قبل ثلاث سنوات شهدت الجزائر حراكًا شعبيًا كبيرًا، وكانت مطالبه تتمثل في المطالب المتعلقة بالديمقراطية والتغيير الجذري للنظام السياسي القائم، وتكريس استقلالية القضاء، وتحرير الإعلام والصحافة من قبضة المؤسسة الرسمية، ومحاربة الفساد، ومحاسبة رموز السلطة والعدالة الاجتماعية.
وها هو الرئيس عبد المجيد تبون الذي تسلم رئاسة الجزائر منذ ثلاث سنوات، يشهد عهده محاكمات حقيقية لرموز الفساد الموروث من حكم نظام الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، إِذْ شمل وزراء و مسؤولين كبار في شركات، وتعدُّ هذه المحاكمات الأولى من نوعها في العالم العربي،حيث أصبح الفساد آفة فتاكة تنخر كل المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج.
السجن 8 سنوات لشقيق بوتفليقة في قضية فساد
ففي شهر أكتوبر من عام 2022 أيدت محكمة استئناف جزائرية، قرارًا سابقَا بسجن السعيد بوتفليقة، شقيق رئيس البلاد الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، 8 سنوات في قضية فساد تخص تمويلا خفيا لحملة انتخابات الرئاسة الملغاة عام 2019.
وأوضحت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أنَّه “تمَّ تأييد الحكم الابتدائي (4 سنوات حبسًا نافذًا) بحق رجل الأعمال المقرب من الرئاسة سابقا علي حداد الذي يحاكم معه في نفس القضية “.فقد حُوكم بوتفليقة وحداد بتهم “تبييض الأموال واستغلال النفوذ وعدم التصريح بالممتلكات والتمويل الخفي للحملة الانتخابية”.
وتخص القضية حسب تصريحات سابقة للنيابة، تحويل أموال نحو الخارج عام 2019، لفتح فضائية تسمى “الاستمرارية” لدعم ترشح عبد العزيز بوتفليقة لانتخابات كانت مقررة في نيسان/ أبريل 2019 وألغيت بسبب انتفاضة شعبية.
والسعيد (66 عاما) هو الشقيق الأصغر لعبد العزيز بوتفليقة، والتحق بمؤسسة الرئاسة عام 1999، وظهر كرجل نافذ وقوي عقب تدهور الوضع الصحي لبوتفليقة في 2013.
السجن 6 سنوات لوزيرة الثقافة في عهد بوتفليقة بتهم فساد
وفي شهر تموز من عام 2022،أدانت محكمة جزائرية، وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، بالسجن النافذ لمدة 6 سنوات على خلفية تهم فساد.وتومي هي أطول وزيرة بقاءً في منصبها خلال حقبة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، بعد أن تقلدت حقيبة الثقافة بين عامي 2002 و2014.
وجرى سجن خليدة تومي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، لتكون بذلك أول مسؤولة رفيعة بمستوى وزير، في عهد الرئيس بوتفليقة، تدخل السجن.وقبل تقلدها منصب وزيرة الثقافة، كانت تومي قيادية وبرلمانية سابقة في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني، كما عرفت بنضالها في صفوف جمعيات نسوية تتبنى الدفاع عن الثقافة الغربية وتفتح المجتمع.
وأدانت المحكمة ذاتها مسؤول المهرجانات السابق بالوزارة، عبد الحميد بليدية، بالسجن النافذ 4 سنوات وغرامة مالية بـ 200 ألف دينار (1430 دولارا،فيما حكم على المدير الأسبق للثقافة بولاية تلمسان (غرب)، عبد الحكيم ميلود، بعامين حبسا نافذا و100 ألف دينار غرامة مالية (715 دولارا)، وفق ذات المصدر.
وعن التهم التي أدينت بها تومي والمسؤولان، أوضحت الوكالة أنها تتعلق بـ”إساءة استغلال الوظيفة، ومنح امتيازات غير مستحقة واختلاس أموال عمومية، سيما أثناء التظاهرات الثقافية المنظمة في الفترة التي كانت فيها خليدة تومي على رأس القطاع” .ومن هذه الفعاليات، حسب المصدر، “الجزائر عاصمة الثقافة العربية” (2007) و”المهرجان الأفريقي” (2009) و”تلسمان عاصمة الثقافة الإسلامية (2011)”.
وعقب حراك شعبي أطاح ببوتفليقة في 2 نيسان/ أبريل 2019، جرى سجن رئيسي وزراء من حقبته، هما أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، إضافة إلى وزراء وولاة (محافظين) ورجال أعمال، إثر تحقيقات في قضايا فساد.
السجن 7 سنوات ومصادرة ممتلكات وزير المالية السابق بالجزائر
في نهاية العام 2022 أصدر قاضي القطب المختص في قضايا الفساد بمحكمة الجزائر ، حكما بالسجن سبع سنوات بحق وزير المالية الأسبق محمد لوكال ، الذي اتهم بالفساد عندما كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لبنك الجزائر الخارجي.وتم توجيه تهم “إساءة استغلال الوظيفة وتبديد أموال عمومية ومنح امتيازات غير مستحقة” في صفقة عقدها بنك الجزائر الخارجي المملوك للدولة مع مكتب دراسات أجنبي.كما أمر القضاء بمصادرة الأموال والعقارات المضبوطة في هذه القضية.
وشغل لوكال منصب وزير المالية بين 2019 و2020 وكان قبلها محافظا لبنك الجزائر لثلاث سنوات ولنحو 10 سنوات مديرا عاما لبنك الجزائر الخارجي.وعقب استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في 2 نيسان/ أبريل 2019، باشر القضاء الجزائري محاكمة رؤساء وزراء ووزراء ورجال أعمال ومسؤولين رفيعين من حقبة بوتفليقة بتهم فساد.
الجزائر تستعيد 20 مليار دولار من الأموال المنهوبة
عرض وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي، تفاصيل أموال وأملاك وعقارات محجوزة محليا في قضايا فساد بقيمة 20 مليار دولار، من حقبة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.وأوضح طبي أنَّ رقم 20 مليار دولار من الأموال والأملاك المنهوبة المسترجعة، التي أعلن عنها قبل أيام رئيس الجمهورية (عبد المجيد تبون)، رقم أولي مرشح للارتفاع، بعد صدور أحكام قضائية جديدة قريبا.
وأشار وزير العدل الجزائري إلى أنَّ العدالة استرجعت 4213 ملكية عقارية، و211 فيلا وما يزيد عن 1000 شقة و281 بناية و14 مجمعا سكنيا.وزاد: “تم استرجاع 236 عتادا زراعيا وأراضٍ فلاحية، و7 آلاف سيارة و4203 مركبات، ما بين شاحنات وحافلات”.
كما مكنت الأحكام القضائية -حسب الوزير- من استرجاع 23 ألف عقار وطائرات خاصة (لم يكشف عن عددها)، إضافة إلى 213 منشأة صناعية، منها مصانع للسيارات والزيوت الغذائية والسكر والأدوية.وقبل أيام، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقابلة مع وسائل إعلام محلية، بثها التلفزيون الرسمي، إن القضاء استرجع ما قيمته 20 مليار دولار من الأموال المنهوبة في عهد سلفه.
وفي آخر تصريح له يوم الخميس 19يناير /كانون الثاني 2023 أثار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ، جدلا بعد حديثه عن عائلة واحدة قال إنها نهبت أكثر من 36 مليار دولار، ليطرح نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي قضية الأموال التي تم نهبها في عصر الرئيس الراحل عبد العزيزبونفليقة ،فيما شكك آخرون في ذلك.
وقال تبون: “لقد اكتشف الشعب الجزائري مؤخرا أرقاما مهولة من الأموال التي نهبت، لدرجة أن عائلة واحدة فقط نهبت 500 ألف مليار سنتيم (36 مليار دولار)، تصوروا أنتم الباقي”، مضيفا أنه “لو كان هذا المال ما زال موجودا، فإن الجزائر كانت لتصبح قوة اقتصادية قارية ومتوسطية وغيرها”
وجاءت تصريحات تبون ، بعد شهر من إعلانه استرجاع الدولة ما يساوي نحو 20 مليار دولار تم نهبها في الداخل، معتبرا أن “الأموال المخزنة سيكون بشأنها حل آخر”، مؤكدا مواصلة محاربة الفساد.
واعتبر البعض أن إعلان تبون كان بمثابة “ضربة للفاسدين”. بينما رأى البعض أن “هذا يعني أن حجم الأموال المنهوبة يفوق الخيال، وأنها كانت تكفي لنهضة الأمة كلها لأجيال قادمة”، فيما شكك آخرون في مدى صدق الرئيس، وأن الرقم من قبيل المبالغات.
والشهر الماضي، أعلن الرئيس الجزائري تبون أن هناك “أموالا ضخمة تم تهريبها (إلى الخارج) خلال فترة امتدت من 10 إلى 12 سنة”، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، قائلا إن “أغلب الدول الأوروبية قدمت يد العون للجزائر بخصوص هذا الموضوع وأبدت استعدادها للتعاون معنا من أجل استرجاع هذه الأموال وإعادتها إلى خزينة الدولة الجزائرية, شريطة احترام الإجراءات القانونية”.
وتابع بأن “العملية متواصلة وهناك ممتلكات ظاهرة في شكل فنادق 5 نجوم وغيرها، حتى إنه تم تبليغنا رسميا من أجل تسليمها إلى الجزائر بالأخص من طرف الدول التي كانت مقصدا للتهريب ومنبعا لتضخيم الفواتير”، لافتا إلى أن هناك بعض الأموال “وضعت في خزائن خاصة في سويسرا ولكسمبورغ والجزر العذراء”، مجددا التأكيد على التزامه باسترجاع هذه الأموال رغم صعوبة هذه العملية.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
يذكرنا شهر يناير/كانون الثاني من كل عام بالإحتجاجات التي أطلقها “الربيع العربي “في بدايات عام 2011 ، في كل من تونس ومصر وعدة بلدان عربية أخرى، حيث أنَّ الجماهير المنتفضة كانت تنادي بمحاربة الفقر والفساد والاستبداد.وفيما تؤكد القراءات المتأنية لتاريخ التغيير على فشل الثورات في العالم العربي، بسبب تمسك الدولة العميقة بالدفاع عن مصالحها إلى آخر رمق في العديد من البلدان العربية،ولجوء النخب الحاكمة التي وصلت إلى السلطة بعد 2011 إلى التحالف مع الدولة العميقة، فإنَّ الإصلاح الذي يقوده الرئيس الجزائري يُعَدُّ أَكْبَرَ مِنْ ثَوْرَةٍ، خاصة في مجال تركيزه على محاربة الفساد، و استرجاع الأموال المنهوبة، ومحاكمة كبار المسؤولين في النظام السابق المتورطين في قضايا الفساد و النهب للمال العام.
وهذا ما عجزت عن تحقيقه ثورات تونس ومصر ونخبها السياسية الفاشلة، المترنحة بسبب عدم امتلاكها للمشروع الوطني الديمقراطي القادر على تغيير الأنموذج الاقتصادي و الاجتماعي السائد والقائم على التبعية للغرب والذي وصل إلى مأزقه المحتوم بشهادة المؤسسات الدولية المانحة ، والمحافظة على ديمومة الاقتصادي الريعي الذي يخدم مصالح البرجوازيات الريعية غير المنتجة واقتصاديات التهريب ، ومافيات الفساد و النهب، إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية ـ الأوكرانية ، التي أضافت أزمات جديدة لمعظم البلدان العربية، حيث تشهد مجتمعات هذه البلدان العربية المأزومة حالة من الغليان بسبب تردى اقتصادها وهناك تنبوءات بانفجار مجتمعي بها .

١٥ ينــاير ١٩١٨.. حين تكبر الأيـــام بإحتضــان مولــد الرجــال الكبـــار
تكبر الأيام التي تحتضن مولد الرجال الكبار، ويعلو شأنها وتُفاخر بتميزها، وتُباهي بحسن حظها وطا... إقرأ المقال