«روز اليوسف».. هربت من لبنان وشيدت منارة صحفية شامخة في مصر

 

«كلنا سنموت، ولكن هناك فرقا بين شخص يموت وينتهي وشخص مثلي يموت ولكن يظل حيا بسيرته وتاريخه».. جملة شهيرة لامرأة تعد رائدة العمل الصحفي في مصر، لكنها في نفس الوقت تمتلك مواهب متعددة حيث بدأت مسيرتها الشبابية في التمثيل سواء في السينما أو المسرح وتقديمها لأدوار هامة خصوصا على خشبة المسرح، إلا أن دنيا الصحافة خطفتها وجعلتها تهب حياتها لها.

لم تستهوها أضواء نجومية التمثيل واكتفت بالتحليق في عالم الصحف، فأسست مجلة أسبوعية تحمل اسمها، وبعد مرور  نحو قرن ما تزال تلك المجلة تضئ بلاط صاحبة الجلالة.. إنها فاطمة اليوسف المعروفة باسم «روز اليوسف».

وصلت روز اليوسف إلى مصر عام 1911 على متن سفينة رست في ميناء الإسكندرية، حيث هربت من الأسرة التي كانت تتربى عندها، مستغلة رسو السفينة في الميناء وقررت البقاء في مصر، وهي لم تكمل الـ 15 عاما، بعد أن كانت تلك الأسرة ستقودها للهجرة إلى قارة أمريكا الجنوبية.

يرجع الفضل في اكتشاف روز اليوسف إلى الممثل عزيز عيد الذي كان يمثل مع فاطمة رشدي الدويتو الأشهر في مصر وقتها في فترة العشرينيات، وكان أيضا مخرج مسرحيات يوسف وهبي، وكانت مدينة الإسكندرية نقطة انطلاق الممثلة روز اليوسف عندما بدأت مسيرتها مع المسرح في أدوار صغيرة، قبل أن تتحول إلى أن تصبح الفتاة الصغيرة نجمة الفرقة المسرحية.

في عام 1923 تركت روز اليوسف مدينة الإسكندرية وانتقلت إلى القاهرة وانضمت إلى فرقة رمسيس التي كان قد أسسها يوسف وهبي، ورغم أن عمرها وقتها كان يقترب من 25 عاما إلا أنها في إحدى المسرحيات قدمت دور سيدة عجوز عمرها 70 عاما رغم عمرها الحقيقي الصغير.

ومن خلال هذا الدور حققت نجاحا كبيرا، وبدأ اسم روز اليوسف يسطع في سماء الفن المصري، وبعد ذلك أدت دور مارجريت جونيه من رواية «غادة الكاميليا» للاديب الفرنسي ألكسندر دوما، وهذا ما جعل الصحافة تمنحها لقب “سارة برناز الشرق” لتصبح من خلاله الممثلة الأولى في مصر.

في عام 1925 تركت فرقة رمسيس بسبب خلاف مع يوسف وهبي، والمفاجأة أن روز اليوسف قررت ترك التمثيل نهائيا والتوجه إلى الصحافة، فأسست في أكتوبر من نفس العام مجلة فنية أسبوعية مصرية تحمل اسمها بالتعاون مع محمد التابعي، وكان للمسرح مساحة كبيرة ومهمة في المجلة التي اتسمت بحرية الرأي منذ العدد الأول، وكانت من أوائل المجلات التي تقدم نقد وتحليل للمسرحيات السياسية حتى عام 1926، حيث اتخذت خلاله مجلة روزاليوسف طابعا سياسيا بحتا في انتقاد الأوضاع السياسية في مصر وقتها.

حققت مجلة روز اليوسف انتشارا كبيرا على مستوى الشارع المصري، وأثّرت على الكثير من الصحف المصرية الهامة وأصبحت منافسة لكبريات الصحف المصرية، وبسبب الجرأة في التناول والطرح دخلت المجلة في صراعات عديدة وصدامات قوية خاصة مع حزب الوفد الذي بدأ يبادلها المهاجمة،  وأصدر  عدة مرات قرارات بإيقاف صدورها لدرجة أن الحزب نجح في الحصول على حكم بالسجن لروز اليوسف، ولكن بعد خروجها من السجن تابعت العمل الصحفي وعاودت النشر من جديد بمجلة “مصر الحرة” و ”صدى الحق”، وقامت بطبع العديد من الكتب السياسية والاقتصادية الهامة، وفي عام 1935 تطورت المجلة في عملها واستقطبت أشهر الكتاب، امثال نجيب محفوظ، وعباس العقاد وعائشة عبدالرحمن.

ساهمت روز اليوسف في حركة الأدب والثقافة بإصدار الكتاب الذهبي وسلسلة كتب فكرية وسياسية عام 1956، كما أصدرت كتابا بمذكرات روز اليوسف يحمل اسم “ذكريات”، واصدرت مجلة صباح الخير، التي كانت رمزا “للقلوب الشابة والعقول المتحررة”، وهو الشعار المعروف لدى المجلة حتى يومنا هذا.

تزوجت روز ثلاث مرات، الأولى من الممثل والمهندس محمد عبدالقدوس الذي رفضت أسرته هذا الزواج وأنجبا الأديب المصري إحسان عبدالقدوس، والزيجة الثانية لروز اليوسف كانت من الممثل والمخرج المسرحي الشهير زكي طليمات، أما الثالثة فقد كانت من المحامي قاسم أمين، حفيد قاسم أمين صاحب كتاب تحرير المرأة.

أما اسم روز اليوسف فقد اشتهرت به وهي في العاشرة من عمرها بينما اسمها الحقيقي هو فاطمة، لكن بعد أن هاجر والدها فقد تركها تعيش في منزل أسرة لبنانية مسيحية، وكانت تلك الأسرة هي التي أطلقت اسم “روز” وظل هذا الاسم مرتبطا بها حتى اليوم، رغم أنه لم يكن اسمها الحقيقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى