بيروت – جريدة الأخبار اللبنانية
نقلت وثائق سرّية، اطّلعت عليها «الأخبار»، عن سفير المغرب لدى تايلاند، عبد الإله الحسني، قوله مطلع العام الجاري إن بلاده خطت خطوات متقدّمة في مجال تطوير علاقاتها مع إسرائيل على الصعيدَين الاستخباري والعسكري، وأنشأت قواعد عسكرية جديدة بالقرب من الحدود مع الجزائر في إطار هذا التعاون. وكشف الحسني أن الاستخبارات الإسرائيلية زوّدت المغرب بوسائل تقنية وعسكرية لرصد الطائرات المسيّرة ومواجهتها. وجاء الكشف عن تلك الوثائق في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الإسرائيلية – المغربية تطوّراً مباغتاً يخرج تماماً عن السياق العربي، حتى ذلك المُعتمد من قِبَل أشد المتحمّسين للتطبيع مع العدو، ولا يعبأ بكون الحكومة الإسرائيلية القائمة هي من التطرّف اليميني بحيث لم يحتملها أكثر من نصف الإسرائيليين أنفسهم، هذا إذا استثنينا الاعتداءات المتكرّرة والمتصاعدة على الشعب الفلسطيني من قِبل جيش الاحتلال والمستوطنين. فهل حاكم المغري مستعدّ تماماً للآثار العميقة لِما يقدم عليه، أم أنه لم يحسب هذه الآثار من كلّ جوانبها، ولا سيما في ما يتعلّق بالعلاقات المتوتّرة مع الجزائر؟
وتأتي التحركات المغربية التي تُوّجت بدعوة وجّهها الملك المغربي إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لزيارة المغرب، كـ«مكافأة» له على «اعترافه» بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في ظلّ تساؤل مراقبين عن «المكسب» الذي سيجنيه الملك من «اعتراف» دولة لا يعترف بها معظم العرب وكثُرٌ في العالم، ويعتبرونها غير شرعية؟ وكذلك عن مغزى إعطاء هذا العدو مكسباً مجانياً من جيب العرب؟ وكانت وكالة الأنباء المغربية (ماب) قد ذكرت، الأسبوع الماضي، أن الملك «بعث برسالة شخصية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، شكر فيها إسرائيل على موقفها»، مضيفة إن «زيارة نتنياهو ستفتح آفاقاً جديدة للعلاقات الثنائية بين المغرب وإسرائيل»، متابعةً أن «الزيارة ستكون أيضاً فرصة لتعزيز آفاق السلام لجميع شعوب المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار مضمون الإعلان الثلاثي الموقّع في 22 كانون الأول 2020 من قِبَل المملكة المغربية والولايات المتحدة الأميركية، ودولة إسرائيل، بما في ذلك المبادئ التي ينبغي أن توجّه تسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني». وأفاد مكتب نتنياهو، بدوره، بأن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، ووزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، اتفقا على تحديد موعد «في المستقبل القريب» لما ستكون أول زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى المملكة.
وتأتي الحماسة المغربية لزيارة نتنياهو لتتفوّق على الحماسة الإماراتية والبحرينية التي كان يُعتقد أنه لا يمكن تجاوزها، وخاصة أن أبو ظبي والمنامة، على رغم ذهابهما بعيداً في التطبيع مع العدو، إلا أنهما لم تستطيعا ابتلاع استقبال نتنياهو حتى الآن، فأُلغيت مواعيد كانت قد حُدّدت لزيارته البلدين، بسبب تطرّف حكومته، والذي يصعّب عليهما مهمّة تسويق مثل هذه الزيارات. وكانت إسرائيل قد أعلنت، الأسبوع الماضي، أنها أبلغت الرباط التي وقّعت معها معاهدة سلام عام 2020 في إطار «اتفاقات أبراهام»، بقرارها «الاعتراف» بسيادة المغرب على الصحراء الغربية التي تخوض جبهة «بوليساريو» صراعاً لنيل استقلالها منذ العام 1975، تاريخ انسحاب إسبانيا منها. وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، كان «الاعتراف» الإسرائيلي بسيادة المغرب على الصحراء شرطاً لرفع مستوى التمثيل المغربي لدى العدو إلى سفير، وكذلك للموافقة على تنظيم الاجتماع الوزاري الثاني لـ«منتدى النقب» (يضمّ الإمارات والبحرين والمغرب ومصر والولايات المتحدة وإسرائيل) في المغرب، والذي كان قد أُرجئ بالفعل أكثر من مرّة، وأُعلن في آخر إرجاء له أن سببه «الأوضاع الأمنية المتوتّرة» في الضفة الغربية.
وكان توقيع المعاهدة المغربية – الإسرائيلية نفسه، مقابلاً لاعتراف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بالسيادة المغربية على الصحراء، وإعلانه، في ذلك الحين، أن «المغرب اعترف بالولايات المتحدة الأميركية عام 1777. لذا فمن المناسب أن نعترف بسيادتها على الصحراء». ومثّل هذا الموقف تحوّلاً في السياسة الأميركية، أثار غضباً لدى الجزائر وجبهة «البوليساريو». واستتباعاً، من المرجّح أن يؤدي الدخول الإسرائيلي على الخطّ إلى المزيد من العدائية الجزائرية تجاه إسرائيل، حيث تُعدّ الجزائر بالفعل واحدة من أشدّ الدول العربية عداءً للكيان. لكن الأثر الأساسي للقرار الإسرائيلي سيكون على العلاقات المغربية – الجزائرية المتوتّرة اصلاً.