبسبب الطرق المسدودة أو التي سقطت عليها الصخور، زادت صعوبة الوصول إلى الأماكن الأكثر تضررًا.
إنّه فعلاً، زلزالٌ مُدمِّرٌ أوْدَى بحياة المئات من السكان و خلَّف المئات من الجرحى و أدّى إلى تدمير العشرات من المَباني في إقليم الحوز الذي يقع جنوب غربي المغرب، وينتمي إلى جهة (مراكش آسفي)، ويبعد عن مدينة مراكش نحو 40 كيلومترا.
وتُعَدّ ولاية الحوز مركز الزلزال والأكثر تضرّراً، إذ سقط فيها المئات من القتلى و الجرحى وتليها ولاية تارودانت التي سقط فيها المئات بين قتلى و جرحى، حسب ما أوردتهُ العديد من الصّحُف المحلّية و العالميّة..
بعد ساعات قليلة من “فاجعة زلزال الحوز في المغرب، وتساقط القرى “المنكوبة” تباعا؛ تجنّدت كافة فئات المجتمع المغربي، من أجل مدِّ يد العون للضحايا، في جلِّ المناطق المحيطة ببؤرة الزلزال الذي ضرب البلاد الجمعة الماضي. وكانت وزارة الداخلية المغربية أعلنت في آخر حصيلة لها، أنَّ 2901 شخص قتلوا في الزلزال، فيما وصل عدد الجرحى إلى 5530 شخصا.
وعلى الرغم من أنَّ الطرق غير سالكة بين جبال الأطلس، مع ارتفاع درجة الحرارة، فقد لبى أفراد وجمعيات كثر، من كافة المدن المغربية، صرخة الحاجة لجل المنكوبين؛ فيما تستمر عمليات التنسيق بين السلطات وعدد من جمعيات المجتمع المدني في التنقيب عن القرى التي لم يصل إليها أي أحد بعد، بسبب انقطاع الطرق نحوها بسبب الانهيارات الجبلية. وعملت السلطات المغربية على توزيع المؤونة الغذائية على باقي القرى المعزولة، التي تنقطع الطريق إليها، عبر الطائرات المروحية، وكذا من أجل إسعاف الضحايا. وكان ملك البلاد محمد السادس، قد أعلن الحداد الوطني لمدة 3 أيام على أرواح الذين قضوا من جراء الزلزال المدمر، كما أمر بتسريع عمليات الإنقاذ.
الزلزال كشف هشاشة البنية التحتية في القرى المغربية
بالنسبة لعلماء الزلازل في المغرب، كانت قوة الزلزال كبيرة جدًّا، ولم يسبق أن حدثت في المغرب، كما أنَّ الزلزال وقع في مناطق هشة وفقيرة لم تكن تحظى بالعناية اللازمة من قبل السلطات المغربية. فالبلدات في الريف المغربي بُنيت بشكل ذاتي وعشوائي، إضافة إلى أنها مناطق سكنية غير مبرمجة ولا تحظى بأهمية في البناء والعمارة، وأغلبها في قرى فقيرة جدًّا، ليس لديها إمكانات.
لقد كشف الزلزال ضُعف البنية التحتية لِمُعظم القرى المغربية، و هشاشة بُنيان بيوتها، المشيّدة بطريقة تقليدية باستخدام خليط من الحجارة والخشب والطين، حيث أنّ بناءها يتِمّ بطريقة قديمة، بيوت مَبنية بطُوب طينيّ و مُسقَّفة بالخشب المُغطّى بالطين، هذا النوع من البناء لا يستطيع تحمُّل هزّات أرضية و لو كانت خفيفة، و ما بالُك بالهزّة التي بلغت قوّتُها 7 درجات على سُلّم ريشتر. إنّ سكان هذه القُرى الجبلية، في مُجملِهم، فقراء لا قُدرةَ لديهم في بناء مساكنهم بالآجور و الإسمنت المُسلّح لتَكلُفَته المالية التي تَفوق طاقتهم، عِلماً أنّ مدخول هؤلاء الفقراء جدّ هزيل لا يكفي حتّى لتغطية حاجياتهم المعيشية الضرورية، زِدْ على ذلك، انعدام الطرق المُعبَّدة في هذه المناطق، فالمسالك الطرقية المؤدّية إلى هذه القُرى جدّ وَعْرة و غير مُعبَّدة، مِمّا جعل وُصول سيارات الإسعاف إليها جد صعب، الشيء الذي يُبطئُ إنقاذ المواطنين المُصابين بنقلهم إلى المُستشفيات البعيدة، لكون مُعظم هذه القرى لا تتوفَّر على مشافٍ و لا أطقم طبّية لإسعاف المرضى و المُصابين مِمّا زاد من عدد القتلى و الجرحى.
تسييس تلقي المساعدات في المغرب وتوتر العلاقات الفرنسية المغربية
أعلن المغرب الأحد الماضي قبوله دعمًا من أربع دول، هي إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات، لكنّه لم يطلب المساعدة من فرنسا، ما أثار على الفور العديد من التساؤلات.
وكان الرئيس الفرنسي ماكرون أعلن الأحد 10سبتمبر2023 أنّ بلاده مستعدّة للتدخل “فور” تلقيها طلبا بهذا الشأن من السلطات المغربية. والثلاثاء قال ماكرون في رسالة مصوّرة خاطب فيها الشعب المغربي “من الواضح أنّه يعود إلى جلالة الملك والحكومة المغربية، بصورة سيادية بالكامل، تنظيم المساعدات الدولية، وبالتالي نحن بتصرّف خيارهما السيادي”.
أعقب قرار المغرب قبول عروض المساعدة التي قدمتها أربع دول فقط لمواجهة تداعيات الزلزال المدمر الذي خلّف 2901 قتيلا على الأقل، نقاشا وجدلا واسعين، خاصة بعد أن ربطت تقارير فرنسية وجزائرية بين موقف المملكة “رفض” دعوات باريس والجزائر للمساعدة بتوتر علاقات الرباط مع قصرَي الإليزيه والمرادية.
وبعدما أعلنت دول عدة استعدادها لتقديم المساعدة للرباط بعد الزلزال الأعنف الذي شهدته المملكة، الجمعة، وافق المغرب على العروض المقدمة من إسبانيا وبريطانيا والإمارات وقطر، فيما لم يُبدِ موافقته على دعوات دول أخرى، من بينها إيطاليا وبلجيكا وألمانيا وفرنسا والجزائر.
وأشارت السلطات المغربية إلى أنها “أجرت تقييما دقيقا للاحتياجات في الميدان”، وعلى أساسه قبلت عروض البلدان الأربعة.
وأعلنت الجزائر، الثلاثاء12سبتمبر2023، أن السلطات المغربية أبلغتها برفض مساعداتها التي كانت معدة لإرسالها إلى المملكة، بحسب بيان لوزارة الخارجية. وكانت وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية قد ذكرت أن الجزائر خصصت ثلاث طائرات تابعة للقوات الجوية لنقل فريق تدخل وإنقاذ ومساعدات إنسانية.
وأشار البيان إلى أن وزارة الشؤون الخارجية المغربية تواصلت مع القنصل العام للجزائر بالدار البيضاء، قبيل مُنتصف ، حيث أبلغ مديرها العام القنصل الجزائري، بأنه وبعد التقييم، فإنّ المملكة المغربية ليست بحاجة إلى المساعدات الإنسانية المُقترحة من قبل الجزائر”.
واعتبرت صحيفة “الشروق” الجزائرية، أنَّ “رفض” المغرب الالتفاتة الإنسانية من السلطات الجزائرية “التي أرادت، من دون مزايدة ولا حسابات سياسية، الوقوف ومساندة الشعب المغربي في هذه المحنة، تعرّي الكلمات الرنانة والخطابات الإنشائية”، في إشارة إلى دعوات مغربية سابقة للجزائر لفتح الحدود وتجاوز الخلافات السياسية، ووصفت الصحيفة عدم قبول المغرب للمساعدة، بأنه “سقطة إنسانية بخلفيات سياسية”.
من جانبها، ذهبت مجموعة من الصحف الفرنسية في الاتجاه نفسه، معتبرة أن “رفض” المغرب للمساعدات التي عرضتها فرنسا، يرجع إلى توتر العلاقات بين باريس والرباط.، وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة “”Les EcHosالفرنسية، أن الكثير من الفرنسيين يرون أن رفض المغرب للمساعدة هو “ازدراء بفرنسا” بسبب علاقاتها المتوترة للغاية مع المغرب.
وأشار المؤرخ الفرنسي بجامعة السوربون، بيير فيرميرين، إلى أن اختيار الرباط “الاستغناء” عن باريس، يمثل “علامة سياسية واضحة على البرود الدبلوماسي بين البلدين”.
ولفت في تصريحات للصحيفة الفرنسية، إلى أن الجانب الفرنسي كان سيقدم إضافة للجهود المغربية، حيث قال: “التاريخ واللغة تساعد، والفرنسيون معتادون على العمل مع المغرب”.
وتمر العلاقات بين باريس والرباط بأزمات متلاحقة في السنوات الأخيرة، لا سيما بشأن ملفي الهجرة والصحراء الغربية التي تريد المغرب من فرنسا الاعتراف بمغربيتها.
وقالت مجلة “لوبوان Le Point”الفرنسية ،في مقال نشرته تحت عنوان “لماذا لا تقبل الرباط مساعدات من فرنسا؟”، إلى أنَّ القرار “علامة على توتر العلاقات بين البلدين”، فيما وصفت “لوباريزيان” الموقف المغربي، بأنه “دليل على عمق التوترات” بين البلدين.
كما أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول رفض المساعدات الفرنسية من قبل المغرب استياءً واسعًا في الأوساط المغربية، فيما شنت الصحافة الفرنسية وعلى رأسها صحيفة  “شارلي إيبدو” CHARLIE HEBDO ، التي شنَّتْ هجومًا لاذعًا ضد العاهل المغربي وقرار الرباط، ونشرتْ غلافًا ساخرًا يتضمن صورة للعاهل المغربي مرفقا بعبارة “تبرعوا لمحمد السادس أحد أغنى الملوك في العالم بثروة تبلغ 6 مليارات”.
وعقب الرفض المغربي، هاجمت الصحافة الفرنسية الرباط بعناوين لاذعة، حيث اعتبرت صحيفة “l’Humanité” أنَّ ملك المغرب يضع السياسة قبل المساعدات الإنسانية، فيما خرجت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية بغلاف تضمن صورة مؤلمة لأحد متضرري الزلزال تحت عنوان “المغرب: ساعدونا نحن نموت في صمت”.
وعنونت الصحيفة إحدى مقالاتها بـ “المغرب يغربل  المساعدات الدولية”، بينما تناولت إذاعة “الثقافة الفرنسية” رفض الرباط للمساعدات تحت ما أسمته بـ “دبلوماسية الزلزال التي تنشط في المغرب.
ويرى المحللون المتابعون لشؤون المغرب العربي ،أنَّ التوتر الحاصل في العلاقات بين المغرب وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة والتي تعيش فيها جالية مغربية كبيرة، يعود إلى الفترة التي حاول فيها الرئيس الفرنسي ماكرون التقرّب من الجزائر التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في 2021 إثر اتّهامها المملكة بالقيام بـ”أعمال عدائية”.
كما أثّرت على العلاقة بين باريس والرباط قيود فرضتها باريس على منح تأشيرات للمغربيين قبل أن ترفعها في ديسمبر. ومنذ أشهر لم يعد هناك سفير مغربي في فرنسا. كما أنّ صبر الرباط بدأ ينفد لأنّ باريس لا تبدو مستعدّة لتغيير موقفها من ملف الصحراء الغربية الشائك.
كارثة إنسانية في ليبيا بسبب إعصار “دانيال”
بعد زلزال المغرب، ضربت العاصفة المتوسطية دانيال شرق ليبيا، وأدت إلى تساقط أمطار غزيرة تجاوزت 400 مليمتر على بعض المناطق، فيما أكدت حكومة الوحدة الليبية أن كمية الأمطار في شرق البلاد لم تسجل منذ أكثر من 40 عاما. واجتاحت العاصفة “دانيال” مدينة درنة وجرفت السدود الرئيسية إلى جانب أحياء بأكملها نتيجة الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة. فقد تجاوز عدد القتلى أكثر من 5 آلاف شخص بحسب تصريحات إعلامية لوزير الداخلية في حكومة طبرق.
تقع مدينة درنة في شمال شرق ليبيا، يحدها من الشمال، البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب سلسلة تلال الجبل الأخضر، وهي تبعد عن العاصمة طرابلس بنحو 800 كيلومتر. وتمتاز درنة بمياهها العذبة والأحراش الخضراء، ولقبت بـ “لؤلؤة برقة” وهو الاسم الذي أطلق تاريخيا على المنطقة الساحلية في شرق ليبيا.
تتواجد المدينة على ضفاف واد كبير سمي على اسمها، يتجاوز طوله 60 كيلومترا، ويشطرها إلى قسمين، ومساحته 575 كيلومتر مربع. ويبلغ تعداد سكان هذه المدينة التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في الجبل الأخضر بعد مدينة البيضاء، نحو 100 ألف نسمة، بينما  ثمة مخاوف من أن يكون حوالي 10 آلاف شخص ما زالوا في عداد المفقودين، حيث جرفت مياه الفيضانات القوية بعضهم إلى البحر الأبيض المتوسط.
ونقلت وكالة الأناضول عن مصدر طبي ليبي قوله إن أكثر من 5000 شخص لقوا حتفهم جراء الفيضانات وفقا لإحصائيات وصلت غرفة الأزمة بجمعية الهلال الأحمر الليبية، مبينا أن العدد مرشح للارتفاع بشكل كبير بسبب أعداد المفقودين. وأضاف أن الإحصائية تشمل جميع المدن المنكوبة التي تعرضت للفيضانات بسبب الإعصار، مؤكدا أن الضحايا قضوا غرقا أو بسبب انهيار المباني السكنية.
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــة: بعد 12 سنة من الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011،أصبحت ليبيا دولة مشتتة السلطة وتعاني من عدم الاستقرار السياسي المستمر حتى يومنا هذا، ويبدو مستقبل ليبيا مجهولا ما أدى إلى نشأة نظام مؤسسي فرض حالة من الفوضى والاضطراب في البلاد… ورغم إجراء انتخابات في سنة 2012 بمشاركة 62 بالمئة، إلا أن الخلافات المستمرة على السلطة أدت إلى إجراء انتخابات مرة أخرى بعد سنتين. وفي الأثناء، قرر الشعب إظهار عدم موافقته على المؤسسة السياسية، وبالكاد يمارس 600 ألف شخص، 18 بالمئة من التعداد الانتخابي، حق التصويت. وكل هذا الانقسام والسخط جعل هذه الانتخابات السبب الرئيسي في تقسيم البلاد إلى منطقة شرقية وأخرى غربية.
إلى غاية ظهور الحكومة بدعم من الأمم المتحدة ضمن هذا التكتل من الجهات الفاعلة، ظهر في كانون الأول/ديسمبر 2015 مركزان مختلفان للسلطة يستجيبان لبعضهما البعض على أساس العناصر الجغرافية والتاريخية والاقتصادية والثقافية: حكومة في إقليم طرابلس وأخرى في برقة. هذا بالإضافة إلى صعود النخب السياسية والعسكرية بدافع الرغبة في السيطرة على موارد الدولة في ظل صعوبة تنظيمها.
في دولة نخبوية الموارد المالية المتأتية من الريع النفطي تنتهي في أيادي أقلية سياسية حاكمة مرتبطة بالشركات الكبيرة و الدول الإمبريالية الغربية، ولا يستفيد منها الشعب الليبي من أجل تطوير البنى التحتية للمدن والقرى التي زادت الحرب الأهلية من تهالكها طيلة العقد الماضي.
اما في المغرب، فقد كان من المَفروض على “السلطات المغربية” الراكضة وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني، وشراء الأسلحة، أن تهتمّ ببناء بنى تحتية عصرية (طرقات حديثة، ومدارس، ومستشفيات ، وبنايات سكنية لائقة ) للسكان القاطنين في الريف المغربي ،و تُوليهم العناية اللازمة التي تُمكِّنهم من العيش الكريم في وطنهم. فمُنذ القِدم و هذه القرى مُهمَّشة، تعيش ظروفاً قاسية للغاية في غياب تعليم جيّد لأبنائها و فُقدانِها لمُستشفيات قارّة مُزوّدة بأطقُم طبية و آليات طبية حديثة للفحص و العلاج، بالإضافة إلى تمكينها من تشييد بيوتها بالمُواصفات المعمول بها في المُدن المغربيّة، بالإضافة إلى مُساعدتها لتطوير أساليب فلاحتها، بإمدادها بآليات عصريّة للزراعة و الرّيّ و الأسمدة و الأدوية المضادة للحشرات و الأعشاب الضّارّة و غيرها. وذلك من أجل ضمان استقرارها في مناطقها،  والحيْلولة دون هجرتها إلى المُدن الكبرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى