الخلافات الفصائلية الفلسطينية وتأجيل الانتخابات

بقلم: د. كاظم ناصر

أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الخميس 29/ 4/ 2021 عن تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني التي اتفقت الفصائل والأحزاب الفلسطينية على إجرائها قبل نهاية هذا العام لموعد غير محدود، وبرر تأجيلها برفض إسرائيل السماح لفلسطينيي القدس المشاركة فيها، وقال ان إجراءها ” يجب أن يشمل كل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس.” وأثار قرار التأجيل ردود فعل فلسطينية وعربية وإسرائيلية ودولية متباينة. فعلى الصعيد الفلسطيني أعربت حركة حماس وعدد من الفصائل والأحزاب عن غضبها ورفضها لقرار الرئيس عباس، وخرجت مظاهرات في الضفة وغزة تطالب بإجرائها في مواعيدها المقررة، وتناقضت التفسيرات وتصاعدت الاتهامات الفلسطينية، خاصة بين فتح وحماس، وازدادت الخلافات والانقسامات الفلسطينية سوأ.
من الواضح أن الفصائل والأحزاب السياسية والشعب الفلسطيني عامة متفقون على أن القدس خط أحمر لا يمكن تجاوزه ويجب إجراء الانتخابات فيها، إلا ان الخلافات حول إمكانية إجرائها تتمحور حول رأيين مختلفتين: فحركة حماس والفصائل الأخرى يعتقدون أنه من الممكن إجرائها في القدس بدون موافقة إسرائيلية، بينما ترفض حركة فتح ذلك وتعتبر موافقة إسرائيل على إجرائها في القدس في غاية الأهمية. وفي محاولة لحل هذه الخلافات دعا الرئيس عباس إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالقرارات الدولية وتتخذ موقفا موحدا من إجراء الانتخابات، لكن حماس وفصائل أخرى رفضت هذه الفكرة واتهمت فتح بالهيمنة والتفرد في اتخاذ القرارات التي تهم الشعب الفلسطيني.
أما عربيا فإن بعض الدول العربية خاصة التي لها حدود، أو علاقات مع الدولة الصهيونية، وتلك التي تستخدم المال السياسي لتعميق الخلافات البينية الفلسطينية واستمرار الانقسام شعرت بالارتياح لتأجيل الانتخابات لأنها تتخوف من .. فوز حماس وتصاعد المقاومة .. مما قد يضعها في مأزق أمام شعوبها ويعرض استمرارها للخطر، وتتخوف أيضا من فوز المستقلين الذين سئموا من خلافات الفصيلين الرئيسيين، وفي حالة فوزهم بعدد كبير من المقاعد فإنهم سيرغمون فتح أو حماس على قبولهم في حكومة ائتلافية قد تنجح في إنهاء الانقسام وتأثر سلبا على هيمنة الفصيلين على القرار السياسي الفلسطيني، وعلى علاقة الفلسطينيين بالعديد من الدول العربية!
وعلى الصعيد الإسرائيلي فإن دولة الاحتلال تعمل ما بوسعها لاستمرار الانقسام والخلافات البينية الفلسطينية وعرقلة إجراء الانتخابات لأنها تخشى أن تفوز بها حماس، أو ينتج عنها تشكيل قيادة فلسطينية مستقلة جديدة ترغب في إثبات قدرتها على إنهاء الانقسام ودعم المقاومة الشعبية للاحتلال، وتفعيل المؤسسات الديموقراطية الفلسطينية والتبادل السلمي للسلطة.
وعلى الصعيد الدولي قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزي بوريل، ان التأجيل ” أمر مخيب للآمال بشدة”، ودعت دول صديقة من بينها روسيا والصين وغيرهما السلطة الوطنية الفلسطينية لوضع جدول انتخابي جديد، وأعربت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا في بيان مشترك عن أسفها للتأجيل، واعتبرته الولايات المتحدة شأنا فلسطينيا داخليا، لكن أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي لم تمارس ضغطا حقيقا على إسرائيل للسماح لفلسطينيي القدس بالمشاركة في الانتخابات.
الشعب الفلسطيني يعتز بدور فتح وحماس والفصائل الأخرى في مقاومة دولة الاحتلال؛ لكنه يشعر بالمرارة لاستمرار الانقسام، وسئم من الخلافات الفصائلية؛ ويجمع على ضرورة إجراء حوار داخلي تشارك فيه جميع الفصائل والأحزاب والقوى السياسية للاتفاق على خطة عمل تضع مصالح الوطن ومقاومة الاحتلال فوق المصالح الفصائلية والحزبية الضيقة؛ وتعتبر إجراء الانتخابات ضرورة لتمكين الشعب الفلسطيني من انتخاب قيادات جديدة قادرة على إعادة توحيده، وبناء مؤسساته الديموقراطية، وتمكينه من إقامة دولته المستقلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى