الكتّاب في مؤتمرهم.. هدفنا تثبيت الوحدة ودوام الانطلاقة.. وماذا بعد؟!
بقلم: سعيد نفّاع*
هل سيقبل من لم يحالفهم الحظّ في المنافسة شخصيّا وموضوعيّا، الحسم؟!
وهل من خوف على وحدة الحركة الثقافيّة؟
عقد الاتّحاد العام للأدباء (الكتّاب مستقبلًا) الفلسطينيّين – الكرمل 48 مؤتمره التنظيميّ يوم 11 كانون الأوّل 2021 في مدينة شفاعمرو، تحت الشعار: “هدفنا… تثبيت الوحدة ودوام الانطلاقة”، عقده بمشاركة فاعلة ل-141 عضوًا من أعضائه ال-186 عضوًا. تمّ فيه انتخاب هيئات الاتّحاد؛ الأمين العام، ونائب الأمين العام، والأمانة العامّة، ولجنة المراقبة. وكذلك تمّ إقرار النظام الداخليّ \ الدستور، والذي جرت عليه تعديلات عدّة هامّة اقترحها الأعضاء وناقشتها لجنة صياغة ومن ثمّ المؤتمر قبل إقرارها.
شهد المؤتمر نقاشًا حادّا ثاقبًا في بعض مواضعه، تمحور حول التعديلات الدستوريّة والتنافس على المواقع المختلفة. عكس هذا النقاش الأجواء المحتدّة التي سبقت المؤتمر بأشهر، وإن كانت لبست لبوس الحقّ في التنافس لدى بعض وضرورة التغيير لدى بعض آخر لكّنها تعدّت ذلك، وهذه حقيقة يجب أن تُقال، وعلى الأقلّ من باب عدم التجميل والتجمّل. الأجواء التي سبقت المؤتمر أثارت وبحقّ عند الأعضاء وكثير من المراقبين التخوّف على مستقبل الحركة الثقافيّة التنظيميّ حدّ الخوف على الوحدة والعودة إلى الانقسام.
غير أنّ النقاش ورغم حدّته تميّز على الغالب بعمقه قبل المؤتمر وخلال المؤتمر، وتمحور حول الاختلاف الرؤيويّ في وجهات النظر حول القضايا التنظيميّة، اللهم إلّا في بعضه الذي غلبت عليه النزعة الذاتيّة. وبغضّ النظر ففي النهاية قال المؤتمر كلمته الفصل في هذا النقاش وبأكثريّة كبيرة لافتة انعكست في نتائج التصويت؛ الشخصيّة والموضوعيّة.
قبل أن نجيب على السؤال \ التساؤل في ناصية المقالة، من الضرورة بمكان العودة بأنفسنا خطوات واسعة إلى الوراء، ونقف خلال العودة على محطّات مسيرة حركتنا الثقافيّة التنظيميّة في ال-48 ومن خلال “استذكار” همومنا الوطنيّة وصولًا إلى هذا المؤتمر.
العقد الأخير الذي مرّ على شعبنا الفلسطينيّ هنا في ال-48 امتاز وطنيّا بالرغبة الجامحة في وحدة العمل السياسيّ الوطنيّ، فتشاركت الأحزاب عام 2015 نزولًا عند رغبة الناس وإن امتازت هذه الرغبة بالشعبويّة على حساب العقلانيّة. حين احتفلت أقليّتنا بالشراكة ونتائجها كانت الحركة الثقافيّة تنشط باتّحادين؛ الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين ال-48 والذي كان انطلق أواخر ال-2010، والاتّحاد القطري للأدباء الفلسطينيّين- الكرمل والذي كان انطلق أواسط ال-2014 بعد فشل الجهود في خلق مشهد وحدويّ شامل.
الأمر الطبيعيّ كان أن تنعكس الرغبة “الوحدويّة” كذلك على الحركة الثقافيّة، وصدرت تصريحات كثيرة من كلا الفريقين معبّرة عن هذه الرغبة، ولكنّها اصطدمت بكلّ ما واجهت وتواجه حركتنا الوطنيّة بكلّ بيوتها في هذا المجال على مدى عمرها، فظلّت الرغبة في نطاق التصريحات الجوفاء في حالات ليست قليلة، أو التصريحات المرفقة بشروط مُسبقة تدور حول “الرئاسات”. عوامل عدّة موضوعيّة وذاتيّة وسياسيّة أبقت هذه الرغبة تصريحيّة، ولكن أواسط العام 2018 ترافقت هذه التصريحات مع خطوات عمليّة أسفرت أوائل العام 2019 وتحديدًا أوائل شباط، عن إطلاق الوحدة في الحركة الثقافيّة، لا الشراكة كما في الحراك السياسيّ وإنّما الوحدة الاندماجيّة التامّة تنظيميّا وعمليّا.
لأوّل مرّة ومنذ انطلقت الحركة الثقافيّة المحليّة في تنظيم نفسها في أطر؛ اتّحاد ورابطة أواسط الثمانينيّات من القرن العشرين، لأوّل مرّة تتوحّد اندماجيّا لا تنظيميّا وحًسْبْ كما حدث أوائل التسعينيّات بين الاتّحاد والرابطة. استطاعت الوحدة في خلال السنتين من عمرها أن تبني نفسها شكلًا وجوهرًا، وجاءت إلى مؤتمرها الوحدويّ الأوّل مزوّدة بزاد دسمٍ من الإنجازات جنَته على مدى السنوات كخلايا النحل، ومنها؛ مجلّتها الفصليّة الثابتة للسنة السابعة على التوالي، “شذى الكرمل”. مجلّتها الإلكترونيّة التي صارت قبلة للأقلام كذلك من الخارج، “الكرمل48”. المؤتمرات الثقافيّة السنويّة. عشرات الندوات والأمسيات. أيّام اللغة العربيّة في مدارسنا. الحملة الوطنيّة للكتاب إلى النقب و …، وجاءت المؤتمر مزوّدة أيضًا بعمل على مشروع وطنيّ فلسطينيّ شامل للكلّ الفلسطينيّ يتخطّى الخطوط والمؤسّسات، كان تخطّى أربع محطّات هامّة في الخليل ورام الله ونابلس وجنين.
الأمر الطبيعيّ كان أن ينعكس ذلك في بيانات للمؤتمر ونقاشها وتلخيصها، وهذا لم يحصل فقد غابت البيانات، وقد كان هذا إحدى نقاط الضعف في المؤتمر أدّت لها، بحقّ أو بغير حقّ وهنا تختلف الاجتهادات، الأجواء التنافسيّة القاسية التي سبقت المؤتمر والتي تمحورت حول المواقع والمراكز؛ “رئيس ونائب رئيس وأمين عام ونائب أمين عام”، والتي لم تبقٍ لغيرها مطرحًا وخرجت عن السكّة السويّة، فلم تبقِ للعمل ونقاشه مكانًا لا للإفادة ولا للاستفادة لتكوين رؤية مستقبليّة على أساس الماضويّ. بكلمات أخرى: “لا نقاش عمل ولا نقاش أمل”. هذا الغياب بحدّ ذاته تحدٍّ صعب أمام الهيئات الجديدة المنتخبة لملء هذا النقص والتعويض عنه، وهي قادرة إن تعالت.
هل كنّا قادرين موضوعيّا على تخطّي هذا النقص، وبغنًى عن هذا التنافس بشكله؟!
نعم كنّا!
وبغضّ النظر قال المؤتمر كلمته، ونعود الأسئلة أعلاه: هل سيقبل من لم يحالفهم الحظّ في المنافسة، ولم يحالفهم الحظّ في تمرير اقتراحاتهم التنظيميّة، الحسم؟! وهل من خوف على وحدة الحركة الثقافيّة؟!
أعتقد أنّ القبول بالحسم هو ما سيكون وعلى الأقلّ بناء على التصريحات المسبقة المتكرّرة حول هذا. في مقابلة إذاعيّة غداة المؤتمر سُئِلت: “هل من خوف على وحدة الحركة الثقافيّة؟!” فكان ردّي: “قطعًا لا!”
لا أعتقد أنّه يوجد من يستطيع أن يحمل حمل ضرب وحدة الحركة الثقافيّة وبعد أن خطت كلّ تلك الخطوات الواسعة تنظيمًا وعملًا، وليس هذا وحسب، إذ أعتقد جازمًا أن الغيرة الوطنيّة هي البوصلة لكلّ كتّابنا وهي دينهم وديدنهم وفوق كلّ اعتبار، ولن تخطئ عقاربها كوكب الشمال.
أمّا بعد… فقد ثبّتنا في المؤتمر وحدتنا ونحن في طريق دوام الانطلاقة!
*الأمين العام للاتّحاد