منذ سنوات ما بعد الاستقلال للدول الأفريقية في ستينيات القرن الماضي، ولغاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وقع أكثر من 200 انقلاب في البلدان الأفريقية، ما يطرح تساؤلات بشأن حالة عدم الاستقرار والفوضى التي تصيب هذه القارة وأسباب الانقلابات المتواصلة.
ويُعَدُّ انقلاب النيجرالأخير أحدث الانقلابات المستمرة في أفريقيا ، بعد سيطرة الجيش على السلطة، والإطاحة بالرئيس محمد بازوم من منصبه، وتشكيل مجلس وطني لإدارة البلاد.
وبعد مالي وبوركينا فاسو، تعدّ النيجر التي طاولتها هجمات الجماعات المرتبطة بتنظيمي”داعش” و”القاعدة”، ثالث دولة في منطقة الساحل وجنوب الصحراء تشهد انقلاباً منذ عام 2020، ووقعت الانقلابات الثلاثة وسط موجة من المشاعر المعادية لفرنسا،الدولة الاستعمارية السابقة لهذه البلدان الثلاثة.
وقال المجلس العسكري الذي أطاح بالسلطة بالرئيس المنتخب محمد بازوم، الأسبوع الماضي، إنَّ الحكومة التي تمت الإطاحة بها، أعطت فرنسا تفويضًا لتنفيذ ضربات على القصر الرئاسي لمحاولة تحرير بازوم.وسبق أنْ حذَّرَ المجلس العسكري، الذي يحتجز بازوم في القصر الرئاسي منذ يوم الأربعاء الماضي ، من أي محاولة خارجية لتحرير بازوم وشدَّد على أنَّها ستؤدي إلى إراقة الدماء والفوضى.
تراجع النفوذ الاستراتيجي الفرنسي في بلدان الساحل
تشهد منطقة الساحل وجنوب الصحراء حالة من التنافس الدولي بفعل الأهمية الكبرى التي تحظى بها، سواء في المجالات الاقتصادية أو السياسية أو الاستراتيجية. وعلى الرغم من تعدد القوى الدولية (فرنسا أمريكا روسيا و الصين) التي تتنافس فيما بينها من أجل توطيد نفوذها في هذه المنطقة،فإنَّ المتابع للأحداث يستطيع أن يلاحظ بسهولة أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين تأتى في مقدمة هذه القوى؛ في ضوء تراجع النفوذ الفرنسي ،حيث تدور حالة من التنافس بين تلك القوى الثلاث، التي يبدو أنها في طريقها إلى التصاعد بفعل مجموعة من العوامل من بينها تمسك كل منها بتعزيز وجودها في القارة الإفريقية، وعدم التخلي عن أي من الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها من جراء هذا الوجود. يضاف إلى ذلك الصراع القائم بينها على المستوى الدولي؛ إذ تسعى كل من موسكو وبكين إلى تغيير طبيعة النظام الدولي الراهن القائم على الأحادية القطبية في اتجاه آخر متعدد الأقطاب، تفقد فيه واشنطن مكانتها كقطب مهيمن على النظام القائم.
من الناحية الواقعية، فرنسا لم تعد سوى واحدة من بين القوى الدولية الأخرى في مجال عرض التعاون العسكري في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.وهذه القوى “الأخرى” هي الولايات المتحدة الأمريكية و الصين ، وخصوصا روسيا التي تسعى إلى التفوق على الفرنسيين في مناطق نفوذهم الموروثة عن عهد الاستعمار، في إطار استراتيجية تمتد على نطاق عالمي.
وبعد دفعها إلى الخروج من مالي تحت ضغط المجلس العسكري الحاكم منذ 2020 ، طَوَتْ فرنسا، مع بداية عام 2022، صفحة دامت تسع سنوات ونيّف، ضمن قوة “برخان”، في مالي.
لقد جاء الانسحاب الفرنسي من مالي بعد حوالي عقد من التواجد الفرنسي في مالي الواقع في منطقة الساحل الأفريقي،لمحاربة الإرهاب، وقت قصير من الانسحاب الأميركي من أفغانستان، في أغسطس/آب 2021، بعد عقدين على أطول الحروب الأمريكية في الخارج، ويتشابه الانسحابان الفرنسي والأمريكي في الكثير من العناصر، على الرغم من التاريخ الاستعماري الثقيل لفرنسا في القارة السمراء.
ولم يكن الانسحاب الفرنسي مفاجئاً، بعد أشهر من التحضير له، لكنه ترجم في الواقع هزيمة معنوية لباريس، بعد توتر علاقاتها مع باماكو، إثر انقلابين عسكريين هناك، في أغسطس/ آب 2020 ومايو/ أيار 2021، ثم استعانة العسكريين الماليين، بقيادة أسيمي غويتا، بجماعة “فاغنر” الروسية.
وأطلقت فرنسا في يناير/كانون الثاني 2013 عملية “سيرفال” بهدف وقف تقدم الجماعات المسلحة نحو جنوب مالي ودعم القوات المالية. وتمكنت العملية، التي كانت رأس حربة التدخل العسكري الدولي، من طرد جزء كبير من الجماعات الجهادية من شمال مالي بعد أن احتلت المنطقة في 2012.
وفي الأول من أغسطس/ آب 2014، خلفتها عملية “برخان” لمكافحة الجهاديين، بقيادة فرنسا مع خمس دول في منطقة الساحل والصحراء هي موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد.وبلغ عديد العناصر الميدانيين لهذه القوة 5500 جندي في عام 2020. ووتمَّ تخفيض الوجود العسكري في منطقة الساحل بحلول نهاية العام 2022إلى النصف مع 2500 عسكريّ.
ووافقت النيجر على إبقاء قاعدة جوية في نيامي و250 جندياً فرنسياً لعملياتها العسكرية على الحدود المالية. وستواصل تشاد استضافة قاعدة فرنسية في نجامينا وتأمل فرنسا في الحفاظ على كتيبة من القوات الخاصة في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو.
وكانت الضربات الفرنسية قد قضت على أمير تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، عبد الملك دروكدال، في 2020، ثم زعيم “داعش” في الصحراء الكبرى، عدنان أبو الوليد الصحراوي، بالإضافة إلى عدد كبير من كبار أعضاء الجماعات المتطرفة في المنطقة.
لكنَّ لا مجال لعدم الاعتراف بالفشل السياسي لباريس في مالي، على غرار واشنطن في كابول، ليرسم معلماً إضافياً من معالم التحولات في موازين النظام العالمي الليبرالي الأمريكي أحادي القطبية. وتضافرت كل الظروف، في الإعلان الفرنسي، ليكون عنواناً لفشل سياسي فرنسي، من المطامع الغربية، إلى الفساد، وسوء التقدير الجسيم في التعامل مع حيثيات المجتمع المحلي على الأرض، وخطأ استشراف ومعالجة المسببات التي جعلت “الإرهاب”، سواء في أفريقيا (أو أفغانستان)، متمدداً، ويستفيد من النفور الشعبي المتصاعد من التواجد العسكري الغربي.
وبعد الانقلاب العسكري الذي وقع في بوركينا فاسو، في 23 يناير/كانون الثاني 2023، وإبعاد العسكريين للرئيس روش مارك كريستيان كابوري، وإعلان وصول “الحركة الوطنية للحماية والاستعادة” بقيادة الكولونيل بول هنري سانداوغو داميبا إلى السلطة، تحولت مواقف الحكام العسكريين الجدد في مالي وبوركينا فاسو إلى عدائية تجاه باريس، مستفيدين من هذه الظروف، وسط تعالي السخط الشعبي من مهمة فرنسية، يثير الحكام من منطقة الساحل الكثير من الأسئلة حول أهدافها منذ تدخلها في شمالي البلاد المطالب بالانفصال.
