الشعور بالدونية الثقافية هو عكس الداروينية التطورية
بقلم: نارام سرجون
صدق المفكر الروسي الكبير ألكسندر دوغان الذي نصح الشعوب الشرقية بأن تتخلص من الاحساس بدونيتها الثقافية كي تتخلص من احساسها بدونيتها السياسية وتبعيتها .. ولكن الشرق لا يتخلص من دونيته الثقافية واحساسه بتدني ثقافته طالما ان الغربي يعامله كالحيوان .. وطالما انه هو ارتضى لنفسه ان يعيش عند الغربي كالحيوان .. وهذا هو ما تفعله بعض القوى السياسية والاسلامية العربية والاقليمية التي تكرس الدونية السياسية مما يتسبب في انتقال الشعور بالدونية الى الثقافة ومنه الى الفرد والمجتمع .. ويكفي ان نلقي نظرة على وفود البعثات الديبلوماسية والبرلمانية الغربية وهي تزور مخيمات اللاجئين والمنكوبين في الحروب لنعرف ماهو معنى الدونية البشرية التي تتسبب بها الدونية الثقافية التي يتسبب بها العرب والمسلمون أنفسهم ..
ولو رأى داروين الوفود السياسية والبعثات البرلمانية الاوروبية التي تزور الفقراء واللاجئين والمحتاجين لقام ببعض التعديلات على نظرية النشوء والتطور .. ووجد ان اصول بعض الاعراق البيضاء تماسيح وليست قرودا .. وأن بعض البشر يتعرضون لنكوص بيولوجي يحولهم الى قرود مثل الشعوب التي ترضى الذل وان تعامل كالحيوانات .. لأنه سيرى في السياسيين الاوروبيين سلوك التماسيح فهم يتباكون ويذرفون الدموع على الفقراء في مخيمات اللجوء ويأتون بالمساعدات والبطانيات وحليب الاطفال .. ويوزعون الحلوى والابتسامات ويلتقطون الصور التذكارية .. ولكنهم في سلوكهم هذا فانهم يتصرفون وكأنهم يزورون حديقة للحيوان او محمية من محميات القرود .. ويشبه سلوكهم سلوك هواة الصيد حيث يأسرون الحيوانات البرية ليضعوها في أقفاص الزينة والعروض المسرحية .. يسرقون حريتها ثم يحنون عليها ويطعومنها ويعلفونها .. قبل ذبحها .
والحقيقة هي انه ان كان شيئ يثير قرفي وتقززي هو الوفود الاوروبية والغربية التي تكلف نفسها مشقة السفر وعناء الشفقة واظهار الرحمة بين جموع الناس في العالم الثالث وهي نفسها البرلمانات والحكومات التي دمرت بلدانهم .. وحولت الشعوب الى لاجئين وفقراء ومتسولين تحت شعار التحرير والحرية .. وحولتهم الى حيوانات في حدائق حيوان تسمى مجازا معسكرات اللجوء !! ..
يتسابق الاوروبيون والاميريكيون دوما لملاقاء اللاجئين ومعسكرات اللاجئين والفقراء المنكوبين والمهجرين في الحروب ويبتسمون لأطفالهم ويلتقطون الصور التذكارية الباسمة والمليئة بالبهجة والسرور .. رغم ان هؤلاء الاوروبيين وحكوماتهم هم الذين تسببوا بالبلاء الكبير والمصير المفجع والعيش في الخيام لهؤلاء المساكين ..
طبعا سيصاب الثورجيون بالهستيريا لانهم سيجدون في هذا المقال اعتداء على كرامتهم ودوسا على انسانيتهم وسيرون في الكلام دليلا على ان انصار الدولة السورية ينظرون اليهم على ان اللاجئين وضحايا الحرب مجرد حيوانات .. ولكن الحقيقة هي انهم قدموا هؤلاء المساكين وقدموا انفسهم كحديقة للحيوانات التي يزورها ثلاثة نواب اميريكيين كانوا يتجولون في شمال حلب وكأنهم يتجولون في غابات السافانا الافريقية وويعاملون الناس والاطفال كما لم انهم قردة او قطعان جاموس تلتف حولهم بشكل فضولي لأن السياح للحديقة يرمون لها ببعض الطعام ..
طبعا منذ سنوات وأنا أعيش بحالة التقزز والتقيؤ من كثرة الموفدين والفنانين الاميريكيين الذين يتبرعون بأرواحهم اللطيفة ووقتهم الثمين كي يزوروا اللاجئين والمعذبين في الأرض رغم ان بلدهم هو سبب وجود ملايين المعذبين في الأرض..
وبالأمس مررت بهذه الحالة من الغثيان والمغص وأنا أرى ثلاثة نواب اميريكيين كانوا في زيارة سياسية لحديقة امريكية للسافانا في شمال حلب ولمحميات حيوانية .. ويتصرفون كما السياح الاميريكون فيما الجمهور حولهم مجموعة من القطط البرية والقرود والسعادين التي تهلل لوصولهم .. وتنتظر بعض الفاكهة .. وطبعا الفاكهة هي الصور التذكارية مع الوفد الاميريكي .. ومن هنا لا يجب علينا ان نستغرب هذا الشعور الغربي من ان اي مواطن غربي يحس بالتفوق على الشرقي لأنه يرى الشرقي لاجئا او حبيسا في حديقة حيوانات وتعامله برفق جمعيات الرفق بالحيوان .. ولذلك فان جوزيب بوريل لا يخطئ ول يبالغ عندما يقول ان اورويا حديقة هذا العالم والباقي أدغال .. انها حقيقة مشاعرهم ..
كل معسكرات اللجوء التي يزورها سفراء السلام وسفراء المحبة والرحمة هي من صنع أيديهم .. وكل هذا البلاء والعوز والذل هو من تصميمهم وتخطيطهم .. ولكن الدونية التي يحس بها المسلم والعربي هي من صنع يده وصنع نخبه الغبية وقياداته المعارضة التي تتسول القنابل والقصف على بلدانها وتدمر البلاد والمدن وتستجدي الناتو وتفتي له بالقتل من أجل كرسي الحكم الحقير .. وتقوم هذه المعارضات بحشد اللاجئين والمهحرين كما الحيوانات في محميات السافانا العربية .. وتزج بالاطفال كي يلتقط الاميركي الصور بينهم ويبيعها في الامم المتحدة وفي الدعاية الانتخابية في بلاده .. وأحيانا يعلق صوره في معسكرات اللجوء وصوره بين اللاجئين والمنكوبين في الحروب بين صوره في الادغال وبين القرود كما قال لي بعض زوار لساسة اميريكيين .. لأنه في قرارة نفسه يحس أن لا فرق بين هذه القرود في الغابة .. وهذه القرود في المعسكرات .. فهو السيد .. وهذه البهائم التي سلمها أصحابها لحديقة الحيوانات هو من كان يداوي جراحها ويزورها ..
الدونية الثقافية لا تعالج الا بالكبرياء الثقافي والادراك المعرفي للحقيقة .. وكل من يعيش في الغرب زمنا يدرك ان هذا التفوق الثقافي هش جدا وسببه التفوق التكنولوجي ولكن التفوق التكنولوجي لا يصنع تفوقا حضاريا .. ولا تفوقا أخلاقيا .. وهي ما يميز الحضارة البشرية ..
أنا شخصيا عندما وطئت قدماي الغرب كنت أحس بذلك الشعور لا غامض من تفوق الغربي . ولكن عندما عرفت كم الاثقافة الغربية هشة وكم الانسان الغربي ضعيف امام الماكينة الاعلامية وكم ان قناعاته بالديمقراطية والحرية مثيرة للشفقة لأن الشركات والبنوك هي التي تملك البلاد وأحزابها كما تملك البضائع .. عندما عرفت ذلك ورأيت كم الغربي لا يجرؤ على التفكير في محرمات الهولوكوست والمثلية وغيرها عرفت انني أملك ما أباهي به من الشرق العظيم ..
سبب دونيتنا الثقافية هي النخب التي لم تنقل لنا الا عقدتها هي .. وعقدة نقصها هي .. وجاءت المعارضات العربية التي هي نتاج للنخب الضعيفة واكملت الصورة بتدمير الثقة بالنفس وهي تقدم الاطفال حول الوفود الاميركية وتزج بها لاستقبالها فيما الاميريكي يتصرف وكأنه في حديقة حيوان ..
الغريب اننا عندما نلتقط صورا تذكارية وطنية مع الأطفال تهاجمنا المعارضات العربية وتقول بأننا نذل الطفولة ونستعملها لتمجيد الديكتاتوريات .. أما تمجيد الاميريكي والابتسامات العريضة المليئة بالفخر معه فانها ارتقاء وتطور!! .. ولكنها في يقيني تدن في الكرامة وجعل الانسان مجرد حثالة بشرية .