ثوب وكردان !!
بقلم: غادة عايش خضر/ غزة

أرى التاريخ الفلسطيني مدوناً بين أطرافه ، والطفولة البريئة تلتف على أعقابه ، هو مثال لضرب الحِكم والأمثال ، على صدره جولة للنصر بلا معارك أو أى قتال ، هو لمسات أيادٍ فلسطينية خالصة ونوايا وطنية ناضرة حاضرة ، معطرة برائحة برتقال وعنب البلاد ، هو ما تبقى لنا من إرث الأجداد ، بين عروقة ترى أنهار الوطن ووديانه وقراه العريقة وأطيانه ، الوانه هى رمز للوطن وشارة وعلم ، هو امتداد للتاريخ والثقافة و التراث والحلم ، هو أجمل الهدايا والعطايا ، هو عشق الصبايا ، هيبة امرأة عجوز في زمن الرحايا …….
هو الهوية ورمز القضية وحكاية كل مدينة فلسطينية والأمجاد ، العمل به يمنحك الصبر والصمود كمن ينتظر يوم الحصاد ، تتجلى من خلاله ايات الدفاع والوفاء بالعهود ، فيه العراقة والجذور وكنعان مكتمل الحضور ، أسرار تفاصيله حاضرة ما بين الطباع والجغرافيا ورسم الحدود ، هو جسر المحبة ما بين الجدة والحفيدة ممدود ، هو ذكرى لأيام كانت سعيدة . …. ولن تعود …..
بالطبع عرفتم عن ماذا أتحدث !!! عن ثوب فلسطيني مطرز ، صنعته لى جدتى ، وأهدتنى إياه وأنا طفلة صغيرة لم اتجاوز حينها الخمس سنوات ، وما زلت احتفظ به حتى الآن ، لأنى بصريح العبارة أرى فيه جدتي والتاريخ الفلسطيني في آن واحد ، أرى بين ثناياه طفولتى والحلم الواعد…..
ثوب يحكى قصة صبر إمراة فلسطينية لاجئة استعادت الوطن السليب من خلال قماشة وإبرة وخيط حرير ، تشبه المقاومة السلمية والحرب الكلامية كبيت هجاء ما بين الفرزدق وجرير ، فيما لو تأملت كل غرزة مطرزة بذاك الثوب ، لأدركت معنى الدقة والإتقان لدى أجدادي ومجدهم التليد…..
….اشتاق لصورةٍ تم التقاطها لى وانا أرتديه في ذاك الوقت ، كمٌ هائل من الشموخ والكبرياء والعزة ، بل عدت أيضاً بذاكرتي لحيثيات ومفاوضات وشروط عرضتها لإلتقاط تلك الصورة ، ربما الشموخ الذى تشربته من ذاك الثوب ومن جدتي ، مما جعلني أتقمص دور المفاوض الشرس، والشرط هو ارتداء كردان عمتي ، وبالفعل ارتديت ثوب الفخر وكردان الهيبة معاً ، تلك هى حكاية الثوب الذى اهدتني اياه جدتى وكردان عمتى ……