وعلى الرغم من هذا التراجع، تؤكد فرنسا أنَّها لن تتخلى عن مكافحة المتشددين التابعين لتنظيمي “القاعدة” و”داعش” اللذين تم احتواؤهم لفترة طويلة في منطقة الساحل، لكنهم يحققون تقدما باتجاه خليج غينيا حاليا، لكن التدخلات العسكرية للقوة الاستعمارية السابقة ستتحول إلى “قوات أقل ظهورا وأقل انكشافا”، على حد تعبير إيمانويل ماكرون، خصوصا لتجنب إثارة مشاعر معادية لفرنسا قابلة للانفجار.
أما في النيجر، فقد لقد لعبت حركة أم62 (نسبة إلى مرورو 62 عامًا على استقلال النيجر عن الاستعمار الفرنسي في عام 1960)،التي تأسست من عدة منظمات تنتمي جميعها إلى المجتمع المدني في 22آب 2022، دورًا رئيسًا في مساندة الانقلاب،فهي حركة مناهضة للإمبريالية الغربية ،وللوجود العسكري الفرنسي،و قادت تظاهرات الآلآف من السكان المناهضين للوجود العسكري الفرنسي في النيجر أمام السفارة الفرنسية في نيامي العاصمة،يوم 30يوليو2023،وطالبت برحيل القوات العسكرية الفرنسية و الأمريكية المتواجدة في هذا البلد الساحلي الأفريقي تحت حجة مكافحة التنظيمات الإرهابية “داعش” و”القاعدة”و”بوكوحرام”.
في الوقت نفسه، تريد باريس الاستمرار في المشاركة في مكافحة انعدام الأمن الذي يهدد شركاءها الأفارقة ويغذي الهجرة إلى أوروبا، لكن بتكتم. وقال ضابط فرنسي إنَّ “الظهور مع الفرنسيين ينعكس سلبا”.
وقد حذرت حركة أم 62 فرنسا و منظمة “إيواكس” التي تضم دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من احتمال شنِّ عدوانٍ عسكريٍّ ضد السلطات العسكرية النيجيرية الجديدة . كما حذَّر القادة العسكريون في النيجرمن أي تدخل مسلح في بلادهم، في الوقت الذي اجتمع فيه قادة دول غرب أفريقيا في العاصمة النيجيرية يوم الأحد 30تموز/يوليو2023في قمة طارئة للبت في اتخاذ إجراءات أخرى للضغط على الجيش لاستعادة النظام الدستوري.
ويمكن لقادة دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا(إيواكس) المكونة من 15 عضواً، والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا المؤلف من ثمانية أعضاء، تعليق عضوية النيجر في المنظمتين واستبعاد البلاد من البنك المركزي الإقليمي والسوق المالية وإغلاق الحدود.
وجاء في بيان صادر عن مكتب الرئيس التشادي يوم السبت 29تموز/يوليو2023إن تشاد، الجارة الشرقية للنيجر والتي ليست عضواً في المنظمتين الإقليميتين، تلقت دعوة لحضور قمة “إيكواس”.والنيجر واحدة من أفقر دول العالم، وتتلقى مساعدات تنموية رسمية تقدَّر قيمتها بنحو ملياري دولار سنوياً، وفقاً للبنك الدولي.
كذلك فإنها شريك أمني رئيسي لبعض الدول الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة، اللتين تستخدمانها كقاعدة لجهودهما الرامية لاحتواء أعمال عنف يشنّها مسلحون في منطقة الساحل بغرب ووسط أفريقيا.
ويمكن لزعماء دول غرب أفريقيا أيضاً، للمرة الأولى، التفكير في تدخل عسكري لإعادة الرئيس محمد بازوم الذي أُطيح عندما أُعلن الجنرال عبد الرحمن تياني رئيساً جديداً للبلاد يوم الجمعة28تموز/يوليو2023.
وقال المتحدث باسم المجلس العسكري أمادو عبد الرحمن: “الهدف من اجتماع (إيكواس) هو الموافقة على خطة عدوان على النيجر من خلال تدخل عسكري وشيك في نيامي بالتعاون مع دول أفريقية أخرى غير أعضاء في إيكواس وبعض الدول الغربية”.وأضاف: “نريد أن نذكر مرة أخرى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أو أي مغامر آخر بعزمنا الراسخ على الدفاع عن وطننا”.
وتضامنًا مع الحكام العسكريين الجدد في النيجر، حذرت السلطات في واغادوغو وباماكو في بيان مشترك يوم الاثنين31تموز/يوليو2023، من أن أي تدخل عسكري في النيجر لإعادة الرئيس المنتخب محمد بازوم الذي أطاح به انقلاب عسكري، إلى الحكم سيعتبر إعلان حرب على بوركينا فاسو ومالي”، وذلك غداة تلويح قادة دول غرب أفريقيا باستخدام “القوة”في اجتماع عقدوه في العاصمة النيجيرية أبوجا.
هذا، وحذرت سلطات البلدين أيضا من أن “أي تدخل عسكري ضد النيجر سيؤدي إلى انسحاب بوركينا فاسو ومالي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو)، وإلى تبني تدابير للدفاع عن المشروع دعما للقوات المسلّحة والشعب في النيجر”.كما حذّرت السلطات من “عواقب كارثية لتدخل عسكري في النيجر، من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة بأسرها”.
وأشارت أيضا إلى “رفضها تطبيق” ما وصفت بأنها “عقوبات غير قانونية وغير مشروعة وغير إنسانية ضد الشعب والسلطات النيجرية” أُقرّت في أبوجا.
وكان قادة “سيدياو” قد حدّدوا الأحد للمجموعة العسكرية في النيجر مهلة أسبوع من أجل “العودة الكاملة إلى النظام الدستوري”، معلنين عدم استبعاد “اللجوء للقوة” في حال عدم التجاوب.
كما قررت المنظمة الإقليمية “تعليق جميع المبادلات التجارية والمالية” بين الدول الأعضاء والنيجر، وفرضت عقوبات مالية أخرى منها “تجميد أصول المسؤولين العسكريين الضالعين في محاولة الانقلاب”.
من جهتها، وفي بيان منفصل، أعلنت السلطات الغينية المنبثقة بدورها عن انقلاب “عدم موافقتها على العقوبات التي فرضتها سيدياو بما في ذلك التدخل العسكري”، ولفتت إلى أنها “قررت عدم تطبيق هذه العقوبات التي تعتبرها غير مشروعة وغير إنسانية”، وقد حضّت كوناكري المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على “إعادة النظر في موقفها”.
رُوسِيَا تَرُشُّ الْمِلْحَ على الْجُرْحِ الْفِرَنْسِيٍّ في أَفْرِيقْيَا
باتت دولة النيجر أحدث الدول في منطقة الساحل الأفريقي التي تشهد انقلابا عسكريا، وسط مخاوف من زيادة نفوذ روسيا في المنطقة التي تشهد وجودا لقوات فاغنر بقيادة، يفغيني بريغوجين، والذي ظهر بدوره في سان بطرسبرغ والتقى بقادة أفارقة خلال القمة الروسية الأفريقية بالمدينة.
تعتبر النيجر من آخر الدول الحلفاء لفرنسا في المنطقة، ولا تزال باريس تنشر 1500 جندي كانوا يتعاونون حتى الآن مع جيش هذه البلد، بيد أن الإطاحة ببازوم أعادت النظر في وضع الانتشار الفرنسي.وتواجه الدولة موجة عنف أصولي، في وقت توجهت جارتاها مالي وبوركينا فاسو، بقيادة عسكريين انقلابيين، نحو شركاء آخرين بينهم روسيا.
وبعدما كانت النيجر تشكل قاعدة لعبور القوات إلى مالي من حيث انسحبت قوة “برخان” الفرنسية بطلب من المجلس العسكري الحاكم في باماكو في العام 2022، أصبحت الدولة الأفريقية الوحيدة التي ما زالت تجمعها بفرنسا شراكة “قتالية” ضد الجماعات المتطرفة.
يرى الخبراء و المحللون الروس والفرنسيون والأفارقة، أنَّ الانقلابات العسكرية التي حصلت في بلدان الساحل (مالي، وبوركينافاسو، والنيجر) تخدم روسيا بشكل كبير،و تشكل لموسكو فرصة للرَدِّ على الموقف الفرنسي الداعم لأوكرانيا، حيث يتوقعون توسعاً لأنشطة الشركات العسكرية الخاصة الروسية في أفريقيا.
فقد أصبح لمنطقة الساحل الأفريقي تأثيرٌ كبيرٌ في الأمن العالمي، ولكنَّها تشهد تزايداً لنشاط الإرهابيين على خلفية الانهيار النهائي لمنظومة السلطة الاستعمارية الفرنسية،وتتحمل فرنسا المسؤولية عن ذلك بسبب اعتمادها على حلف الأطلسي في القضايا الأمنية، إذ لم تعد قواتها كافية لأداء مهامها في أفريقيا، وقد سلّمت مالي وبوركينا فاسو ، وجاء الآن دور النيجر المجاورة الثرية باليورانيوم، لكي تنسحب القوات الفرنسية منها.
وتواصل روسيا تعزيز نفوذه في أفريقيا، حيث استضافت مدينة سان بطرسبرغ الأيام الماضية قمة روسية أفريقية كانت موسكو قد دعت إليها الرئيس محمد بازوم، ولكن التطورات الأخيرة حالت دون مشاركته بالطبع.
وبحسب المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، فإنَّ 17 رئيس دولة أفريقية فقط حضروا القمة الروسية-الأفريقية في سان بطرسبورغ ، بانخفاضٍ حادٍ عن 43 رئيسًا شاركوا في القمة الأولى بين روسيا وأفريقيا في سوتشي في عام 2019.
وألقى بيسكوف باللوم على ما وصفه “التدخل الوقح وغير الخفي للغرب” على قرار بعض القادة الأفارقة عدم المشاركة في القمة، التي عقدت يومي الخميس والجمعة ،27و28 تموز/يوليو 2023.ووفقا للتقرير فإنَّ الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى قد يكون قد أثر بالفعل على خطط بعض القادة الأفارقة، لكنَّ الجغرافيا السياسية والملفات الاقتصادية كان له دور ملحوظ كذلك.ووصف بوتين القمة بأنَّها “حدث حاسم” لتعزيز العلاقات والشراكة لسنوات عديدة قادمة.
وكانت أول قمة أفريقية روسية قد عقدت في عام 2019، وتأتي قمة العام الحالي في إطار حملة منسقة للتأثير والتجارة في قارة لا تزال مجموعة فاغنر تنشط فيها على الرغم من تمردها الذي لم يستمر طويلا في روسيا الشهر الماضي، وفقا لوكالة “رويترز”.
وتقدم روسيا عبر المجموعة شبه العسكرية “فاغنر”خدمات للأنظمة التي تواجه صعوبات، مثلما الأمر في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا والسودان، حتى باتت المجموعة جزءًا مهمًا من نفوذ الكرملين في أفريقيا، الذي أرسل مجموعات عسكرية للقتال في بعض البلدان، وأرسل خبراء سياسيين للعمل في عدة بلدان أخرى، حسب “فايننشال تايمز”.
وتقوم المجموعة شبه العسكرية الروسية بحماية السلطة القائمة وتعرض تدريبات عسكرية أو حتى نصائح قانونية لإعادة صياغة الدستور، وفي المقابل تتقاضى المجموعة أجرها من الموارد المحلية لا سيما مناجم الذهب ومعادن أخرى، وفقا لوكالة “فرانس برس”.
وفي ضوء تراجع الحضور العسكري الاستراتيجي الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي ،باتت روسيا تقوم بملء الفراغ وتعزيز مواقعها في القارة السمراء، إذ أصبحت شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة موجودة في مالي، والآن قد يتسع نشاطها ليشمل بوركينا فاسو ثم النيجر، في نطاق ما يصفه الخبراء بـ”الشراكة بين الدولة الروسية والقطاع الخاص”.
لقد بات يتبلور توجه واضح نحو تنامي وجود الشركات العسكرية الخاصة الروسية في أفريقيا، تحديداً شركة فاغنر التي تحولت فعلياً إلى نوع من الشراكة غير المسجلة قانوناً بين الدولة والقطاع الخاص. وفي حال حضورها إلى بوركينا فاسوو النيجر ، لن تختلف مهام فاغنر فيها عن البلدان الأفريقية الأخرى، مثل تدريب الكوادر الأمنية وحراسة المنشآت والشخصيات الهامة”.
وتشكل شركة “فاغنر” الوجه البارز للوجود العسكري الروسي في أفريقيا،وهي تقوم بأعمال عسكرية مقابل جنيها عوائد اقتصادية ، في بلدان مثل مالي وأفريقيا الوسطىن والسودان، وليبيا، وبوركينا فاسو، والنيجر.قد لا تحصل شركة “فاغنر”العسكرية الخاصة على مقابل أتعابها نقداً دائماً، وإنما قد يكون في شكل أسهم في شركات محلية أو حصول شركات مرتبطة بها على حقوق الامتياز لاستثمار الثروات المعدنية للبلدان الأفريقية.وليس من المستبعد أن يتم ذلك بصورة غير رسمية في ظل هيمنة اقتصاد الظل على الدول الأفريقية”.
ومن مؤشرات اهتمام الشركات العسكرية الخاصة الروسية بوضع قدمها في بوركينا فاسو، نشر مدير “رابطة الضباط من أجل الأمن الدولي”، ألكسندر إيفانوف، خطاباً باللغة الفرنسية اقترح فيه على واغادوغو خدمات المدربين الروس، مستشهداً بتجربتهم في بناء الجيش في جمهورية أفريقيا الوسطى.
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة: ويرى خبراء مختصون في الشأن الأفريقي أنَّ الانقلاب العسكري الأخير في النيجر يُعَدُّ أكبر تحدٍ لمجموعة الساحل، التي تتكون من خمسة بلدان هي: مالي وبوركينافاسو، والنيجر وموريتانيا، وتشاد، إذ بات ينذر بتفككها بشكل نهائي، ووضع حدٍّ لإطار إقليمي كان قادة المجموعة يعلقون عليه آمالا كبيرة في التصدي للتنظيمات الإرهابية وتحقيق تنمية لبلدان المجموعة الفقيرة.ويُعَدُّانقلاب النيجر بمنزلة المسمار الذي يدق في نعش مجموعة الدول الخمس في الساحل.
بصورة عامة،أمام التراجع الاستراتيجي الفرنسي،تشهد القارة الإفريقية تنافسًا حادًا بين الولايات المتحدة والصين وروسيا بهدف تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية تساعد هذه القوى على صراعها على المستوى الدولي، خاصة فيما يتعلق بميزان القوى الدولي وطبيعة النظام الدولى القائم فى ظلل إصرار هذه الدول على الاستمرار في استراتيجيتها الخاصة بإفريقيا يرجح أن يستمر هذا التنافس وتتصاعد حدثه بشكل متنام خلال السنوات المقبلة، من ثم على الدول الأفريقية أن تسعى جاهدة للاستفادة من هذا التنافس وتوظيفه ليصب في مصلحتها تكون الفرصة الملائمة حتى تتمكن القارة من تحقيق مكاسب تساعد على تحقيق التنمية والتطور.

في ذكرى رحيله الـ ٥٣ .. قراءة في حيثيات “العروة الوثقى” بين عبد الناصر وجماهير الشعب العربي
بعض الناس يشبهون الوطن، إن غابوا عنا شعرنا بالغربة (نجيب مح... إقرأ المقال