بدون مقدمات، وفي غمرة انشغال الكيان الإسرائيلي بتكرار مناوراته العسكرية هذه الأيام، أعلنت كتائب القسام وبينما الجماهير منشغلة بإحياء فعاليات ذكرى انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الرابعة والثلاثين، أعلنت عن تنفيذها لمناورات عسكرية كبيرة في قطاع غزة.
إعلان الكتائب بداية جعل قيادة الاحتلال تتميزُ من الغيظ وتأكل بعضها بعضاً، فهي تدرك معنى إجراء مناورات على عينها بينما هي تكتفي بمراقبة تطور قدرات المقاومة الفلسطينية ولا تمتلك حد الجرأة لمنعها أو استهداف تجهيزاتها لإفشال مناوراتها قبل أن تحدث. صحيح أن غزة واقعة تحت سطوة الاحتلال الإسرائيلي وإن من خلال التحكم بالجو والبحر لكنها باتت تشكل محطة عجز له لا يقوى على محاولة استفزازها، فلو حدث ذلك من الاحتلال فإن ترتيبات المناورة تتغير في بضع دقائقٍ، وبوصلة الصواريخ أو قوات النخبة والدروع والمشاة وغيرها تُدرك حينها أن المناورة انتقلت إلى عملٍ ميداني لا تتمناه قيادة الاحتلال.
هذه المناورة التي تنفذها كتائب القسام كبيرة للغاية وتجري على مستوى قطاع غزة بالكامل ويتخللها استعراض العديد من التكتيكات العسكرية الجديدة والنوعية التي تُظهر مدى قدرة كتائب القسام وكفاءة وجهوزية مقاتليها لأي عمليات قريبة حيث يبرز فيها طابع العمليات الهجومية التي تستهدف أسر جنود إسرائيليين ومهمات قتالية أخرى ينفذها نخبة من مقاتليها.
معروفٌ بأن المناورات التي تُجريها كتائب القسام خلال الشهور الأخيرة على مرأى من طائرات الاحتلال التي لا تغادر أجواء غزة البتة تركزُ على أسر جنود، لكن قيادة الاحتلال تيقنت أن التطور الجديد لدى القسام يكمن في سعيه خلال أي مواجهة مقبلة ليس لأسر جندي أو اثنين وإنما ينحتُ الصخر للنجاح في السيطرة على مدينة أو بلدة صهيونية بالكامل وايقاع كامل سكانها رهائن مع إجراء مفاوضات ميدانية وسريعة لإنجاز صفقات مقابلة.
لكن وبتركيز أكثر، فإن هذه المناورة تحملُ أهمية بالغة وتراقبها عيون المحللين العسكريين والسياسيين -خاصة بعد نشر مقتطفات مصورة منها لوسائل الإعلام- ومنبع الأهمية يمكن حصره في النقاط التالية:
1- الاسم الذي اختارته قيادة أركان كتائب القسام يحمل اسم ( درع القدس) وهذه مسألة فيها دلالة وارتباط كبير بالقضية الوطنية المركزية التي تتصدر أولويات كتائب القسام التي خاضت معركة كبيرة من أجلها قبل عدة أشهر حينما لقنت العدو درسا لن ينساه في معركة “سيف القدس”، وهذا الاسم الذي يُشير إلى القدس يأتي لتذكير قيادة الاحتلال بلجم مستوطنيها وسفلة قومها عن مواصلة انتهاك المقدسات في القدس فجولة الدفاع عن أولى القبلتين لم تنتهِ بعد.
2- ستعمل قيادة كتائب القسام من خلال هذه المناورات على إطلاق رسائل مختلفة للكثير من الأطراف التي لا يُعجبها تطور قدرات المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها كتائب القسام، وتأكيداً فالرسالة الأولى ستكون لقيادة العدو الإسرائيلي، وهي رسالة توصلها الكتائب بالنار واللهب لقيادة ذلك الاحتلال ومفادها باختصار “إن القدس دونها الدماء ولا عشنا إن عاشت القدس بهذه الإهانة اليومية من المحتلين الغاصبين”.
3- سيتخلل المناورة استعراض تكتيكات وتدريبات ومهمات متعلقة بالسيطرة على الجنود وأسرهم، بل والسيطرة على مدن بالكامل وإجراء مفاوضات في أرض الميدان ومن دون وسطاء، وهذا يعكس السبب لمواصلة الكتائب استعداداتها وتطوير قدراتها لتنفيذ عمليات قادمة لزيادة غلتها من الجنود الأسرى بغية ممارسة ضغوط إضافية على العدو وإجباره على الرضوخ لمطالب الكتائب في ظل مماطلته بالموافقة على إنجاز صفقة تبادل للأسرى بالجنود الموجودين لدى القسام. وبالتالي فقيادة القسام ترى بأن زيادة ما بين أيديها من جنود العدو أو مستوطنيه سيُعجل تأكيدا ليس بإنجاز صفقة تبادل وإنما بإغلاق سجون وزنازين المحتل مرة واحدة وإلى الأبد.
4- هذه المناورة التي تحمل اسم القدس تأتي لتجسيد تهديدات القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف والتي سبقت معركة سيف القدس، فكانت الترجمة لتلك التهديدات في حينه إجبار الاحتلال على الرضوخ وتفتيت قراره حول حي الشيخ جراح، وهذه المناور يتم إعادتها اليوم لتنذر الاحتلال بأن المقاومة جاهزة لتأديبه مرةً أخرى إذا ما واصل تغوله على أهلنا في القدس، لكن الفرق بين تأديب الماضي وتأديب الحاضر أن قدرات المقاومة صعد منحناها أكثر مما كانت عليه في معركة سيف القدس الماضية وهو في كل يوم إلى صعود.
5- لا يمكن إغفال أن هذه المناورة تتزامن مع ذكرى انطلاقة حركة حماس (34) والتي تنفذ فيها الحركة العديد من الأنشطة والفعاليات وتطلق فيها مبادرات كبيرة على مستوى القطاع في جوانب مختلفة، وهنا يتقدم الجناح العسكري لحركة “حماس” ليقول كلمته لكنها كلمات بالنار والبارود “اللغة التي يفهما قادة الاحتلال” حينما يغدرون بأبناء الشعب الفلسطيني أو يقومون بالمساس بالقدس.
6- إن الجماهير التواقة إلى تحرير فلسطين في العالمين العربي والإسلامي، وبعد انتشار مقاطع مصورة للمناورة، ستشاهد جنوداً من كتائب القسام يتحدثون العبرية بطلاقة وربما أفضل من أهلها الحقيقيين، وهذه مسألة طبيعية لما أشرنا إليه بأن صفقات التبادل المقبلة مع الاحتلال على الراجح ستكون على أرض المعركة ولن تحتاج القسام حينها لجهود في إخفاء أسرى العدو أو وسطاء لنقل رسائلها التي يحدث بعض التشويش عليها قبل وصولها لقادة الاحتلال.
أخيراً، واضح بأن قيادة الاحتلال تُدرك جيداً بأن سنوات بقاء كيانها شارفت على الانتهاء، ولذلك فهي تُسارع للتطبيع مع أنظمة عربية مترنحة، كما أنها تسعى جاهدة لتعزيز تنسيقها الأمني في الضفة الغربية لمنع نمو أغصان لمقاومة المحتل هناك، لكن على الجانب الآخر تدرك قيادة أركان المقاومة هذه الحقائق وتسعى للتعجيل بحدوثها في الميدان، وفرقٌ في الإعداد بين المحتل وبين صاحب الأرض فلم يخبرنا التاريخ أن صاحب بلدٍ و وطن تلقى هزيمةً في نهاية المطاف على يد المحتل.
*كاتب و إعلامي فلسطيني/ غزة
https://www.facebook.com/aymandalloul11