مقدمات التفريط بالقضية.. تعديل الميثاق القومي الفلسطيني

بقلم: د. غازي حسين

لم يكن الوصول الى اتفاق أوسلو المشؤوم ارتجالياً وبمحض المصادفات، بل كانت له عدة ارهاصات ومقدمات ظاهرها وطني وباطنها تفريطي تبدى تدريجياً، وفق مخطط مرحلي تنازلي خبيث بدأ يتعديل الميثاق القومي الفلسطيني، وأدى بالضرورة الى ما نحن فيه الآن من إنكسار وتبعية وهوان.
لقد احتوى الميثاق القومي على مقدمة و29 مادة أكَّدت على أنَّ فلسطين وطنٌ عربيٌّ, وجزءٌ لا يتجزّأ من الوطن العربي الكبير, والشعب الفلسطيني جزءٌ لا يتجزَّأ من الأمة العربية.
واعتبر الميثاق القومي أنَّ التقسيم باطلٌ وكذلك وعد بلفور وصك الانتداب وأنَّ الصهيونية حركةٌ استعماريةٌ عدوانيّةٌ توسعيّةٌ نازيةٌ وفاشيةٌ وحركةٌ هَّدامةٌ وركيزةٌ للاستعمار ومصدرٌ دائمٌ للقلقِ وعدم الاستقرار في الوطن العربي.
ولكن الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني، التي انعقدت في القاهرة في تموز 1968، أقرت تعديل الميثاق القومي, حيث قامت الفصائل الفلسطينية بتعديله, وأدخلت عليه تغييرات كبيرة هي:
أولا: غيَّرت اسم الميثاق القومي إلى الميثاق الوطني.
ثانياً: حذفت المادة 24من الميثاق القومي وتضمنت المادة الجديدة بألاّ تمارس المنظمة لأي سيادة على الضفة الغربية وقطاع غزة ومنطقة الحمّة, وأدخلت بعض التعديلات على المواد الأخرى.
واعتبرت قيادة منظمة التحرير الجديدة أنَّ الدورة الرابعة من أهم دورات المجلس الوطني بسبب تولّي الفصائل الفدائية وبالأخص فتح قيادة المنظمة سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً.
نصَّت المادة الأولى من الميثاق القومي على أنَّ فلسطين وطنٌ عربيٌ تجمعه روابط القومية العربية بسائر الأقطار العربية التي تؤلف الوطن العربي الكبير.
جرى تغيير هذه المادة وأصبحت المادة الأولى الجديدة من الميثاق الوطني تنصُّ على أنَّ فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني, وهي جزء لا يتجزأ من الوطن الكبير, والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية.
وبقيت المادة الثانية كما هي وجرى تعديل المادة الثالثة حيث حذف منها: “وهو جزء لا يتجزّأ من الأمة العربية, ويشترك معها في آمالها, وآلامها, وفي كفاحها من أجل الحريَّة, والسيادة والتقدم والوحدة. “وأضيفت بدلاً منها العبارة التالية: “ويقرر مصيره بعد أن يتمَّ تحرير وطنه وفق مشيئته وبمحض إرادته واختياره”.
وأكَّدت الإضافة على المادة الرابعة على الشخصية والانتماء الفلسطيني وأضيف عليها مايلي “وإنَّ الاحتلال الصهيوني وتشتيت الشعب الفلسطيني نتيجة النكبات التي حلت به لا يفقدانه شخصيته وانتماءه الفلسطيني ولا ينفيانهما”
واحتوت المادة التاسعة من الميثاق الوطني نصاً جديداً لم يكن موجوداً في الميثاق القومي حيث نصت على أنَّ “الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك استراتيجية وليس تكتيكاً”
ونصَّت المادة العاشرة من الميثاق الوطني على أنَّ: “العمل الفدائي يشكِّل نواة حرب التحرير الشعبية”.
وتطابقت المادة التاسعة عشرة من الميثاق الوطني مع نص المادة السابعة عشرة من الميثاق القومي حول رفض التقسيم وبطلان وعد بلفور.
وأضيفت إلى الميثاق الوطني المادة الحادية والعشرون وتنصُّ على أنَّ ” الشعب الفلسطيني معبِّراً عن ذاته بالثورة الفلسطينية المسلحة يرفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً, ويرفض كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويلها”.
وجسَّدت هذه المادة رفض التسوية على أساس القرار رقم 242.
واحتوت المادة الثانية والعشرون على تعريف الحركة الصهيونية, وتضمَّنت بعض الإضافات على مثيلتها في المادة التاسعة عشرة من الميثاق القومي, وأكَّدت أنَّ الهدف من الكفاح الفلسطيني هو القضاء على الوجود الصهيوني والإمبريالي في فلسطين وذلك تجنباً للزعم الصهيوني بأنَّ الميثاق ينصُّ على القضاء على اليهود في فلسطين التي بثَّتها الدعاية الصهيونية والغربية على أوسع نطاق في العالم.
وحذفت المادة الرابعة والعشرون من الميثاق القومي التي كانت تنصّ على أنَّ المنظمة لا تمارس سيادة إقليمية على الضفة الغربية وقطاع غزة ومنطقة الحمّة؛ وجاءت صياغة المادة السادسة والعشرين أفضل من مثيلتها وهي المادة الخامسة والعشرون من الميثاق القومي وتضمَّنت إضافات جديدة وهي الربط بين حق العودة وتقرير المصير بعملية التحرير .
وأضيفت مادة جديدة على الميثاق الوطني وهي المادة الثامنة والعشرون وتنصُّ ” يؤكد الشعب العربي الفلسطيني أصالة ثورته الوطنية واستقلاليتها , ويرفض كلَّ أنواع التدخُّل والوصاية والتبعية “.
وأضيفت المادة التاسعة والعشرون إلى الميثاق الوطني وتنصُّ على أنَّ ” الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الأول والأصيل في تحرير واسترداد وطنه ويحدّد موقفه من كافة الدول والقوى على أساس مواقفها من قضيته ومدى دعمها له في ثورته لتحقيق أهدافه “.
جرى صياغة وإضافة المادتين 28 و29 إلى الميثاق الوطني كتعبير عن موقف حركة فتح في تبنِّيها استقلالية القرار الفلسطيني , ورفض ما تسميه التدخُّل والوصاية , والتبعية العربية وذلك كمقدمة لفصل قضية فلسطين عن بعدها العربي والإسلامي تنفيذاً لمطلب صهيوني وأمريكي للاستفراد فيما بعد بالمفاوض الفلسطيني… كما يجري حالياً في المفاوضات العبثيّة.
لم تقتصر التعديلات على الميثاق القومي بل شملت أيضاً النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وأدخلت عليه خمسة عشر تعديلاً وإضافةً , لتجعله ينسجم مع الصياغة الجديدة للميثاق ومع العلاقة الرسمية الفلسطينية والعربية وأصبح ميثاق منظمة التحرير يُعرف بالميثاق الوطني الفلسطيني.. والبقية معروفة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى