ربما لان للقضية عواقب بعيدة المدى.. السلطات المصرية تحاول لفلفة قضية طائرة زامبيا ومحاربة كاشفي اسرارها

 

ألقت السلطات الزامبية القبض على مجموعة من كبار مسؤولي الأمن المصريين، وبحوزتهم ذهب مزيف وأسلحة وملايين الدولارات نقدًا، قبل أن ترد الحكومة المصرية بإنكار أي صلة بالقضية، وقمع الصحفيين المصريين، الذين حققوا في القضية.

هكذا يخلص تقرير لموقع “Fair Observer”، لافتا إلى أن حقيقة ما جري خاصة بعد إطلاق سراح المصريين، وتنازل النيابة عن اتهامهم، لا تزال مجهولة، مشددا على أنه من المرجح أن يكون للقضية عواقب بعيدة المدى، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها البلاد.

البداية كانت في 14 أغسطس/آب، عندما أعلنت السلطات الزامبية مصادرة طائرتين في مطار كينيث كاوندا الدولي في العاصمة لوساكا، وعثروا في إحداهما والتي وصلت للتو من العاصمة المصرية القاهرة، على 602 قطعة من الذهب تزن 127.2 كيلوجراما، بالإضافة إلى 5 أسلحة وأكثر من 5 ملايين دولار نقدًا.

واعتقلت على إثر ذلك السلطات الزامبية 10 مشتبه بهم، من بينهم 9 أجانب، قيل إن 6 منهم مصريون.

ثم أعلنت وزارة المعادن في زامبيا، أن الذهب مزيف، حيث كانت السبائك مطلية بالذهب فقط، وتحتوي على معادن أخرى، معظمها من النحاس والزنك.

بدأ المسؤولون التحقيق باعتباره واحدًا من عمليات الاحتيال الدولية، ثم بدأ السباق للكشف عن مزيد من المعلومات حول الركاب والطائرة والبضائع.

وباستخدام معلومات مفتوحة المصدر، نشرت وسائل الإعلام المصرية المستقلة “صحيح مصر” تحقيقًا توصل إلى أن الطائرة تُدار، وفقًا لمنظمة “يوروكنترول” المتخصصة في قواعد بيانات الطائرات المدنية والعسكرية، من قبل شركة تدعى (Flying Group Middle East)، والتي يقع مقرها الرئيسي في دبي.

وكثيراً ما نشرت صحيفة “آراب دايجست” في الماضي، تقارير عن دور الإمارات في تهريب الذهب الأفريقي، وهي تجارة تمول الصراعات المسلحة، وتكلف الدول المنتجة عائدات الضرائب ولها عواقب وخيمة على الصحة العامة والبيئة.

وأظهرت التقارير أن الطائرة (Bombardier BD-700-1A10 Global Express XRS)، مسجلة في سان مارينو لمالك مجهول، قد زارت مؤخرًا ليبيا والسعودية، في نفس الوقت الذي زارت فيه وفودًا أمنية مصرية رفيعة المستوى.

بينما قامت وسائل إعلام مستقلة أخرى، أن تتبع مسار الطائرة أظهر وصولها إلى تل أبيب.

وظهرت صورة لوزير الداخلية المصري محمود توفيق، وهو يستخدم الطائرة في زيارة رسمية لتونس في 28 فبراير/شباط الماضي.

وفي 17 أغسطس/آب، حصل موقع مصري مستقل آخر لتقصي الحقائق، “متصدقش” (لا تصدق ذلك)، على نسخة من وثيقة محكمة زامبية تكشف هويات خمسة من المصريين الستة الذين تم اعتقالهم.

أول هؤلاء المصريين، يدعى محمد عبدالحق محمد جودة، حيث أنه وفق أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية، فإنه عمل في وظيفة مساعد الملحق العسكري بالسفارة المصرية في واشنطن خلال عامي 2011 و2012، وكانت رتبته رائد بالجيش المصري آنذاك.

أما ثاني المتهمين، فهو مايكل عادل مايكل بطرس، الذي ظهر اسمه في سجل الشركات الإنجليزية كمالك لشركة (AMSTONE INTERNATIONAL LIMITED)، المتخصصة في تقديم الاستشارات العسكرية للجيوش لتطوير قدراتهم الدفاعية.

وللشركة العديد من المكاتب في الولايات المتحدة والإمارات ومصر وفرنسا واليونان وإنجلترا وبولندا، وشاركت في معرض “إيديكس مصر” للصناعات الدفاعية 2021.

وأجرى حينها أحد ممثليها لقاء تلفزيونيًا قال فيه: “إحنا شركة مصرية برأس مال مصري، عندنا شراكة مع 5 شركات عالمية في مجال التصنيع الحربي والعسكري، في تصنيع الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات الهجومية بدون طيار.. بنواكب رؤية القيادة السياسية في تنفيذ المشاريع دي في مصر بأياد مصرية”.

كما أن الشركة أعلنت عن شراكة مع شركة يونانية لتصنيع طائرة بدون طيار، “Sarisa SRS-1A” في مصر.

وأعلنت أيضا فوزها بالرعايا الرئيسية لمعرض “إيديكس 2023″، الذي يقام في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

والمتهم الثالث يدعى منير شاكر جرجس عوض، وهو تاجر ذهب يمتلك مصوغات باسم (Shaker Gold Factory Genius Gold)، وله فرعان في الزقازيق والقاهرة.

كما يمتلك محلا بفندق هلنان لاندمارك بالتجمع الخامس.

والده شاكر جرجس عوض، رئيس شعبة تجار وصناع المصوغات سابقا بمنطقة الشرقية، وتوفي عام 2018، وترك لنجله منير إدارة أعماله في الذهب.

ومنير شاكر، المعروف بـ”الخواجة”، لديه مصنع يعمل من خلاله على إدخال بعض الخامات الأخرى مع الذهب لإنتاج مصوغات مختلفة.

وخلال السنوات الأخيرة، وعبر صفحة مصنعه، عرض بعض أعماله التي يدخل فيها الخشب والمعادن والجلود وغيرها.

وكان منير أعلن عن افتتاح محل ذهب جديد في فندق هلنان ببورفؤاد، في 18 أغسطس/آب، ولكن دون توضيح الأسباب، تم التأجيل إلى 25 أغسطس/آب.

وتبين أن إعلان التأجيل جرى في 16 أغسطس/آب، وهو اليوم ذاته الذي أعلنت فيه زامبيا عن الطائرة المضبوطة.

أما المتهم الرابع، فكان مختار الششتاوي: حيث قال اثنان من الضباط السابقين في أمن الدولة يعيشون في المنفى، إن الششتاوي كان قائدا سابقا في وحدة الصاعقة (النخبة 777) وقاموا بنشر صور له على الإنترنت.

قبل أن يتساءل الإعلامي المصري المعارض محمد ناصر، من خلال برنامج “مصر النهار ده” على قناة “مكملين”، إن كان ياسر مختار عبد الغفور الششتاوي، المذكور ضمن الأسماء التي كشف عنها، هو عقيد في الجيش وفي سلاح الصاعقة ضمن الفرقة (8399 السيل) المصرية.

ونشر ناصر صورة له مع عميد يدعى هشام سامي من الضفادع البشرية، مستدركا: “هل هذا مجرد تشابه أسماء، أم إن الضابط المذكور هو من كان على متن الطائرة المحتجزة واتهم بتهريب الأسلحة والذهب والأموال”.

بينما كان المتهم الخامس يدعى وليد رفعت فهمي بطرس عبدالسيد، الملقب بـ”وليد الرباعي”، وهو مقدم شرطة، ويعتقد الآن أنه يعمل في الخراسات الخاصة بالقطاع الخاص.

يأتي ذلك في وقت كثر التكهنات بشأن هوية المواطن المصري السادس الذي تم اعتقاله.

ونظراً للسرية التي طال أمدها، يُعتقد على نطاق واسع أنه لا بد أن يكون شخصاً مهماً للغاية.

وزعمت وسائل الإعلام المعارضة أن لديه اتصالات مع محمود نجل السيسي، والذي يشغل منصب نائب رئيس المخابرات العامة المصرية.

وقد كان الحليف المقرب للسيسي، والذي تم ربطه بالطائرة هو إبراهيم العرجاني، إلا أن الأخير ظهر في وسائل الإعلام الحكومية الأربعاء الماضي، وبالتالي فقد تم الآن نفي هذه النظرية.

ومع ذلك، تم الكشف عن العديد من الروابط بين العرجاني والطائرة الزامبية، مما يدل على أنه رغم أنه ليس الرجل السادس، إلا أنه استخدم الطائرة في الماضي.

ففي أبريل/نيسان، نشر نجل أرجاني صورة له ولوالده واقفين أمام ما يبدو أنها نفس الطائرة.

كما تم تصوير الطائرة العام الماضي في مطار شرم الشيخ بجنوب سيناء.

وولد العرجاني ونشأ في مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء، وهو رجل أعمال ثري وأمير حرب سيئ السمعة، يرأس قبيلة الترابين البدوية في سيناء، التي تعمل بشكل وثيق مع أجهزة المخابرات في سيناء وغزة.

وفي الأشهر الأخيرة، سُمح له بلعب وظيفة دبلوماسية متزايدة الأهمية، حيث شارك في المحادثات الأمنية الثنائية في ليبيا، وترأس بعض الاجتماعات بنفسه.

وظهرت علامة أخرى على نفوذ العرجاني خلال العام الماضي، عندما أصبح الراعي الرئيسي للنادي الأهلي المصري لكرة القدم، وهي خطوة أدانتها المعارضة ووصفتها بأنها “تبييض رياضي”.

ووفقا لصحيفة “هاآرتس” العبرية، تحرص مصر على أن تتم جميع أعمال إعادة الإعمار في غزة من خلال شركة العرجاني، وليس من قبل الجيش المصري، حتى لو كان الجيش هو الذي يشرف على العمل.

في عام 2021، ذكرت الصحيفة أن “العرجاني” الذي يمتلك بعضًا من أكبر شركات البناء في مصر، يتلقى أوامره من المخابرات المصرية، وهو أيضًا جزء كبير من المساعدات المصرية لغزة، ومن حركة البضائع من مصر إلى القطاع.

وبالعودة إلى زامبيا، فقد أفرجت السلطات هناك الجمعة، عن المصريين الخمسة المحتجزين، بعد تنازل النيابة عن الاتهامات الموجهة لهم.

وقررت محكمة لوساكا الفرعية، الإفراج عن المصريين الخمسة المحتجزين في زامبيا، مع طيار زامبي متهم بالتجسس، في وقت ستتواصل إجراءات المحاكمة في القضية مع باقي المتهمين الزامبيين.

وحتى الآن، لم يصدر أي تعليق رسمي من السيسي أو أي عضو آخر رفيع المستوى في النظام بشأن طائرة زامبيا الذهبية، ناهيك عن أي علامة على إجراء تحقيق أو محاسبة أي شخص.

بيد أنه مع انتشار قصة الطائرة، أعلنت السلطات المصرية في 16 أغسطس/آب أن الطائرة لا تحمل الجنسية المصرية، وإنما توقفت مؤقتا (ترانزيت) بمطار القاهرة الدولي في وقت سابق.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية “أ ش أ” (رسمية) عن مصدر مطلع (لم تسمه) قوله، إن الطائرة المحتجزة في زامبيا وعلى متنها ملايين من الدولارات وكمية من المعادن والأسلحة والذخيرة هي “طائرة خاصة وخضعت للتفتيش والتأكد من استيفائها لكافة قواعد السلامة والأمن التي يتم تطبيقها على أعلى المستويات داخل كافة المطارات والموانئ المصرية” قبل الإقلاع صوب زامبيا.

ولم يشر المصدر إلى طبيعة حمولة الطائرة وقت وقوفها العارض في مطار القاهرة الدولي أو عدد من كانوا على متنها.

ووفق مصادر معنية، فإن طائرات الترانزيت التي تتوقف بالمطارات المصرية من أجل التزود بالوقود أو المواد الغذائية أو المؤن الأخرى المتعارف عليها، لا تخضع لعمليات تفتيش فيما يخص حمولتها.

ومن الواضح أن وسائل الإعلام الحكومية لم تكن مستعدة لما حدث.

فقد نشر اتحاد قبائل سيناء نفيا متسرعا لتورطه أو أي من رجال الأعمال المصريين في أي عمليات تهريب، قبل أن يتم حذف التغريدة بعد وقت قصير.

كما قام موقعان آخران على الأقل تابعان للنظام وهما “المصري اليوم” و”كايرو24″ بحذف مقالاتهما حول الطائرة، بعد ساعات قليلة من نشرها.

كما اعتقلت المصرية، الصحفي كريم أسعد أحد أعضاء فريق تحرير منصة “متصدقش”، الذي كشف هوية المصريين، حيث داهمت قوات الأمن منزله بمدينة الشروق (شرق القاهرة)، قبل أن تعتدي عليه بالضرب والسب.

ولاحقا، تدخلت نقابة الصحفيين، وتم إطلاق سراحه بعد 48 ساعة من الاحتجاز.

في وقت قالت المنصة أن أفراد الأمن قاموا بالولوج إلى حساباتها، وحذفوا منشورين يتعلقان بهوية المصريين الموجودين على الطائرة.

وأمام كل ذلك، يقول تقرير “Fair Observer”: “يبدو أن حقيقة ما جري لا يزال مجهولا، خاصة أن الاحتجاز تم لكبار المسؤولين الأمنيين من قبل جهاز شرطة أفريقي بحوزتهم ذهب مزيف مزعوم، على متن طائرة تستخدمها الأجهزة الأمنية بشكل متكرر”.

ويضيف: “تمثل القضية ضربة قوية للنظام المصري، من المرجح أن يكون لها عواقب بعيدة المدى، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها البلاد”.

المصدر | Fair Observer

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى