مشكلة البسطاء انهم لا يعرفون ماذا يخفي الخبثاء والانانيون والانتهازيون .. ولا يعرفون الى اين يأخذونهم .. كما حدث مع كثير من السوريين والعرب الذين أخذهم الاعلام الخبيث في مجزرة الربيع العربي الذي كان أسوأ ما في تاريخ الشرق ويشبه حرب ابادة .. وما يحدث في السويداء فيه الكثير من اختلاط السذاجة بالخبث ولا يبدو انه سيهدد الدولة السورية – او النظام كما بسميه الجهلاء والاعداء – بقدر ما أنه سيهدد الطائفة الدرزية من الداخل ويعرضها للانشقاق .. والتشظي .. والسبب هو ان بعض الخبثاء خلطوا السياسة بالمذهب .. وعندما تلتقي السياسة والدين او المذهب تكون النتيجة خطيرة .. فالسياسة تبتلع الدين وتحوله .. في الوقت الذي يحاول الدين ترويض السياسة .. ولكنه في محاولته ترويض السياسة فانه يتعرض للأذى العميق .. لأن السياسة هي الدنيا وكل الحركات الدينية حاولت ضبط الدنيا بالآخرة فلم تفلح .. لأن الدنيا هي ذلك الثور الهائج والوحش الذي لا يشبع والذي يرفض الانصياع ..
ما تتعرض له الطائفة الدرزية للأسف لا يدركه الطيبون فيها .. وربما لا تدركه نخبها والفئة المتعلمة فيها.. وهم يتعرضون لنفس الاحراج الذي تعرض له السوريون عام ٢٠١١ من مثل هل انت ضد الحرية؟.. وهل تكره الديمقراطية؟؟… واليوم الاحراج بالسؤال: هل انت مع الظروف المعيشية الصعبة وسياسة الدولة في افقار أبنائك؟.. اذا لم توافق فانت تكره أبناءك!!.. وهذا فخ محبط لابعاد الرافضين لسلوك الفوضويين في السويداء كي لا يجرؤ صوت على التعبير عن سخطه ورفضه لفوضى الشارع (الجائع) .. ولكن القضية ليست صراعا مع الدولة السورية عندما تصبح المطالب السياسية مؤطرة بالاطار المذهبي واطار الطائفة .. فالشعارات التي تغيرت واختلطت بالرمز الطائفي لا تقصد النظام بل هي تعبر عن حركة تمرد مذهبي ضمن الطائفة .. وتعبير عن ظهور مراكز قوى روحية وسياسية تستقطب الطائفة وتتنازع مع القوى التقليدية القديمة فيها .. وهناك شخصيات طموحة كانت مهمشة في الطائفة لتغيير خارطة السيطرة الدينية فيها .. كما حدث في أحداث 2011 عندما اغدقت الدول المعادية لسورية في اعطاء الالقاب والمناصب والاموال وتم اعطاء الرتب العسكرية والمراكز والأموال لشخصيات مهمشة في المجتمع السوري فصارت هذه الشخصيات المهمشة تقاتل من اجل مكاسبها الجديدة ومناصبها الجديدة ورتبها الجديدة .. فالجزار وبياع الفول أو السمسار او المهرب صار جنرالا او مسؤولا عن الحياة والموت في السجون التي افتتحتها المعارضة وزجت فيها من يعارضها .. والمهمشون هم دوما قوة التحركات الفوضوية .. ولكن طموحات المهمشين في السلطة الروحية للمذاهب والاديان تتفاعل بشكل أخطر لأن المرتبة الدينية فيها سلطة روحية وسلطة زمنية .. والرغبة في الخروج من التهميش هي من طبائع اهل القرى والجبال الذين يفضلون مركزا ومنصبا على تجارة ومال .. حيث تحاول شخصيات هامشية الوصول الى السلطة الدينية لأن فيها سلطة سياسية وخروجا من التهميش المعنوي .. وهذه الشخصيات انتهازية عموما ولا يهمها ان تتشقق الطائفة او ان تتمزق او ان تلد مذاهب جديدة وطويئفات وعشائر طالما انها سترفع من قيمة المهمشين دينيا والذين لا يقدرون على تجاوز الحواجز الدينية التي تفرضها تقاليد المذهب والطائفة .. ومن هنا يبدأ التشظي والانقسام والتفكك ..
الأمر واضح في كل تاريخ الاديان والمذاهب .. وهو انه في كل مرة يدخل فيها الناس بصفتهم الدينية الى ميدان السياسة فانهم ينقسمون .. فالمسلمون دخلوا في معركة سياسية بين علي ومعاوية .. والفريقان كانا يريدان ظاهريا استعادة الاسلام واستعادة هيبة السلطة رغم ان الناس خاضت المعركة وهي تظن انها تقاتل من اجل الاسلام الذي جاء به النبي .. خطورة اللعبة التي لعبها البيت الاموي الطامح لاستعادة السلطة من البيت الهاشمي هي انها أدخلت الكتلة الاسلامية تحت اسم القرآن والمصاحف والجدل الديني في شعار دنيوي سياسي وهو المطالبة بالقصاص لدم عثمان .. وهي قضية سياسية بحتة .. ولكن بمجرد ان دخلت القضية السياسية في القضية الدينية فانها حولتها الى عملية فرز وتكفير .. فكفر المعسكران بعضهما .. وانشق الاسلام منذ تلك اللحظة التي دخل فيها الدين عالم السياسة .. وصار الاسلام اسلامين .. ولن يعود الى ماكان عليه قبل معركة الجدل السياسي الدنيوي الذي انطلق في السقيفة وتم اكماله في صفين ..
والكتلتان الناشئتان عن هذا الانفسام الاسلامي انقسمت كل منها الى ملل وعشائر ومذاهب جديدة وفرخت أشكالا جديدة من الانقسام.. وكله كان بسبب تيارات سياسية ضمن الطوائف تأخذ فرقة من الناس ضد فرقة اخرى من نفس الاتجاه المذهبي وتخوض صراعا سياسيا من أجل زعيم روحي او سياسي تحت شعار اصلاحي او ثورة .. فتنقسم الطائفة حسب الخطوط السياسية .. وتتبع نفس مسار الانقسام السياسي .. ولذلك ظهرت فرق كثيرة لدى الاثني عشرية الشيعية .. وتعرض المعسكر السني لنفس البلاء .. ففي كل مرة يخرج فيها طموح وزعيم سياسي او ديني يرغب في المزيد من السلطة فانه يمزج مطالب الناس بمطالبه في وعاء الدين .. فينكسر وعاء الدين والمذهب ويصبح صاحب الثورة او التغيير زعيما روحيا وله سلطة مختلفة اكبر .. وهذا ماحدث في الاندلس .. وظهور ملوك الطوائف الذين تحت شعارات اسلامية دينية كانت لهم غايات سياسية ودنيوية .. وانقسم السنة في المشرق الى اتباع مذاهب حنبلية وحنفية وشافعية ووهابية وووو .. والكل بعد ان انفصلت المذاهب عن بعضها في أجسام مستقلة فقهيا وسياسيا قتلوا بعضهم في مجازر طائفية لاتعد ولاتحصى ضمن المذهب الواحد ..
في الديانة المسيحية عندما تنافست السلطة الروحيه الدينية مع السلطة الزمنية في اوروبة وصار الباباوات ينافسون الملوك، انقسمت الكنيسة انقساما هائلا في قضية صكوك الغفران التي آثارها مارتن لوثير ودعمته قوى سياسية طامحة وراغبة في تقليص سلطة البابا او ابعادها او مقاسمتها السلطة الروحية .. والنتيجة انقسم الكاثوليك على انفسهم وانتجوا البروتستانت ية من رحم الكاثوليكية .. والخلاف ليس دينيا بل حدث دوما في كل مرة تدخل فيها الكنيسة في السياسة والدنيا ..
وعندما وجد ملك انكلترا الكاثوليكي هنري الثامن نفسه يخوض صراعا مع البابا في روما لان البابا كان برأي هنري الثامن يتصرف كأمير ايطالي يتحكم في الامة الانكليزية ويتسلط عليها روحيا .. ويمنع الملك من تعدد الزيجات .. عندما وجد هنري الثامن ذلك تمرد بسبب طموحاته في التخلص من سلطة البابا والتمكن من تعدد الزوجات .. واعلن انه يريد اصلاح الكنيسة واعلن انفصاله واطلاق الكنيسة الانغليكانية كمولود مسيحي جديد .. ولكن الحقيقة هي انه أراد سلطة أكبر ومنفصلة عن اي سلطة .. اي ان الصراع السياسي ولد كنسية جديدة اخرى وساهم في تفكيك الكنيسة اكثر .. وخسرت الكنيسة الكاثوليكية الامة الانكليزية بكاملها بسبب هنري الثامن وطموحاته الشخصية ..
اليوم الاحداث في السويداء يراها السذج على انها صراع بين الدولة وجمهور من طائفة يطالب بمطالب معيشية ولكن راية الطائفة تم الزج بها .. وتحولت المطالب المعيشية بسرعة الى مطالب سياسية وانفصالية تحت راية الطائفة وتحض على اطلاق الحرب الاهلية داخل الطائفة .. وهذا يعني ان هناك مراكز قوى ضمن الطائفة تستعد لاعلان انها هي التي تملك القرار السياسي فيها وستتحول الى قوى سلطة جديدة وبالتالي مراكز قوى دينية جديدة تعلن انفصالها المعنوي عن سلطة القيادات الروحية الحالية تهز الطائفة وتتسبب بانشقاقاتها وتصدعاتها التي لاشفاء منها .. وهذه القوى الجديدة لاتمانع ان تحصل على مواقعها الجديدة تحت اي ثمن طالما انها ستتقدم اكثر في سلم السلطة الدينية وتحدث نوعا من الانقلاب على السلطات الروحية الحالية وتنتقل من حالة التهميش الى مركز القرار الروحي والسياسي .. وهي نسخة عما حدث للكتلة السنية التي بدأت في درعا بمطالب سياسية ولكنها رفعت المطالب السياسية على رافعات دينية وشعارات طائفية انانية تخص أهل السنة وحدهم دون غيرهم .. مما أطلق موجة من التفاعلات الدينية العنيفة في الجسم السني في المشرق كله .. وتداعى كل السنة لخوض الحرب الدينية باسم الشعارات السياسية لكنها كانت تخوض حروبا سنية سنية لفرض نموذج سني واحد .. فكل تيار صار يجد انها فرصته لاعلاء شأنه السياسي وارباحه ومواقعه الدنيوية .. فظهرت القاعدة وجبهة النصرة وداعش والوهابيون وجيش الاسلام والاخوان المسلمون وووو .. وكلهم من نفس الرحم السني الذي فشل في ان ينتج نموذجا سنيا واحدا صالحا للعيش والبقاء او السيطرة على كل المذهب السني .. وان يكون مرجعيته .. ولذلك انقسمت الكتلة السنية العربية بشكل شاقولي عدة مرات و لن تعود للالتئام بعده .. وهي مذاهب جديدة لأنه سيكون هناك المذهب الداعشي والقاعدي وغيره .. ولأن لكل مذهب منظريه وقادته الروحيين وأبطاله وخطابه ونهجه ومدارسه الفقهية .. وهذا ماتسبب في تشظي الكتلة السنية والحاقها بمعسكرات متناقضة بعد ان تشقق السنة الى معسكرات سياسية ولحقوا أهواء الطامحين والمهمشين سياسيا في المجتمع السني .. فهناك كتلة تركيا وكتلة السعودية وكتلة الاسلاميين التابعين لاميريكا ووو .. وهذه كلها في طريقها ستتحول الى مذاهب او طرائق جديدة في المذهب السني .. وهي سريعة التقاتل والاشتعال كما حدث عشرات المرات حينما كان هذا الفتات السني يقتل بعضه بعضا .. وكما يفعل الجولاني برفاقه في العقيدة من الدواعش واحرار الشام وغيرهم .. ورغم ان ذلك يظهر على انه صراع سياسي او مالي ولكنه يأخذ طريقه ليتحول الى مذاهب ومدارس دينية وسنية جديدة بعد ان وقع السنة في نفس الفخ .. اي حشر الدين في المطالب السياسية ..
المطالب الشعبية الشيعية في العراق خلطت السياسة بالدين كالعادة في الوقوع في هذا الفخ الزمني الخطر .. فبعد ان كان معظم الشيعة منضوين تحت المرجعية الشيعية فان الدخول في عالم السياسة الذي حرمته المرجعيات اوصل الشيعة الى انقسامات خطرة فهناك شيعة موالون لايران في العراق وشيعة لايوالون ايران وهؤلاء تتقرب منهم السعودية عبر علاقتها مع مقتدى الصدر .. وهاتان الكتلتان مرشحتان للصراع والتقاتل في اي لحظة وهو انشقاق مزمن ولن تشفى منه الطائفة الشيعية .. التي تعرضت لسايكس بيكو ديني مرسوم ..
الدروز في المنطقة العربية هم وطنيون وعروبيون وأصيلون ولكنهم يتعرضون اليوم لامتحان صعب جدا ويستدرجون الى زج الكتلة الدرزية في الصراع السياسي بصفتها الدينية .. ويتعرضون الى اختراقات .. ويعاني الجسم الدرزي من الانتهازيين والطموحين سياسيا ضمن الطائفة .. ولكنهم يلعبون اللعبة الطائفية بشد عصب الطائفة وخلط السياسة بشعارات الطائفة وهو ماسيؤدي الى استقطابات دينية داخلها وصراعات مراكز قوى فيها .. وستؤدي الى انقسامها .. وهو ماسيسهل السيطرة عليها من قبل اسرائيل التي سيطرت على دروز الداخل الفلسطيني وتريد ان تتقاسم دروز الخارج مع وليد جنبلاط .. وكل هذا اللعب الخطر لن تكون نتيجته الا انقسام خطرا جدا في الطائفة وظهور الدروز الجدد والاتجاهات الدرزية الجديدة التي سـاخذ كل واحدة قطعة من المذهب باتجاهها وتصبح سلطة ضمن السلطة الدرزية الدينية كما حدث في لبنان حيث انقسمت الطائفة الى دروز جنبلاط وارسلان ووئام وهاب .. وهذه الانقسامات ستخلق طوائف درزية جديدة لاعودة عنها .. كل طائفة لها فقهها السياسي .. الذي سيجتهد اصحابه في خلق فقه درزي لدعم الاتجاه السياسي وشيوخ عقل مختلفين لتبرير التوجه السياسي ودعوات مختلفة .. اي امراء طوائف .. لن يقتتلوا اليوم ولكن أبناءهم سيحسون انهم لايشبهون بعضهم غدا وسيقتتلون كما اقتتل ملوك الطوائف من قبلهم ..
على كل مواطن سوري في السويداء ألا يقع في هذا الفخ وان يحمي مذهبه بقلبه وعقله وحكمته .. وألا يسمح للطامحين والانتهازيين والراغبين في سلطات دينية ان يجتاحوا هذا المذهب ويقسموه بسبب جهلهم للعبة الخطرة التي يراقبها الاميريكون والاسرائيليون والخلايجة .. ولهم ان ينظروا فيما فعل الاميريكون بالكنيسة الارثوذكسية في اوكرانيا التي انفصلت عن الكنيسة الأم في روسيا بسبب خلاف سياسي .. فالله تم تقسيمه بين ارثو ذوكس روسيا وأوكرانيا .. والكنيسة الارثوذكسية انقسمت .. بسبب الخلاف السياسي الناتوي الروسي ..
المظاهرات ليست لها اي مطالب شعبية … من يحرض عليها ويدخل اعلام الطائفة في شعارات سياسية سيأخذها الى هاوية الانقسام والتطيف .. ويصبح الدرزي بدل ان يكون في وطن كبير ومرجعية كبيرة .. مسحوقا بين مرجعيات وشيوخ عقل وسايكس بيكو درزية لن يتم اصلاحها بسهولة ..
مايحدث في السويداء هو سايكس بيكو جديد لتقسيم الدروز واضعافهم لتسهيل السيطرة عليهم كقوة اجتماعية موحدة .. وهذا السايكس بيكو سيتم تعميمه على كل الطوائف في الشرق .. وستتفتت الطوائف اكثر كما حدث مع المذهب السني التي تفتتت بين الجهات السياسية التي استعملته سلاحا في المواجهة دون ان تدري انها أضعفت أهل السنة بتمزيقهم ..
خرائط الدم وخرائط سايكس بيكو الطوائف بدأت تنهش وتعض أرواحنا وأجسامنا .. فهل نساهم في قتل الخرائط .. ام نرسمها بأيدينا على أرواحنا وأجسادنا وعلى أيام أبنائنا ؟؟
اقتلوا خرائط سايكس بيكو الطوائف .. قبل ان تقتلكم وتقتل أرواحكم .. ولاتضعفوا امام الانانيين والطامحين والمتهورين والمستهترين والانتهازيين في الطوائف .. ماأكثرهم .. وماأخطرهم .. انهم البلاء الذي تصاب به الاديان والرسالات .. وفي كل طائفة هناك يهوذا اسخريوطي .. يقبلك .. وفي جيبه ثلاثون من الفضة .. او حفنة من الدولارات .. لايهمه ان يكون من يقبله ابن الله ام ابن الانسان او ابن طائفته .. لأنه نفسه تقول له: أنا ومن بعدي الطوفان ..

في ذكرى رحيله الـ ٥٣ .. قراءة في حيثيات “العروة الوثقى” بين عبد الناصر وجماهير الشعب العربي
بعض الناس يشبهون الوطن، إن غابوا عنا شعرنا بالغربة (نجيب مح... إقرأ المقال