معضلة الانتخابات الفلسطينية

بقلم: د. إبراهيم ابراش

الانتخابات في فلسطين ليست مجرد تعبير عن إرادة وطنية لممارسة استحقاق ديمقراطي، بل هناك إرادات أخرى خارجية و توجه دولي إقليمي لتغيير النظام السياسي الفلسطيني من خلال بوابة الانتخابات، وهذا ما نلمسه من خلال الانسجام والتفاهم بين عدة أطراف على إجراء الانتخابات الفلسطينية: قطر وتركيا والإمارات ومصر والاتحاد الأوروبي وأمريكا وحتى إسرائيل إن تم القبول بشروطها، بالرغم مما بين هذه الدول من خصومات واختلاف في مراهناتها وأهدافها.
سواء كانت الانتخابات الفلسطينية بإرادة خارجية أو إرادة شعبية أو بكليهما فإنها أصبحت معضلة، فمع مرور كل يوم تبرز إشكالات وتساؤلات جديدة تزيد من حالة ألا يقين من إجرائها ومن قدرتها على تشكيل رافعة تُخرج النظام السياسي من مأزقه، كما أن كل الحديث الطيب حول المصالحة الذي صدر من حركتي فتح وحماس وبقية الفصائل لا يخفي حقيقة أن الشعب الفلسطيني ذاهب لانتخابات في ظل غياب رؤية واضحة لمرحلة ما بعد الانتخابات وشكل التحالفات القادمة وطبيعة النظام السياسي القادم، بمعنى آخر أن الأمور تسير بدون استراتيجية واضحة، الأمر الذي يجعل الانتخابات مغامرة غير مضمونة النتائج.
غياب التوافق الوطني والاستراتيجية الوطنية، كثرة عدد القوائم الانتخابية، الخلل أو التصدع في بعض فصائل منظمة التحرير وخصوصاً حركة فتح ،عدم اليقين من إجراء الانتخابات في القدس، وغياب أي ضمانات دولية حتى الآن بأن الكيان الصهيوني سيلتزم ويعترف بنتائج الانتخابات وبالحكومة التي ستنتج عنها، كل ذلك زاد المخاوف عند الشعب من العملية الانتخابية وخصوصاً بعد تراجع الخطاب التصالحي الذي نتج عن لقاء الفصائل في بيروت ورام الله في سبتمبر 2020 ولقاءات استنبول والقاهرة واخيراً لقاء القاهرة في مارس الماضي .
الانتخابات أصبحت معضلة ومغامرة سواء للأحزاب منفردة أو على المستوى الوطني. فبالنسبة للأحزاب منفردة فإن الانتخابات ستكشف أوزانها الحقيقية وهشاشتها الداخلية، وعلى المستوى الوطني فإنها معضلة كبيرة بسبب قوة تأثير الأطراف الخارجية عليها وعلى مخرجاتها، كما ستكون خطيرة وخطيئة وطنية إن تمت بدون القدس، كما أن تأجيلها وبقاء الأمور على حالها مغامرة أكثر خطورة، وأن يتم تأجيل الانتخابات دون توافق وطني لن يحل المشكلة.
وفي هذا السياق يمكن التوقف عند القضايا التالية :-
أولا : الأحزاب مُكرهة على المشاركة في الانتخابات
بعيداً عن الخطاب الإعلامي الديماغوجي المُعلن للأحزاب والذي يؤكد الحرص والرغبة في إجراء الانتخابات، نعتقد أنه لو تُرِك أمر الانتخابات للطبقة السياسية الحاكمة وللأحزاب القديمة ما فكرت بالانتخابات حتى لا تنكشف أوزانها الحقيقية وفقدانها لشعبيتها، إلا أن المطالب الشعبية الضاغطة ورغبة الخارج وخصوصاً الأوروبيين في إجرائها جرها جراً للدخول في العملية الانتخابية.
ثانياً: صراع على السلطة وغياب البرامج السياسية
من الملاحظ أن كل الأحزاب وأصحاب القوائم الانتخابية يتجنبون الخوض في القضايا السياسية الكبرى. صحيح أن مرحلة الدعاية الانتخابية لم تبدأ إلا أن الأمر يخفي تهرباً مقصودا لغياب رؤية واضحة عند هذه الأطراف، وعند بدء مرحلة الدعاية الانتخابية – في حالة إجراء الانتخابات- سيكتشف الشعب ضحالة وبؤس البرامج الانتخابية.
ثالثاً: قوة تأثير المال السياسي والخطاب الديماغوجي
لأن الأحزاب والمُشكلون للقوائم الانتخابية لا يتوفرون على برامج سياسية وإن صاغوا برامج فإنها ستكون باهتة وغير مقنعة للجمهور فإنهم سيعوضون ذلك بالمال السياسي وبمنافقة الشعب، وهذا بدأ بالفعل منذ صدور قرار الرئيس بالانتخابات، فالكل أكتشف الآن معاناة غزة والفقر في غزة وضرورة تحسين أوضاعها المعيشية والكل يطالب بتصحيح (الخلل) المتعلق بالرواتب، كما أن الأموال تتدفق للضفة وغزة بطرق مشروعة وغير مشروعة، والسلطتان في الضفة وغزة تمنح تسهيلات مادية وغيرها وتحاول تحسين صورتها عند الشعب، وسيظهر بوضوح دور المال السياسي عند بدء الدعاية الانتخابية نهاية هذا الشهر.
رابعاً: مجلس تشريعي مختلف عن سابقيه
الذهاب للانتخابات في ظل عدم حل الإشكالات المتراكمة منذ سنين واستمرار الانقسام بل وتمدده حتى داخل الأحزاب كما هو الحال في حركة فتح وفصائل أخرى في منظمة التحرير، وفشل اليسار في تشكيل قائمة واحدة وتعدد القوائم – 36 قائمة- كل ذلك سيؤدي لمجلس تشريعي مختلف عن المجلسين السابقين وستكون التحالفات صعبة ومختلفة عما كان سابقاً عندما كانت فتح وحماس تتحكمان في المجلس التشريعي وفي شبكة التحالفات، كما أن هذا الوضع التعددي بدون مرجعيات متوافق عليها سيضع تحديات أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية وحتى إن تشكلت قد لا تُعَمر طويلاً.
خامساً: تأجيل الانتخابات بين الحسابات الحزبية وحسابات الرئيس
بالرغم من ارتفاع الأصوات المتخوفة من الانتخابات والمطالِبة بتأجيلها وخصوصا داخل حركة فتح التي تخشى من فقدان أغلبية مريحة تؤَمِن لها استمرار ريادتها وقيادتها لمنظمة التحرير وللسلطة وللنظام السياسي إلا أن من الصعب على الرئيس أبو مازن، الذي يملك وحده قرار التأجيل من عدمه، تأجيل الانتخابات لأسباب فتحاوية، فهذا سيؤثر على مصداقيته أمام شعبه وأمام العالم، كما أن الرئيس أبو مازن راغب في إجراء الانتخابات حتى وإن كانت حركة فتح تعارض، لأنه يعطي الأولوية لمشروعه السياسي الذي أسس له منذ اوسلو وهو مشروع لا يكتمل إلا بانضواء كل أو أغلب الأحزاب السياسية وخصوصاً حركة حماس في التسوية السياسية والسلطة الوطنية من خلال بوابة المجلس التشريعي، السبب الوحيد الذي قد يدفع الرئيس لتأجيل الانتخابات هو رفض إسرائيل إجراءها في القدس .
سادساً: تأجيل الانتخابات ليس حلاً
مع إدراكنا لتخوفات حركة فتح من نتائج الانتخابات، وتفهمنا أن إجراء الانتخابات بدون القدس سيتم تفسيره بأنه موافقة فلسطينية على أن القدس جزء من إسرائيل وخارج حدود الدولة الفلسطينية الموعودة، إلا تأجيل الانتخابات لن يحل المشكلة حيث سيستمر الانقسام ولن تتغير وضعية القدس، كما أن تأجيل الانتخابات لن يغير من واقع حركة فتح لأن مشاكل فتح الداخلية سابقة للعملية الانتخابية حتى وإن كانت هذه الأخيرة كشفت المستور.
سابعاً: حتى لا يؤدي التأجيل إلى تعميق الخلافات الداخلية
قرار تأجيل الانتخابات بسبب القدس يجب أن يكون بتوافق وطني مع وضع استراتيجية أو خطة وطنية للحفاظ على الحد الأدنى من المصالحة أو التوافق حتى لا يتكرس الانقسام وتفلت الفتنة من عقالها. في حالة إصدار الرئيس قرار تأجيل العملية الانتخابية أو تعليقها ورفضت بعض الأحزاب هذا القرار فعليها التقدم برسالة رسمية للرئيس أبو مازن وللجنة الانتخابات المركزية تعلن فيها أنها مع إجراء الانتخابات بدون القدس، أو تقترح آلية لتجاوز قرار المنع الإسرائيلي بدلاً من تحميل الرئيس وحركة فتح مسؤولية تأجيل الانتخابات.
ثامناً: إسرائيل هي المسؤولة عن إعاقة الانتخابات
الإصرار على إجراء الانتخابات بالرغم من كل ما ذكرناه من عيوب وثغرات وتحديات رسالة للعالم أن الشعب الفلسطيني يؤمن بالديمقراطية وقادر على دفع استحقاقاتها وأن المشكلة تكمن في الكيان الصهيوني الذي يُعيق العملية الانتخابية من خلال رفض إجرائها في مدينة القدس والتضييق على المرشحين للانتخابات والشروط التي يضعها مسبقاً لاستكمال المسار الانتخابي وللتعامل مع الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات.
تاسعاً: ماذا لو لم تم تأجيل الانتخابات؟
إذا تم تأجيل الانتخابات فهذا معناه عدم إجرائها في المدى القريب على أقل تقدير، وفي هذه الحالة سيتكرس الانقسام وسيتم البحث عن آلية لإدارة الانقسام، أو سيتم الإعلان رسمياً عن فصل قطاع غزة وقد تلجأ حركة حماس ومواليها من الأحزاب إلى إجراء الانتخابات في غزة فقط وتشكيل حكومة أو إدارة لغزة، وفي هذه الحالة لن تكون هناك مقاومة في غزة لا عسكرية ولا سلمية لأنه سيمارس على حكومة غزة ما يتم ممارسته على حكومة السلطة في الضفة، كما سيكون موقف القيادة الفلسطينية أكثر ضعفاً في أية مفاوضات قادمة مع إسرائيل.
[email protected]

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى