الجزائر – أعادت الجزائر، بموجب مرسوم رئاسي نشر في الجريدة الرسمية، مقاطع للنشيد الوطني تتوعد فرنسا بالمحاسبة، وهي المقاطع التي كانت قد حذفت في عهد الرئيس الجزائري الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في العام 2007 لاعتبارات سياسية، منها تجنب أي حرج مع باريس في تلك الفترة التي كانت تعاني فيها السلطة من ضغوط اقتصادية.
وتأتي هذه الخطوة الوطنية، التي اصلحت بعض ما افسده عهد بوتفليقة، استكمالاً لجهود الرئيس تبون في إعادة الوهج الثوري والدور القومي العربي لجزائر المليون ونصف المليون شهيد
وتعتبر هذه أوضح إشارة على عودة العلاقات إلى مربع التوتر، بينما لم تكن قد غادرت أصلا حالة الذبذب رغم حرص الجانبين في الأشهر الماضية على إظهار العكس والإيحاء باتفاق الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ونظيره الفرنسي امانويل ماكرون على طي صفحة الخلاف الذي تفجر على خلفية تهريب الناشطة والصحافية الجزائرية المعارضة اميرة بوراوي من تونس إلى فرنسا.
وأعاد المرسوم الرئاسي، الذي وقعه تبون يوم السبت الماضي، المقاطع المحذوف والتي تقول:
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
وطويناه كما يطوى الكتاب
فاستعدي وخذي منا الجواب
إن في ثورتنا فصل الخطاب
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
ويعني إعادة المقاطع المحذوفة إلزامية أداء النشيد الوطني بصيغته الكاملة في المناسبات الرسمية التي يحضرها عادة رئيس الجمهورية، وبما تضمنه من إشارات توعد لفرنسا الاستعمارية بالمحاسبة.
والتوتر حالة كامنة في العلاقات الفرنسية الجزائرية، يتجدد في كل مرة مع استحضار ملف خلافي أو تصريح من هذا الجانب أو ذاك أو من خلال حملة في إعلام البلدين، بينما يرخي التاريخ الاستعمار بظلاله على مسار تلك العلاقات.
وكان من المقرر أن يزور تبون فرنسا في مايو/ ايار الماضي بعد محادثات هاتفية مع ماكرون وتصريحات من الطرفين تشير إلى تدشين مرحلة جديدة في العلاقات وتسوية الخلافات.
لكن سرعان ما برزت علامات تشير إلى توتر جديد أو إلى عودة التوترات للمربع الأول بعد أن قرر الرئيس الجزائري تأجيل زيارته إلى باريس إلى أجل غير معلوم في قرار عزته وسائل الإعلام المحلية المقربة من النظام إلى الاحتجاجات التي شهدتها فرنسا في الفترة الماضية على خلفية الاعتراضات على إصلاحات نظام التقاعد.
ولم تكن تلك المبررات مقنعة لا في ما يتعلق بالتوقيت ولا بالأحداث في فرنسا، فماكرون كان رغم الاضطرابات يلتقي وفودا ويمارس مهامه بلا أي منغصات.
لكن الصحف المحلية المقربة من السلطة سربت الفترة الأخيرة ادعاءات بأن ثلاث مخابرات دول أجنبية تتآمر على الجزائر، مشيرة إلى المخابرات الفرنسية والمغربية والإسرائيلية وهي رواية حاولت تسويقها في إطار ما أسمته تهديد الأمن القومي.
وعادة ما يسوق النظام لمثل هذه الرواية في كل مرة يبحث فيها عن مداراة الأسباب الحقيقة والواقعية للتوتر سواء مع المملكة المغربية أو مع فرنسا.
وفي أغسطس/ آب 2022، زار الرئيس الفرنسي ماكرون الجزائر من أجل “فتح صفحة جديدة” في العلاقات بين البلدين.
وتوّجت زيارة ماكرون بإعلان مشترك حول جملة تفاهمات تخص ملف الذاكرة وماضي الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والتعاون في مجال الأمن والدفاع والسياسية الخارجية والاقتصاد.
وتشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية مستويات متذبذبة بين التوتر والتهدئة بسبب طبيعة العلاقات المتشابكة خاصة في ما تعلق بملفات الذاكرة والأرشيف الجزائري والتجارب النووية.
ويفرض الوضع الدولي المتقلب وتغيّر التحالفات وتشابك المصالح على البلدين، إعادة ترتيب علاقاتهما بعد تجاوز ارتدادات الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا وإعادة انتخاب ماكرون، لكن حتى مع ذلك ظلت العلاقات عالقة في توتر لا يهدأ.
وتفجرت الأزمة بين البلدين في سبتمبر/أيلول 2021، إثر تقليص باريس حصة تأشيرات السفر الممنوحة للجزائريين، بذريعة عدم تعاون الجزائر في إعادة مهاجريها غير النظاميين.
وفي خطوة تصعيدية ثانية شكك ماكرون في أكتوبر/تشرين الأول 2021، في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، كما اتهم النظام الجزائري باستغلال ملف الذاكرة لأغراض سياسية.
وقد ردت الجزائر باستدعاء سفيرها لدى باريس محمد عنتر داود للتشاور كما توالت قرارات إنهاء التعامل باللغة الفرنسية في عدة قطاعات حكومية.
وبمناسبة ذكرى الاستقلال نشر الرئيس الجزائري مقالا في مجلة “الجيش” (رسمية)، جدد فيه تمسك بلاده بمواقفها إزاء مسؤولية فرنسا عن جرائم الحقبة الاستعمارية.
وكتب أن هذه المسألة التي هي “من صميم انشغالات الدولة، تبقى أبعد ما تكون عن العمل المرتجل أو التي تمليها ظروف معينة”، معتبرا أنها “واجب وطني مقدس”.
وبلغ التوتر مداه حين منعت الجزائر في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، الطائرات العسكرية الفرنسية من عبور أجوائها نحو مالي وتقليص شحنات القمح المستوردة منها.
ويتفاوض البلدان منذ سنوات بشأن 4 ملفات تاريخية عالقة، أولها الأرشيف الجزائري الذي ترفض السلطات الفرنسية تسليمه، بينما يتعلق الملف الثاني باسترجاع جماجم قادة الثورات الشعبية (موجودة بمتحف الإنسان بالعاصمة باريس).
ويتعلق الملف الثالث بتعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، والرابع يخص استجلاء مصير المفقودين خلال ثورة التحرير (1954-1962) وعددهم ألفان و200 مفقود، حسب السلطات الجزائرية.
ولم تتجاوب فرنسا مع أي من المطالب الجزائرية، ما عدا تسليم أول دفعة من جماجم ورفات رموز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار عام 2020 وتردد أن الجماجم المسترجعة ليست لثوار جزائريين وأن الفرنسيين خدعوا تبون مرة أخرى.
نص النشيد الوطني الجزائري
قسما بالنازلات الماحقات
و الدماء الزاكيات الطاهرات
و البنود اللامعات الخافقات
في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات
و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…
نحن جند في سبيل الحق ثرنا
و إلى استقلالنا بالحرب قمنا
لم يكن يصغى لنا لما نطقنا
فاتخذنا رنة البارود وزنا
و عزفنا نغمة الرشاش لحنا
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
و طويناه كما يطوى الكتاب
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب
فاستعدي وخذي منا الجواب
ان في ثورتنا فصل الخطاب
و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…
نحن من أبطالنا ندفع جندا
و على أشلائنا نصنع مجدا
و على أرواحنا نصعد خلدا
وعلى هاماتنا نرفع بندا
جبهة التحرير أعطيناك عهدا
و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…
صرخة الأوطان من ساح الفدا
فاسمعوها واستجيبوا للندا
و اكتبوها بدماء الشهدا
وأقرأوها لبني الجيل غدا
قد مددنا لك يا مجد يدا
و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا..