الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد، هو صاحب الحنجرة الذهبية والصوت الذي ينفذ الى الروح بتلاوة تهدئ الأعصاب وتعطر النفوس والقلوب، فقد وهبه الله صوتا بديعا لا مثيل له حتى أصبح أبرز قراء مصر والعالم العربي والإسلامي، وبلغ صوته أفاق العالم أجمع بعذوبته وجمال إبداعه وحسن أدائه وطول نفسه الذي ظل يميزه عن غيره.
ولد الشيخ عبدالباسط عام 1927 بمدينة أرمنت التابعة لمحافظة قنا المصرية، حيث نشأ في بيئة تهتم بالقرآن الكريم حفظاً وتجويداً، فالجد الشيخ عبدالصمد كان من الحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده، والوالد هو الشيخ محمد عبدالصمد كان أحد المجودين للقرآن، أما الشقيقان محمود وعبدالحميد فكانا يحفظان القرآن بالكتاب فلحق بهما أخوهما عبدالباسط وهو في السادسة من عمره، وأتم حفظ القرآن كاملا في العاشرة من عمره.
وفي عام 1940 بدأ الشيخ يحترف قراءة القرآن وكانت أول لياليه في قريته في مأتم أحد أقاربه، وقرأ عشر ساعات كاملة ثم أخذ مبلغ مقابل قراءته في الصباح، وكان المبلغ عشرة قروش فضة كبيرة .
واشترى الشيخ بعض الحلويات ثم وضع الباقي في حصالة، فقد كان حلمه الكبير أن يركب القطار إلى بلد بعيد، وفي سن الخامسة عشر تحقق حلمه الكبير وركب القطار من أرمنت إلى قرية مجاورة، وسهر هناك حتى الصباح يتلو القرآن الكريم وعاد ومعه خمسة وعشرون قرشا كاملة.
وهكذا بدأت شهرته من خلال إحيائه مولد الحجاج بالأقصر ومولد العارف بسوهاج، وفي عام 1950 حضر إلى القاهرة لمولد السيدة نفيسة فقدمه شيخه “على سبيع” وقرأ من سورة الأحزاب، وإذا بالجماهير الغفيرة تنبهر إعجابا لهذا الصوت الرفيع الرخيم والجديد الذي لا يقلد غيره ويقرأ القرآن بطريقة فريدة جذابة، وبعدها بعام اعتمدته الإذاعة وبدأت شهرته الواسعة بعد ذلك.
جاءت أول زيارة للشيخ خارج مصر عقب التحاقه بالإذاعة عام 1952 للسعودية لأداء فريضة الحج بصحبة والده، وقد طلب منه مسئولو المملكة أن يسجل عدة تسجيلات لها، ووافق الشيخ وسجل عدة تلاوات أشهرها تلك التي سجلت بالحرم المكي والمسجد النبوي الشريف، ليلقب بعدها “بصوت مكة”، وتعددت بعدها الزيارات للسعودية.
وبشكل عام جاب الشيخ العالم بأسره ومن أشهر المساجد التي قرأ بها القرآن، المسجدان الأقصى والإبراهيمي بفلسطين، والمسجد الأموي بدمشق، وأشهر المساجد بآسيا وإفريقيا والولايات المتحدة وفرنسا ولندن والهند ومعظم دول العالم.
يتذكر أغرب رحلاته الرمضانية فيقول: «لقد صمت رمضان لـ 31 يوما.. كنت قد بدأت الصوم في مصر ثم سافرت للمغرب لأقضي 30 يوما أخرى، كما اعتز بأنني القارئ المصري الوحيد الذي اقتحم أسوار التفرقة العنصرية حيث طلبني المسلمون في جنوب إفريقيا، ووافقت الحكومة المصرية بعد إلحاح من المسئولين هناك، وقد فوجئت عند نزولي من سلم الطائرة بوجود أكثر من 10 آلاف مسلم في استقبالي بالموسيقى والزغاريد والهتاف في يوم لا أنساه».
ويعتبر الشيخ عبدالباسط هو القارئ الوحيد الذي نال من التكريم حظا لم يحصل عليه أحد، فحصل على وسام الاستحقاق من سوريا ثم وسام الأرز من لبنان، والوسام الذهبي من ماليزيا، ووسام الاستحقاق من السنغال، والوسام الذهبي من باكستان، ووسام الإذاعة المصرية وغيرها الكثير.
وفي عام 1985 اختير كأول نقيب للقراء في مصر حيث قام بجهود كبيرة لإنشاء النقابة، وفي عام 1986 تعرض الشيخ لحادث بالسيارة وبعد الحادث بعامين شعر بإجهاد شديد وقام بإجراء الفحوصات التي أثبتت إصابته بالكبد نتيجة البلهارسيا، فأحس بدنو أجله وعاد إلى بلده إلى أن رحل عام 1988 بعد عطائه للقرآن الكريم الذي استمر خلال نصف قرن من الزمان، وكانت جنازته وطنية ورسمية على المستويين المحلي والعالمي، ورغم اكتظاظ الساحة بالعديد من القراء يظل الشيخ عبدالباسط سفير القرآن على مستوى العالم العربي والإسلامي.
تزوج الشيخ عبدالباسط من ابنة عمه ورزق بأحد عشر ابنا، وجميعهم حفظوا القرآن وامتازوا بحلاوة الصوت مثل والدهم، ولكن لم يكمل مسيرة القراءة إلا اثنين فقط هما العميد طارق والشيخ ياسر.