مسرحية الإنتخابات الرئاسية.. رئيس حزب الوفد وآخرون يترشحون لإضفاء بعض الحيوية والمصداقية على فوز السيسي المحتوم
أعلن حزب الوفد المصري (ليبرالي) ترشيح رئيسه، عبد السند يمامة، رسميا لانتخابات رئاسة الجمهورية المصرية المقبلة، المقررة خلال شهور.
وذكر موقع “بوابة الوفد” التابع للحزب، أن الهيئة العليا لحزب الوفد اختارت يمامة لخوض الانتخابات، بنسبة تجاوزت 90%.
ووفق المصدر ذاته، فقد كلف يمامة السكرتير العام للحزب ياسر الهضيبي، ليكون متحدثا رسميا وإعلاميا للحملة الانتخابية.
وكان يمامة أعلن، يوم الثلاثاء الماضي، عن حصوله على موافقة 53 عضوًا من أعضاء الهيئة العليا لحزب الوفد من إجمالي 60 عضوًا؛ لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال خلال لقاء تليفزيوني مع الإعلامي نشأت الديهي (مقرب من السلطات)، إنه يؤيد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، ويطالب بتعديل الدستور لوضع اسم الأخير بجانب رموز مصر التاريخيين محمد علي وسعد زغلول.
وأضاف أن الاختلاف مع السيسي، ليس في الأمن ولا السياسة الخارجية، بل في التوجه الاقتصادي “وهذا هو مدخلنا وشعارنا في الانتخابات، فنحن لدينا مآخذ على السياسة الحالية”.
وقد اعاد إعلان يمامة الترشح للرئاسة الى الاذهان، ما فعله رئيس حزب الغد موسى مصطفى، والذي ترشح أمام السيسي في انتخابات في مارس/آذار 2018، لكنه جهر بتأييده قبل وخلال الجولة الانتخابية، ما أثار موجة سخرية واسعة، نظرا لتعارض ما حدث مع البدهيات الديمقراطية، وبعدم منطقية تأييد مرشح في الانتخابات لمنافسه علنا.
ودفع ذلك مصريين للإشارة إلى أن موسى مصطفى كان مجرد أداة لتلميع المشهد الانتخابي، وإظهار أن هناك منافسا أمام السيسي.
وحينها أعيد انتخاب السيسي، بأكثر من 97% من الأصوات، في الانتخابات التي قضت فيها السلطات تباعاً على منافسين رئيسيين أعلنوا عن نيتهم الترشح للرئاسة باعتقال اثنين منهم، ووضع أحدهم تحت الإقامة الجبرية، ودفع اثنين آخرين للانسحاب بسبب مخاوف على سلامة أنصارهم وتلاعب الحكومة، وفق مراقبين.
وينتظر المصريون مشهدا مختلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة تظهر فيه ملامح للحيوية السياسية من خلال فتح المجال لمرشحين متنافسين من مشارب متباينة، ويتمكن فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي من إعادة انتخابه بصورة تنتفي فيها الكثير من المعالم المصطنعة سابقا، وتجعل الناخبين يرونه لا يزال المرشح الضرورة.
وتترقب جهات داخلية وخارجية عديدة الطريقة التي سوف تتم بها عملية هندسة الانتخابات والتقاطع والتنافر مع الأساليب التي اتبعت من قبل وترك بعضها انطباعات سلبية حول آليات جرى ابتكارها وأعيد اكتشاف مصطلح الكومبارس في القاموس المصري، وتم منحه صك براءة جديدا يتجاوز ما حققه فنيا.
فقد انتقل معنى الكومبارس من السينما إلى السياسة منذ زمن بعيد دون تقنين واضح للمسألة، فثمة انتخابات في دول عديدة تشهد منافسة محتدمة بين مرشحين أو أكثر وتجد من يترشحون لتفتيت الأصوات أو إثارة البلبلة لصالح مرشح معين.
وبدأ يتسرب مفهوم الكومبارس السياسي من انتخابات البرلمان إلى الرئاسة في مصر، وفاق دوره نظيره في السينما، حيث أصبح صاحبه مشهورا عندما بات قريبا من الرئيس الحقيقي، أو ظلا سلبيا يتلقى الصفعات بعد أن رضي بدور “المحلل”.
وقد عرفت مصر المرشح الرئاسي الكومبارس في انتخابات عديدة في العقدين الماضيين، وكان يتم إخراجها سياسيا بطريقة جيدة وبشكل ينطوي على قدر من التوازن، فقد كان معروفا أن المرشح المنافس لن يتمكن من التفوق على الرئيس، لكن وجوده يمنح زخما للانتخابات ويقدمها بطريقة لائقة سياسيا.
حدث ذلك في الانتخابات التي خاضها الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2005 وكان المرشح المُحلل أو الكومبارس في حينه رئيس حزب الوفد الليبرالي الراحل نعمان جمعة، ورئيس حزب الغد الأسبق أيمن نور، ولم يشك أحد في فوز مبارك آنذاك.
وقد شهدت انتخابات عام 2012 حراكا أكبر وخاضها 13 مرشحا، تداخل فيها المرشحون الحقيقيون والكومبارس، وانحصرت المنافسة في الجولة الثانية بين مرشح الإخوان محمد مرسي ومرشح النظام المصري السابق أحمد شفيق، وفاز فيها الأول بفارق طفيف، وبعيدا عن الملابسات التي أحاطت بإعلان فوز مرشح الإخوان، فهي تعد أول انتخابات رئاسية تعددية شهدتها مصر.
خاض الرئيس السيسي انتخابات 2014 المنافسة أمام زعيم تيار الكرامة الناصري حمدين صباحي وفاز باكتساح، وهو في ذروة قوته في الشارع المصري، وكان صباحي أكبر من كومبارس وأقل من أداء دور البطولة أو خوض منافسة كاملة.
في الحالتين منح الرجل الانتخابات طعما سياسيا وأضفى عليها حيوية وفرت لها إقبالا جيدا، وخاضها السيسي كمرشح قوي، ولم يكن بحاجة في الانتخابات التالية عام 2018 سوى إلى مرشح كومبارس يكمل الشكل العام كي لا تتحول إلى استفتاء، إذ عجزت السلطة عن العثور على مرشح جيد يقبل دور المحلل.
تظل هذه الانتخابات في أذهان شريحة كبيرة من المصريين أسوأ انتخابات جرت في العقدين الماضيين، لأن المرشح المنافس للسيسي، وهو رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، كان متواضعا بصورة أساءت لمنصب الرئيس، فوقتها لو ترشح أي شخص أمام السيسي لما استطاع هزيمته، فقد كان لا يزال يحظى بشعبية كبيرة.
خلفت هذه الدورة مرارات سياسية عند النظام الحاكم ومعارضيه، فالأول دخل منافسة لا تتوافر لها عوامل التوازن شكلا أو مضمونا، ورأت فيها الثانية فرصة للنيل من سلطة لم تتمكن من إجراء انتخابات يتوافر لها الحد الأدنى من المصداقية، واعتبرت ترشح منافس ضعيف كافيا لتأكيد عزوفها عن التعاطي مع هذه الانتخابات من خلال تقديم مرشح له وزن أو التخلي عن العزوف في المشاركة بالاقتراع.
تريد السلطة المصرية تحاشي سيناريو موسى مصطفى موسى في الانتخابات المقبلة، وتنوي إجراء انتخابات تتوافر لها عوامل الجدية والنزاهة، وتدرك أن الأنظار سوف تكون موجهة إليها، سواء أجربت قبل نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل. لتحقيق الجدية والنزاهة عليها توفير ضمانات تقنع شخصيات معارضة بالمشاركة، وأن تتجاوب مع مخرجات الحوار الوطني الحالي، والذي يضم عناصر من المؤيدين والمعارضين، وأبرزها أن تكون الأجواء السياسية مناسبة لإجراء انتخابات حقيقية.
الحاصل أن السلطة تسعى لتنفيذ ذلك عبر وضع معايير ومقاييس تمكنها من اختيار المرشحين المنافسين، فالمشكلة لن تكون في العدد، فلا يهم أن يترشح العشرات من الجادين والكومبارس، فالمهم أن تتحكم في مفاتيح الحل والعقد، فليس هناك رغبة عارمة ليفوز الرئيس السيسي باكتساح، كما حدث في المرتين السابقتين، لكن من الضروري أن تكون هناك ثقة في عملية انتخابية لن تحدث إلا بتجاوب قوى المعارضة معها، والتي تصر على الضمانات والنزاهة والشفافية إلى أقصى درجة ممكنة.
تتجاذب المعارضةَ رؤيتان الآن، إحداهما ممارسة أقسى درجات الضغط على السلطة لإجبارها على الاستجابة لمطالبها واختبار جديتها في الحوار الوطني، والأخرى مقاطعة الانتخابات وعدم ترشيح شخصية قوية وترك السلطة تواجه شبح موسى مصطفى موسى وتبحث عن بديل يقبل دخول منافسة بصيغة تحددها السلطة.
تشير الطريقة التي أعلن بها رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة ترشحه إلى إعادة إنتاج نموذج الكومبارس، لكن طريقة التحدي التي يتبعها رئيس حزب الكرامة السابق أحمد الطنطاوي عندما أعلن ترشحه تشي بوجود رغبة لدى دوائر السلطة لتغيير هذا المنهج، حيث تركت له مساحة للحركة كفيلة بأن تضعف مركزه في المنافسة وقد يشنق نفسه سياسيا باستخدامه مفردات من نوعية قبوله المصالحة مع الإخوان.
تدرس شخصيات عديدة فكرة الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة، وبانتظار ما يمكن أن تسمح به السلطة من أجواء مواتية، ومن المتوقع أن توفرها لتجنب شبح الكومبارس السياسي، وربما تعتمد الأخذ بضمانات لإعادة الثقة وفتح الباب لزيادة عدد المرشحين.
تؤدي الزيادة وفتح الفضاء العام إلى سخونة الانتخابات والأخذ والرد والجدل ورفع منسوب النقاش في قضايا سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية، فيظهر مستوى كل مرشح ومدى إلمامه بمشاكل مصر المعقدة، ووقتها لن يقتنع المواطنون بما يرونه ويستمعون إليه من تجاذبات قد تأخذ شكلا صاخبا يثير شكوك في نفوسهم حيال غالبية المرشحين، ما يجعلهم يجدون في الرئيس السيسي ملاذا آمنا لهم بدلا من هؤلاء.
وهكذا يدخل السيسي الانتخابات الرئاسية بحلة مختلفة لم تشهدها من قبل، وسوف يجد نفسه في منافسة عبارة عن خليط من الكومبارس والكومبارس المساعد والبطولة الثانية، ما يمكنه من الفوز بأريحية وعملية سياسية تأخذ بكثير من أبجديات الديمقراطية، يمكنها أن تفرض الصمت على خصومه في الداخل وتوقف نزيف الضغوط الخارجية حول الأوضاع التي تراها قوى غربية تحتاج إلى إصلاحات هيكلية.