الأفضلية من وجهة نظرنا !!!؟؟
بقلم : د. ريهام كرم
بالطبع سيثير هذا المقال حفيظة الكثيرين . كما أنه سيثير جدلاً عارماً بين الكثير من القراء والاصدقاء والأحباء ،،، وهنا سيكرهني من بقى من أحبتي القلائل ، وأخسر من تبقى منهم خاصة في الأوساط ( الكيوتية ) كما انعتها انا من جهتي ،، والتي تفترض انها تحتفظ بالنقاء المطلق والصفاء المطلق والخير المطلق والجمال المطلق والبراءة المطلقة …. والحقيقة الواقعة . انه : لا يوجد من هذا الشيء في الحياة نهائياً .. ففكرة الخير المطلق والشر المطلق محض خيال !! ، فهي ليست موجودة بالصفاء والكمال النهائي As a pure case بهذا الشكل الأفلاطوني الذي نتخيله في نفوسنا !!
ان كل نفس تحمل قدراَ معيناً من الصفات الجيدة والحسنة ، والتي ننعتها ( بالخير ) ، بقدر ما تحمل إيضاً في طياتها قدراً آخراً معيناً من الصفات السلبية والرديئة والتي ننعتها ( بالشر ) !! اذا جميعنا يحمل في شخصه كلا : الصالح والطالح كلاهما معاَ …. وتصدر مننا جميعنا أحياناً تصرفات جيدة ، بقدر ما تصدر منا أيضاً تصرفات سيئة .!!
هذا من جهة …
ومن جهة أخرى فإن تصنيف الإنسان للتصرفات الجيدة والسيئة أصلاَ ، أمراً مجروحاً ومشكوك في صحته من حيث الأساس ! ،، لأن هذا التصنيف لا يمكن أن يكون دقيقاً جداً وموضوعياً ، لأنه بالطبع لايخلو من التأثر بالمؤثرات والميول والأهواء الخاصة وهي القابلة بدورها للطرق والسحب ، شأنها في ذلك ، شأن المعادن الفلزية تماماً !!
البعض على سبيل المثال يرى القائد ” هتلر ” على انه بطل شجاع ، وانه عسكري محنك مغوار وجسور …. والبعض الآخر يراه على انه مجرم حرب ، وسفاح نازي لعين ، وقاتل ميت القلب !!! لقد اختلفت أراء الناس في العالم وانقسمت حول رجل واحد ، البعض اتهمه بالخير والبعض الآخر اتهمه بالشر … إذاً فالمسألة هنا مسألة نسبية بحتة !!
وبناءً على ذلك ، قد ننعت نحن بعض السلوكيات او الصفات الصادرة من بعض الأفراد على أنها إيجابية أو سلبية ، تبعاَ لطبيعة شخصيتنا ، ومن منطلق أهواءنا وميولنا الخاصة ، ولا يحق لنا بناءَ على ذلك ، تعميم القاعدة في الوصف ….فعلى سبيل المثال : يحق لي أن أقول : ( أحب فلان لأنه لا يتكلم كثيراَ ) ولا يحق لي أن أقول : ( فلان جيد او مثالي لأنه لا يتكلم كثيراَ ) ، فالجيد والمثالي من وجهة نظرك ، قد لا يكون جيداً أو مثالياَ من وجهة نظر شخص آخر ، إكثر مرحاً ويحب الكلام وكثرة تبادل الأحاديث وتجاذبها !!!
ولذلك كان تعميم القاعدة واطلاق الأحكام على البشر ، من وجهة نظر المقاييس البشرية ، هو امرً نسبيً بحت ، لا يخضع للنظرية المطلقة او الجازمة في الوصف !!!
“روبن هود “… من وجهة نظر القانون هو لص وسارق ومحتال .. بينما هو بطل نبيل وجسور من وجهة نظر بسطاء الشعوب !!!!
” جيفارا ” هو يميني متطرف ومتمرد خارج عن بروتوكولات القانون السياسي المعتدل …. بينما هو قائد شجاع وزعيم ثوري حر ينادي بحرية الشعوب .. هذا من وجهة النظر الشعبية الحرة بالطبع .!!
الكل يحكم من وجهة نظره ، بينما يعمم أحكامه وكأنها نبراس دستوري مقدس ومنزل من السماء !!
الكل يرى السيدة المحتشمة ظاهرياَ وكأنها السيدة ” مريم” القديسة التي لا تخطيء ابدأَ والتي من المفترض ان يتم تقبل كافة السلوكيات الصادرة منها وكأنها اخلاقيات مقدسة ! .. مع انها قد تكون نمامة ، ذات لسان سليط ، ومتكبرة ، وكاذبة ، وسيئة التعامل حتى مع ابناءها نفسهم !!! في حين ان اخرى قد تكون معتدلة في مظهرها ، ولكن سلوكها اكثر خلقاَ من سابقتها !!!
في الكثير من اعمال الدراما والسينما يميل البعض لبعض الشخصيات المؤدية لدور معين .. ويجدونها شخصهم النموذجي المفضل ، والبعض الآخر يميل إلى شخوصٍ أخرى على العكس منها تماماً !!! هنا أصبح المزاج الخاص ، والميول الخاصة ، والسلوك الخاص ، والصفات الخاصة ، تلعب دورها الواضح في تلك الاختيارات !!!
فانا بدوري على سبيل المثال : أرى أن الشخص الكوميدي كثير الدعابة والمزاح والمرح والذي يعلق بإفيهات ضاحكة أكثر من التعليق المتحفظ والجاد . اراه شخصاَ عميقاَ شديد الذكاء ، شديد النباهة ، لديه كاريزما على مستوى عالي جداَ جداَ .. أعلا مما قد يفهمه البعض من الشخصيات السطحية المباشرة التي ترغب في التلقائية البحتة أكثر من التشبيهات والاستعارات والكنايات والتوريات والرمزيات … الخ ذلك
في حين ان البعض الآخر ينظر الى تلك الشخصية . على انها شخصية تافهة ، عديمة الثقل .. خفيفة وغير متزنة !!! .. تحليل خاص آخر ينم عن انعكاس لشخصية مطلق هذا الحكم ، ومعبراَ عن طبيعته الخاصة التي تدل على سطحية الفهم او على الكآبة المتحفظة التي تتعارض كليةَ مع روح الدعابة بل وترفضها رفضاَ مطلقاَ قطعياَ !!!
في الفيلم السينمائي الشهير : ( صمت الحملان Silence of the Lambs ) للممثل الاسطوري الرائد : السير أنطوني كوين …. نعت الكثير من الجمهور بطل الفيلم : دكتور ” هانيبال ليكتر” .. بأنه مجرد وحش دموي همجي مفترس بغيض …. بينما رآه جماعة كبيرة – وأنا من ضمنهم – بأنه : إنسان مفكر عميق ذو فلسفة إنسانية خاصة !! والبعض الآخر جنح إلى تحليله من منظور عاطفي بأنه : إنسان ضحية ومريض نفسي بائس ، تحكمت به مشاعر الإنتقام المفرط وتخليص الحسابات !!! وآخرون وجدوا أنه بطل خارق اسطوري فذ _ وهؤلاء هم الجماعة الماسوشية التي انتشرت بضراوة هذه الفترة !! وآخرون قالوا : فليلتهم الجميع ،، عليهم اللعنة جميعاَ ،، فلا أحد يستحق الحياة !! ( منظور سوداوي كئيب آخر ساخط على الحياة من حيث الأصل)
هنا نجد تعدد التحليلات من جمهور متعدد . لشخصية واحدة فقط ظهرت على الصعيد السينمائي ….. وبناء عليه ، قس على ذلك كافة التحليلات البشرية للصنوف المتعددة من الشخصيات التي تحتك و تصطدم بها في واقع الحياة !!
إن مقاييسنا البشرية يا أعزائي ، ما زالت مقاييس هشة ، مقاييس غير محكمة ذات ثغرات عديدة ! … تتحكم بها مستويات ثقافاتنا ، عواطفنا ، أخلاقنا ، تربيتنا ، مشاعرنا الشخصية ، ميولنا ، معتقداتنا ، معدلات ذكاءنا المتفاوتة بالطبع ! …. نحن لسنا آلهة .. لنطلق الأحكام القطعية على البشر … ونجزم بها فرضاَ عيناً غير قابل للجدل او النقاش !!!
قد يقابلني أحدهم ليحاول إقناعي : بأن فلان كذا وكذا وكذا .. وفي النهاية ( إبن حرام مصفي ) لأتصادم معه وأحتك به في معترك ميدان الحياه ،، لأكتشف أنه على النقيض بل وعلى العكس تماماَ مما ذكر أخينا ذاك !!!!!
هل هو كاذب ؟؟ قد يكون .. وقد يكون لا .. وقد يكون مجرد أفصح عن تحليله الشخصي من وجهة نظره الخاصة حول هذه الشخصية .. التي رأى أنها : كذا وكذا وكذا ……. الخ وبعد تجاربه الخاصة والعديدة معها … !
ولكني لم اكتشف ما أخبر عنه نهائياَ !!! فمن أين جاءت هذه الأوصاف الغريبة ؟؟؟
وانا من وجهة نظري الشخصية وتحليلي الخاص أستطيع أن أقرب ذلك بالشرح ، في وصفها كمعادلة كيميائية تسفر عن انتاج مركب خاص .. هذا المركب ينتج عن امتزاج عنصرين مختلفين ببعضهما البعض ، لينتج في النهاية مركب ذو سمات وصفات خاصة .. ولنفترض أن الشخص الذي أوصل لي وجهة نظره حول الشخص الآخر ،، بأنه العنصر A على سبيل المثال .. والذي احتك وامتزج بالشخص الآخر الموصوف ، والذي نسميه هنا بالعنصر B ونتاج امتزاجهما واحتكاكهما ببعضهما البعض أسفر عن انتاج مركب غير جيد .. ( علاقة غير طيبة وغير مريحة ) .. لان كل عنصر من تلك العناصر يحمل صفاته الخاصة . رؤيته الخاصة ، وثقافته الخاصة ، وعقيدته الخاصة ، والتي قد تختلف كليةً مع طباع وميول وثقافة ومدارك واخلاق ذلك الشخص الآخر . وبالتالي لم يحدث التوافق والارتياح المنشود !!!
وليس بالضرورة ان تكون صفات العنصر A مشابهة لصفاتك انت أيضاً او مختلفة عن صفاتك ومتعارضة تماماَ ( كما كانت مختلفة ومتعارضة مع صفات أخينا ذلك السابق الذكر ) ! وهذا يعني أنك كعنصر C على سبيل المثال ، تحمل صفات اخرى مختلفة وجديدة .. فإذا تم احتكاكك وامتزاجك واصطدامك مع نفس العنصر B الآنف الذكر فإن هذا الامتزاج قد لا يسفر عن ذات النتائج والمحصلات ، ولن ينتج مركباً بتفس صفات المركب المُنتح السابق !!!
هنا نستطيع أن نقول : بأن نتيجة الإتحاد الكيميائي في التجربة الثانية ، كانت إيجابية إلى حد أكبر من ذي قبل ! فعلى ما يبدو أن العناصر الكيميائية كانت في هذه المرة ، أكثر توافقاَ وتناغماً من ذي قبل !!
ولهذا لا يجدر بنا تعميم الأحكام .. وفرضها فرضاَ قطعياً حاسماَ جازماَ ، بناءً على تجارب الآخرين فقط ونقلاَ عن آرائهم الخاصة ، دون الخوض في تجربتك المباشرة والمستقلة مع هؤلاء الأشخاص ليكون حكمك أصدق وأوقع … وأيضاً يبقى حكمك عليهم ، حكماً خاصاً متعلقاً بك فقط ، لايجوز لك او لا يحق لك فرضه وتعميمه ، لانه قد يكون مخالفاً أيضاً ومعاكساَ لحكم وتقديرات الغير ، من وجهة نظرهم الخاصة ايضاَ !!!
ان المثل القائل بأنه : ( اذا تشابهت الأذواق لبارت السلع ) … مثل صادق وذكي 100% .. وكذلك اذا تشابهت العقول والاخلاق والصفات والميول والثقافات والأمزجة والنفسيات والعقائد والمعتقدات والأفكار والأعمار والأجناس والجنسيات والأديان وكل شيء … لظل الكثير من الناس بلا اصدقاء .. او بلا زواج .. او بلا عمل .. او بلا قبول من ايٍ من المحيطين !! ولكن شاء المولى سبحانه وتعالى وقضى بهذا التنوع لكي يتآلف الناس بعضهم مع بعض .. وينسجم كل شخص مع من يناسبه ويقترب منه في الطبائع والميول والأفكار ومستوى الذكاء ، وكافة التفاصيل والأمور ….. فعلاً .. ولأن : ( لكل فولة كيال ) كما ذكر في هذا المثل العامي الشهير ، كان لكل شخصٍ أيضاً من يقدره ويشعر بقيمته وينسجم معه .
ليس بالضرورة ان يكون الصامتون هم الأهدأ !
بينما المتحدثون بكثرة هم الأزعج !
او المثقفون هم الأرقى !
بينما الأميون هم الأجهل !
أو الشباب هم الأجمل والأوسم !
بينما الكبار هم الأقبح والأبشع !
أو الأقرباء هم الأخلص !
بينما الغرباء هم الأخون والأجحد !
او البالغون هم الأرشد !
بينما المراهقون هم الأرعن !
أو العرب هم الأتقى !
بينما الأعاجم هم الأفسق !
أو الريفيون والقرويون هم الأسذج !
بينما المدنيون هم الأخبث والأدهى !
او النساء هن الأعطف !
بينما الرجال هم الأخشن !
أو الأمهات هن الأحن !
بينما الآباء هم الأقسى !
أو الكهول هم الأحكم !
بينما الشباب هم الأطيش !
أو سريعو الغضب هم الأشرس !
بينما الصبورين والإكثر حلماَ هم الأطيب !
أو الوسيمون هم الأرق !
بينما الدميمون هم الأفظظ !
أو المتفوقون علمياً هم الأنجح !
بينما المتخلفون علمياَ هم الأفشل !
أو مفتولي العضلات هم الأشجع والأقوى !
بينما ضعيفو البنية هم الأجبن والأضعف !
وليس بالضرورة اشياء واشياء واشياء …. ولا نستطيع إرساء قواعد مطلقة حول ذلك …فكلها مجرد نظريات نسبية ،تختلف من شخص لآخر ومن منطقً لآخر ، ولكل قاعدة شواذها وفلتاتها الخاصة بالطبع !!
ومن هنا تبقى مسألة تقييم الناس أمراً غامضاً جوهرياَ ، لا يتقنه ولا يجيده ولا يصدقه سوى خالقهم المولى القدير .. هو الاعلم الوحيد بمكنون أنفسهم ،، وخبايا قلوبهم ،، وخفايا أرواحهم ⁉ وهو بكل شيء عليم ..