في الذكرى 73 للنكبة.. الفلسطينيون يصوبون المسار
بقلم: د. إبراهيم أبراش
سنوياً وفي الخامس عشر من شهر مايو يُحيي الفلسطينيون بحزن وألم ذكرى النكبة عام 1948 وهو نفس توقيت احتفال دولة الكيان الصهيوني بذكرى الاستقلال وقيام دولة (إسرائيل). في ذكرى النكبة هذا العام يُعيد الفلسطينيون تصويب المسار ويؤكدون بأن شعب النكبة عاد للواجهة وبات يمسك زمام الأمور ويُعيد القضية الفلسطينية إلى أصولها كشعب خاضع للاحتلال من البحر إلى النهر، بينما دولة الكيان الصهيوني بدلاً من أن تحتفل بذكرى الاستقلال ،والذي هو يوم نكبتنا، تتعرض لخطر وجودي ليس من الجيوش العربية ودول الطوق كما كان سابقاً بل من سكان البلاد الحقيقيين في داخل ما يسمى الخط الأخضر وفي القدس والضفة وفي غزة.
بعد 73 عاماً ما زالت القضية بدون حل، صحيح أن الفلسطينيين لم يحققوا أهدافهم بالحرية والاستقلال ولكن صحيح أيضاً أنهم لم يستسلموا ولم يرفعوا الراية البيضاء، كما أن دولة الكيان الصهيوني لم تنجز سلاماً واستقراراً لمجتمعها الذي جمعته الحركة الصهيونية من كل بقاع الأرض بل مع مرور الوقت تنكشف هشاشتها وعنصريتها وإرهابها، والعالم بات يٌدرك عدالة القضية الفلسطينية وأكاذيب دولة الاحتلال التي تزعم أنها تريد السلام وأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
منذ البداية لم يستسلم الفلسطينيون للنكبة، فبعد عشر سنوات فقط من النكبة استعاد الفلسطينيون توازنهم وتغلبوا على صدمة نكبة هزيمة الجيوش العربية التي أضاعت 78% من أرض فلسطين وأعادوا تنظيم أنفسهم في حركة مقاومة قادتها حركة فتح التي أعلنت عن انطلاقتها رسمياً في الفاتح من يناير 1965 في تزامن مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية 1964 .
أعادت الثورة الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير وحركة فتح استنهاض الهوية الوطنية وممارسة العمل الفدائي المسلح داخل فلسطين المحتلة وعبر الحدود مع الأردن وسوريا ولبنان، وفي مارس من عام 1976 انتفض الشعب الفلسطيني في البلدات العربية في الجليل داخل الخط الأخضر وكان يوم الأرض المجيد حيث سقط شهداء وجرحى من الفلسطينيين، وبعدها انطلقت انتفاضة 1978 (انتفاضة الحجارة) وفي عام 2000 تجددت الانتفاضة التي امتدت لسنوات، وفي الانتفاضتين سقط آلاف الشهداء والجرحى ودخل السجون الإسرائيلية آلاف الأسرى وما زال بعضهم حتى اليوم صامدين في السجون والمعتقلات، كما كان الاجتياح الصهيوني للضفة الغربية 2002 ومعركة جنين البطولية ومحاصرة الرئيس أبو عمار ثم اغتياله بالسم الصهيوني 2004 ، كما تجدد العمل العسكري انطلاقاً من قطاع غزة على يد فصائل المقاومة من إسلامية ووطنية، ولم يتوقف النضال والمقاومة بكل الوسائل حتى اليوم.
ثلاثة وسبعون عاماً لم يترجل الشعب الفلسطيني عن صهوة جواد النضال والكفاح وفي نفس الوقت استمروا في مد اليد للسلام لأن مقاومتهم لم تكن حرباً من أجل الحرب بل كانت من أجل تحقيق السلام العادل ولم يتركوا مبادرة سلام عادلة إلا وتعاملوا معها .
كانت أول مبادرة فلسطينية للسلام بعد خمس سنوات فقط من انطلاق الثورة حيث طرحت منظمة التحرير فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية على كامل فلسطين يتعايش فيها اليهود والمسيحيين والمسلمين إلا أن دولة الكيان الصهيوني رفضت الفكرة لأنها تريد دولة يهودية خالصة، وفي عام 1982 قبلت منظمة التحرير بقرارات الشرعية الدولية وبدولة على حدود الرابع من حزيران أي على مساحة 78% من مساحة فلسطين، كما شاركت في مؤتمر مدريد للسلام ثم في مفاوضات أوسلو التي أدت لتوقيع اتفاق سلام في واشنطن 1993 إلا أن إسرائيل تنكرت لكل الاتفاقات ومارست على الأرض كل ما من شأنه تعطيل هذا الاتفاق، كما قبلت بخطة خارطة الطريق وبالمبادرة العربية للسلام وما زالت القيادة الفلسطينية تمد يدها للسلام وتطالب بمؤتمر دولي للسلام.
ثلاثة وسبعون عاماً والفلسطينيون يعانون في الوطن المحتل وفي الشتات، وهي معاناة تزيدهم قوة وصلابة وتأكيداً على التمسك بحقوقهم بالحرية والاستقلال وحق العودة وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
الشعب الفلسطيني اليوم لم يعد يُحيي ذكرى النكبة بالحزن والبكاء والتصريحات والمظاهرات فقط بل بتجديد ثورته التي انطلقت عام 1965 وهي ثورة تعم كل ربوع فلسطين بمشاركة ودعم شعبنا في الشتات، ثورة أو انتفاضة تعيد تصويب المسار وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة.
الفلسطينيون اليوم ومن خلال انتفاضتهم المجيدة يقولون للكيان الصهيوني وللعالم: نحن هنا باقون وبحقنا متمسكين وما ضاع حق وراءه مطالب والحق لا يضيع مهما طال الزمن.