يومُ الاستقلالِ الإسرائيلي احتفالاتٌ عربيةٌ ومباركةٌ رسميةٌ

بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي

إنه يومٌ أسودٌ مؤلمٌ حزينٌ لا ينسى من ذاكرتنا، ولا يشطب من تاريخنا، ولا تغيب مأساته عن أجيالنا، وسيبقى سبةً في جبيننا، ونقيصة في حياتنا، وعاراً يلاحقنا إلى أن نشطب هذه الصفحة المعيبة من سجلاتنا، ونغسل بمقاومتنا شرفنا ونستعيد بها عزنا، ونطهر بها أرضنا، ونطرد منها عدونا، ونعود إليها كرماء أعزاء، مرفوعي الرأس موفوري الكرامة، بلا شروطٍ مذلةٍ ولا تنازلاتٍ مؤلمةٍ، وإلا سيبقى أسوأ أيام صحائفنا، وأكثرها ذلاً في تاريخنا، وسندفع ثمنه من كرامتنا ما حيينا، إذ لا يشبهه في تاريخنا شيء سوى سقوط الأندلس فردوس العرب والمسلمين، التي كان لنا فيها عزاً ومجداً أضعناه بأنفسنا، وفرطنا فيه بإرادتنا، وما دافعنا عنه بقوتنا.

إنه يوم النكبة الكبرى التي مُنِيَّ بها العرب جميعاً والفلسطينيون، اليوم الذي هُزمت فيه الجيوش العربية واندحرت، وسلمت أنظمتها فلسطين وخضعت، وكُتب عليها الذل ما بقيت، وانهارت أمام العصابات اليهودية وانكسرت، وفقدت كرامتها وهانت، إنه اليوم الذي ضاعت فيه عروس العرب والمسلمين فلسطين واحتلت، وسكنها الغرباء واستُعمرت، وطرد سكانها الوافدون واستُوطنت، ودنس اليهود مقدساتها ولُوِّثت، وغدا سقوطها نكبةً ننتحب عليها كل عامٍ، ونبكيها كل سنةٍ، ولكننا نحيي ذكراها بأملٍ كبيرٍ وعزمٍ شديدٍ أننا إليها سنعود، وسنحررها بإذن الله وعداً، وسنستعيدها مهما طال الزمن حتماً.

ونحن نحيي بأسى ذكرى النكبة، ونستعيد الذكريات المؤلمة، ونبكي الأمجاد الضائعة، يحتفل الإسرائيليون بزهوٍ وفرحٍ بيوم الاستقلال، وهو يوم نكبتنا الذي سكنوا فيه بلادنا واحتلوا أرضنا، وأقاموا فيه كيانهم، وأعلنوا فيه دولتهم، واعترفت دول العالم بهم، وهي تعلم أنهم عصاباتٌ مسلحةٌ، وجماعاتٌ وافدةٌ، ومهاجرون أجانب لا علاقة لهم بالأرض ولا يربطهم بها شيءٌ سوى الاستيطان والاستعمار، والاحتلال والعدوان، إذ طردوا شعباً من أرضه، واحتلوا ديارهم وسكنوا دورهم، وعاثوا فساداً في ممتلكاتهم، ودنسوا مقدساتهم، وحولوا بعضها إلى مراقص وحانات، وإلى مخازن واسطبلات.

الإسرائيليون فرحون هذا العام جداً وسعداء كثيراً، فهذا العام يختلف عن سابقيه ويتميز، فهم سيحيون ذكرى “يوم الاستقلال” في أكثر من عاصمةٍ عربيةٍ، وسيحتفلون به فيها علناً وصراحةً، وسيرفعون أعلامهم في سمائها خفاقة، وسيرددون أناشيدهم القومية عالياً، وسيرقصون على أنغام موسيقاهم الوطنية، وسيشربون الخمور ويتبادلون الأنخاب سعادةً، وستقف شرطتنا العربية تنظم السير لهم أمام مقرات الاحتفال، وسينتشر رجال الأمن لحمايتهم ومنع أي حدثٍ قد يشوش عليهم، أو يسبب لهم اضطراباً أو قلقاً، وستنقل وسائل الإعلام العربية وقائع الاحتفال وصور المشاركين وكلمات التهنئة والمباركة.

وقد يستأجرون لإحياء مناسبتهم الأليمة علينا أوسع القاعات في أفخم الفنادق العربية، وسيدعون إليها كبار الشخصيات ومشاهيرها، من رجال السياسة والإعلام والفكر وغيرهم، ليشاركوهم الجريمة، ويحتفلوا معهم بيوم استقلالهم، ويصافحوا سفراءهم ويقدموا لهم المباركة والتهنئة، وهم يعلمون أنهم إنما يباركون لهم في يوم هزيمتنا، ويهنئونهم بذكرى نكبتنا، والإسرائيليون يعلمون ذلك ويتعمدونه، ويحرصون عليه ويسهلونه، فهذا نصرٌ آخر يحققونه، وانجازٌ جديدٌ يضيفونه إليهم، فقد كان حلمهم أن يحيدوا دولاً عربيةً، وأن يضمنوا هدوءً مع جبهاتٍ عربيةٍ كانت تقاتلهم، وجيوشٍ كانت تعدهم محتلين وتصنفهم أعداءً.

إنها ليست المرة الأولى التي يحتفل فيها الإسرائيليون بيوم الاستقلال في عواصم عربيةٍ، فقد سبق لهم أن احتفلوا به في القاهرة وعمان، ولكنهم اليوم سيحتفلون به إضافةً إلى القاهرة وعمان، في دبي وأبو ظبي، وفي الخرطوم والمنامة، وفي الرباط وربما سراً في غيرها، ولن يتردد الإعلام الإسرائيلي ورئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو في الإعلان عن فعاليات هذا اليوم وتغطيتها، ولعلها أعدت العدة وتجهزت، وأعلنت عن برامجها ونشرتها للعامة والخاصة، فهذا شأنٌ به يفتخرون ويفرحون.

وقد يرسل نتنياهو موفدين من طرفه للمشاركة وتأكيد العلاقة، فهو لا يحرص على التنظير لنفسه في الأوساط الحزبية الإسرائيلية وحسب، بل يريد أن يوهن عزائم الشعوب العربية، وأن يحبط نفوسها، ويضعف إرادتها، ويريد أن يرسل رسالةً إلى الفلسطينيين ومقاومتهم مفادها أنكم أصبحتم وحدكم ولا أحد معكم، وأن الدول العربية قد تركتكم وتخلت عنكم، فاقبلوا بما نعرضه عليكم ووافقوا عليه، وإلا فستخسرون كل شيء، ولن تجدوا أحداً يخدمكم أو يتعاون معكم، فقد بتم وحدكم لا يؤيدكم أحد، ولا يساندكم في قضيتكم نظامٌ.

يحزن الفلسطينيون على هذا الحال الذي وصلت إليه أنظمتنا العربية، وقد تخلت عن ثوابتها القومية ومعتقداتها الدينية، وسمحت للعدو أن يجوس في بلادها، وأن يعبث في أوطانها، وأن يتباهى فيها بجريمته، وأن يحتفل على أرضها باحتلاله لأرضنا واستيطانه فيها، ولعلها بما تقوم به تضر نفسها وتعرض أمنها للخطر، فهذا عدوٌ خبيثٌ لا يؤمن جانبه، ولا نطمئن إليه ولا نسلم من بوائقه، فهو لا يتمنى لأمتنا الخير، ولا يحرص على مصالحنا، ولا يتطلع إلى أمننا، بل كل ما يريده السيطرة على خيراتنا، والاستيلاء على المزيد من حقوقنا، فهو الذي يتربص بنا ويتآمر علينا، وإن تظاهر أنه محبٌ لنا ومسالمٌ معنا.

ألم يكن حرياً بأنظمتنا العربية وجديراً بها أن تحيي يوم النكبة الفلسطينية، وأن تسمح لشعوبها بالتعبير عن مشاعرها وإظهار تأييدها، وإعلان ولائها لفلسطين وإخلاصها لشعبها، فهذا لعمري يرضي الله عز وجل ويسعد رسوله الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم، خاصةً أن ذكرى النكبة لهذا العام تصادف حلول شهر رمضان المعظم، الشهر الذي يحمل معه دوماً عظمة الانتصارات وشموخ العزة، وأمتنا العربية لا زالت بخيرٍ، صادقة الوعد أمينةً على العهد، أم أن إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية بسخط الله عز وجل أولى، وموالاة العدو ومصالحته بغضبه سبحانه وتعالى أوجب.

بيروت في 12/4/2021
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى