الانتهازي اردوغان يوظف دم خاشقجي مرتين: الاولى لابتزاز ابن سلمان والثانية لاسترضائه

 
طالبت النيابة العامة التركية، امس الخميس، بإحالة قضية محاكمة الأشخاص الـ26 المتهمين باغتيال خاشقجي إلى السلطات القضائية السعودية
أعلنت تركيا عن “انعطافة” بشأن قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، قرأها مراقبون على أنها تطورٌ في محطات المسار الخاص الذي تتبعه أنقرة لإصلاح علاقاتها المتوترة مع البلد الخليجي (السعودية).
وهذا المسار اتضحت ملامحه بعد عام 2021، لكنه كان “فاترا وتدريجيا”، ففي الوقت الذي تتالت فيه رسائل الغزل التركية ساد جو “التريث السعودي”، لاعتبارات ترتبط بحسب مراقبين بطبيعة الملفات الخلافية، على رأسها “ملف خاشقجي”.
“إحالة وخطوات مهمة”
وطالبت النيابة العامة التركية، الخميس، بإحالة قضية محاكمة الأشخاص الـ26 المتهمين باغتيال خاشقجي إلى السلطات القضائية السعودية، خلال جلسة المحاكمة الغيابية، التي عقدت في المحكمة الجنائية الـ11 في مدينة إسطنبول.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن الإحالة جاء بناء على “طلب سعودي”، فيما رأى المدعي العام أن الملف بات معلقا، بسبب أن المتهمين أجانب ويصعب الوصول إليهم والاستماع لأقوالهم، أو حتى جلبهم بموجب “الإنتربول”.
وأوضحت وكالة “الأناضول” شبه الرسمية أن هيئة المحاكمة طلبت رأي وزارة العدل التركية، بشأن إحالة القضية إلى السلطات القضائية السعودية، على أن يصدر ذلك في السابع من أبريل المقبل.
وفي حال ردت الوزارة بوجود إمكانية قانونية لنقل ملف القضية قد يكون ذلك بمثابة “إغلاق نهائي للملف بالقضاء التركي”، بحسب ما أوردت صحيفتي “حرييت” و”صباح” المقربتان من الحكومة.
ومع الإعلان عن خبر تعليق محاكمة المتهمين باغتيال خاشقجي سُئل وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو على الهواء مباشرة عن علاقات تركيا “الدافئة” مع المملكة العربية السعودية.
وقال جاويش أوغلو لقناة “a haber” إنه يجري “اتخاذ خطوات مهمة لإصلاح العلاقات”، مضيفا: “لقد وصل التعاون القضائي إلى نقطة أفضل. وبخصوص تطبيع العلاقات، فلم يكن لدينا موقف سلبي تجاه السعودية سياسيا أو اقتصاديا أو غير ذلك”.
“أسوأ شيء لمحمد بن سلمان”
تعتبر قضية خاشقجي الذي اغتيل في قنصلية بلاده بإسطنبول، عام 2018، من أبرز الملفات التي أججت حالة التوتر القائمة منذ سنوات بين أنقرة والرياض، إلى جانب ملفات أخرى “بدرجة أقل”.
وكانت أنقرة قد طالبت مرارا بضرورة محاكمة المسؤولين عن اغتيال الصحفي، بينما اعتبر إردوغان بعد أيام من الحادثة أنها جاءت من “أعلى مستويات الحكومة السعودية”، في موقف سبق وأن اعتبره سعوديون بأنه بمثابة “ابتزاز سياسي” لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وينفي محمد بن سلمان التهم التي تلاحقه باغتيال خاشقجي، وقال قبل شهر في مقابلة مع صحيفة “ذا أتلانتيك”: “هذا الأمر يجرحني. يجرح شعوري وشعور السعوديين عامة”.
ووفق المجلة، فإن بن سلمان أبلغ اثنين من المقربين منه أن “حادثة خاشقجي أسوأ شيء حدث معه على الإطلاق، لأنها كادت أن تُفسد كل خططه لإصلاح البلاد”.
ولم يصدر أي تصريح رسمي من جانب السعودية بشأن الخطوة القضائية التركية، فيما يرى مراقبون تحدثوا لموقع “الحرة” أنها مؤشر عن “تقارب فعلي”، كون “إغلاق قضية خاشقجي مطلب تضعه الرياض للتقارب مع أنقرة”، رغم عدم الإعلان عن ذلك رسميا.
“انعطافة بعد 2021”
لم تأت التطورات الحاصلة في الوقت الحالي بين البلدين دون مقدمات، فمنذ عام 2021 بدأت تركيا تسعى للتقرب من السعودية، في سياسة خارجية جديدة، استهدفت دولا أخرى كالإمارات ومصر وإسرائيل.
وكخطوات أولى من هذا السعي كان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، ولأول مرة قد رحّب بالمحاكمة التي أجرتها السعودية، والتي قضت في 2020 بسجن 8 متهمين بقتل خاشقجي بين 7 سنوات و20 عاما.
وأضاف كالين لـ”رويترز”، أواخر أبريل 2021: “لديهم محكمة أجرت محاكمات. اتخذوا قرارا، وبالتالي فنحن نحترم ذلك القرار”، كما دعا الرياض في سياق حديثه إلى إنهاء “المقاطعة”، والتي انعكست بصورة خاصة على حجم التبادل التجاري بينهما.
وكان من المقرر أن يزور الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، العاصمة السعودية الرياض “في وقت ما” من شهر فبراير الماضي، لكن ودون أي تفاصيل رسمية معلنة، لم تجر الزيارة حتى الآن.
فيما كرر إردوغان في تصريحين منفصلين، خلال فبراير الماضي، نية بلاده “تحسين العلاقات ودفع الحوار الإيجابي بخطوات ملموسة في الفترة المقبلة”، في إشارة منه للسعودية.
هل أغلقت القضية؟
تشير معظم التقديرات التركية إلى أن رد وزارة العدل المرتقب على قرار المدعى العام سيكون لصالح نقل القضية إلى السلطات القضائية السعودية، وبالتالي إغلاقها بشكل كامل في تركيا.
ويقول الأكاديمي والباحث السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو إن ملف خاشقجي “كان عقدة المنشار في انفتاح العلاقات السعودية – التركية”، وذلك ما دفع أنقرة “للاستماع للطلب السعودي، تماهيا مع عملية إعادة التموضع التي تسير من خلالها مع أكثر من دولة وملف”.
ويضيف الباحث السياسي لموقع “الحرة”: “القانون سيكون الحكم. المحكمة سوف تصدر قراراها في ذلك. والمتوقع أن يكون هناك موافقة على الطلب السعودي بإحالة القضية من تركيا”.
ووفق حافظ أوغلو: “لم يعد هناك مسوغ قانوني لإبقاء ملف خاشقجي مفتوحا في تركيا، لا سيما أنه سعودي الجنسية والقنصلية أرض سعودية. إضافة إلى ذلك المحكمة السعودية قررت بالفعل محاكمة الجناة في 2020”.
ومن زاوية أخرى يشير الباحث التركي إلى أنه “لا يمكن لملف واحد أن يغلق الانفتاح السعودي التركي وبقائه في حالة جمود. المنطقة الآن بحاجة لهذا التواصل”.
بدوره يرى مدير “معهد إسطنبول للفكر”، باكير أتاجان طلب إحالة قضية خاشقجي “هي فاتحة تطبيع علاقات بين الرياض وأنقرة”.
وتحدث أتاجان لموقع “الحرة” عن لقائين أجراهما وزير الخارجية جاويش أوغلو مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، خلال الأيام العشرة الماضية، كخطوات تمهيدية لمراحل تطبيع العلاقات.
ويقول: “السعودية طلبت إنهاء ملف المحاكمة. حصل ذلك الآن”، متوقعا أن يكون هناك لقاء قريب بين إردوغان وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، “قبل نهاية رمضان المقبل”.
ويضيف أتاجان: “زيارات القادة لا تأتي إلا بعد انتهاء المشاكل. في السابق لم تكن الملفات محلولة بشكل كامل، لكن الآن نحن أمام صفحة جديدة مفتوحة”.
ماذا عن الرياض؟
وفي عام 2020 كانت السعودية قد اتهمت 18 مشتبها بهم بالتورط في جريمة قتل خاشقجي، وبينما تمت تبرئة العديد منهم أدين ثمانية فقط، وحكم عليهم بالسجن لفترات مختلفة.
ويقترح القانون التركي أنه لا يمكن محاكمة المشتبه بهم مرة ثانية وتكرار الحكم عليهم، مما يفتح الطريق فعليا لإسقاط القضية في تركيا، وهو ما أشار إليه صحيفة “حرييت” نقلا عن المدعي العام.
ويعتقد المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي أن ما أقدمت عليه تركيا هو “خطوة مهمة، إن صدقت أنقرة في تنفيذها”.
واعتبر آل عاتي أيضا أن طلب إحالة القضية للسلطات القضائية في السعودية “انتصارا للقضاء السعودي وأحكامه”.
ويقول المحلل السياسي لموقع “الحرة”: “هذه الخطوة من شأنها أن تسهم في إذابة جزء من الجليد، الذي يعتري العلاقات السعودية التركية”.
ومن شأنها “أن تعجل في تحسين الأجواء، وتمهد لخلق حالة من التوافق بين العاصمتين لحل القضايا الخلافية والإعداد الجيد لعقد لقاء قمة بين قيادتي البلدين”.
ويضيف آل عاتي: “المشهد الإقليمي يحتاج تنقية الأجواء وفق لقاعدة السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، واحترام مصالح الدول العربية وأمنها واستقراراها”.
ويؤكد المحلل السياسي أن “الرياض تريد حل القضايا العالقة بين الدول العربية وتركيا، والتوصل لاتفاق بين البلدين حيال ما يعترض العلاقات الثنائية، والإعداد الجيد لأي قمة”.
من جانبه يوضح باكير أتاجان أن “ملف خاشقجي انتقل إلى النيابة السعودية. لم يعد هناك ملف في تركيا”.
أما الباحث السياسي، مهند حافظ أوغلو فيرفض فكرة أن “تركيا تخلت عن الملف وغيرت مبادئها”، بقوله: “الموقف لا يقرأ بهذا الشكل في أي حال من الأحوال، لأن المراحل السياسية لها وقتها ودورها”.
ويقول حافظ أوغلو: “هذه المرحلة تتطلب هذا الانفتاح، وإذا ما كان القانون مسوغا لإغلاق الملف، فإن الدولة التركية ستنطلق قدما في ذلك، وهذا ما أشار إليه جاويش أوغلو”.
ويتابع الباحث: “المرحلة حساسة والتحالفات الإقليمية التي تشكلت قبل فترة يجب أن تتوج بالتقارب السعودي التركي. في السياسة لا يجب أن يبقى ملف واحد يعيق العلاقة بين دولتين!”.
وخلال الأشهر الماضية دخلت تركيا والإمارات “حقبة جديدة في العلاقات”، وكذلك الأمر بالنسبة لدول أخرى مثل إسرائيل التي زار رئيسها إسحاق هرتسوغ أنقرة، ملتقيا نظيره إردوغان.
وقبل ذلك بأشهر، كانت العلاقات بين أنقرة والقاهرة قد شهدت انعطافة، لكنها لم تكتمل حتى الآن، وكذلك الأمر بالنسبة لعلاقات أنقرة وأرمينيا التي شهدت تطورات في سياق إعادة تطبيع العلاقات، رغم أن البلدان في حالة “عداء تاريخي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى