قُيض لي زيارة السودان اكثر من ثماني مرات ، معظم زياراتي كانت في مهمات رسمية وحضور مؤتمرات وندوات علمية ، وخلال هذه الزيارات كنت اتساءل بمراره عن تأخر هذا البلد ، بالرغم من توافر كافة عناصر الانتاج ، فالقوى البشرية متوفره ويمكن الاستعانه بدول الجوار وقت الحاجة ، والمواد الخام بانواعها متوفرة ، وقبل هذا وذاك المياه الوفيرة ، فالنبل يجري في معظم اراضيها طوال العام ، ومع كل هذه العناصر الاساسية للتنمية تعيش السودان الفقر والمرض والجوع والنزوح ، ومع كل هذا التخلف والحاجة الى سلام واستقرار من اجل مواكبة الاخرين نحو التقدم بخطى حثية ، تندلع فيها الفتن والحروب الاهلية العبثية.. العسكر والساسة في السودان هم اساس البلاء وخراب السودان تاريخيا وحاليا ، واغلبية الشعب شبه مغيبة تماما عن المشهد السياسي العام ، الحكام العسكر هم من قسموا السودان الى سودانيين ! والعسكر حاليا يسعون الى تقسيم السودان الى سوادن !
هذه الحرب الدائرة في السودان من قام بأيقاد شعلتها ؟ من المسؤول عن هدم اركان الدولة ؟ من المسؤول عن تهجير الالاف الى خارج السودان ؟ من المسؤول عن تدمير البنية التحتية المهترئة اصلا حاليا ؟ من هو المسؤول عن قتل الابرياء وتدمير معالم الحياة الاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية حاليا ؟ انهم العسكر وان اختلفت مسمياتهم الفنية ؟ من هو العدو الذي يقاتله الجيش ؟ ومن هو العدو الاخر ؟ ومن هو المستفبد من هذا الاقتتال العبثي ؟ الدولة السودانية هي التي تدفع الثمن لان القاتل والمقتول هم من السودان – وان الخاسر هو الوطن السوداني الذي يدمر بجهل ابنائه ؟ انه جهل الصراع على السلطة والثروة ، انه خدمة المصالح الخارجية على حساب المصلحة الوطنية للامة السودانية ، انه العدو الوهمي والصلف الفردي في التمترس والتخندق حول الاهداف الضيقة والتضحية بالوطن مقابل مصالح انانية فردية ضيقة ، انها الحرب العبثية التي تدمر الحياة الانسانية ، وتدمر العمران والبنيان معا ، انها الوبال بل الكارثة الانسانية على الامة وديارها.
اننا ندعو من خلال الكلمة الصادقة وهي اضعف الايمان الى ايقاف هذه الحرب التي تشن على الوطن والمواطن السوداني ، انها الحرب التي تدمر الاخضر واليابس ، وقبل هذا وذاك تحول الشعب السوداني الشقيق الى لاجئ لدى دول الجوار بدون مأوى او غذاء او كساء، ومتسول لدى المنظمات الدولية طلبا للغذاء والدواء والمأوى.. فارا بروحه من ويلات الحرب وازيز الرصاص الذي يأتيه من كل صوب واتجاه
ان المطلوب من كافة ابناء الامة العربية والاسلامية والدول المحبة للسلام رفع الصوت عاليا لايقاف هذه الحرب العبثية، والطلب من كافة الاطراف المتصارعة الى ضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات والعمل على بناء توافقات ولو ضمن الحد الادنى من اجل اعادة الثقة الى المواطن السوداني الهائم على وجهه الان لدى دول الجوار، والعمل على تعزيز المصالحة الوطنية ويناء المجتمع وتعزيز الاستقرار والهدوء للوطن السوداني وحل كافة القضايا العالقة بالحوار والكلمة الجريئة الصادقة، والابتعاد عن لغة العنف والاقتتال، وبناء موسسات الدولة على اسس ديمقراطية وتوزيع السلطة، وبناء قاعدة دولة العدالة الاجتماعية ودولة القانون.. فالشعب السوداني تواق للسلام والهدوء، والامكانيات المادية كثيرة ومتوفرة اذا ما احسنت ادارتها واستثمارها بالوجه الصحيحة، والاستفادة منها لاحداث تنمية شاملة لبناء السودان الحديث الخالي من الحروب والفتن ما ظهر منها وما بطن.
الامل معقود على الجهود المحلية والعربية والافريقية والدولية لانهاء هذه الحرب وايقاف مسلسل نزيف الدماء ، فالخاسر الاوحد من جراء استمرار الحرب هو الوطن والمواطن السوداني معا .نامل ان يسود عنصر الحكمة والرشد والعقلانية لدى اطراف النزاع وان يتقدم على لغة العنف والرصاص.. فالحرب وبال وكارثة على الانسان العمران والاوطان معا .