بزيارته ضريح عبد الناصر.. الرئيس التونسي يسجل هدفا ًمُحكماً في مرمى حركة النهضة الاخوانية
زار رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، صباح امس السبت، أضرحة الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات والجندي المجهول، في القاهرة.
وتداول البعض ما كتبه الرئيس التونسي في سجل زيارات ضريح جمال عبد الناصر، وشكك البعض في صحة ما جاء فيها، وهو ما ردت عليه الرئاسة التونسية بنشر نص ما كتبه قيس سعيد في السجل.
ونشرت الصفحة على “فيسبوك” صورا لزيارة سعيد لضريح عبد الناصر منها صورة لما كتبه في سجل الزيارات، وجاء فيه: “وقفت اليوم أمام ضريح الزعيم جمال عبد الناصر، مترحما على روحه الطاهرة ومتذكرا مواقفه ومناقبه”.
وأضاف: “كنا في تونس نتابع خطبه، ولازالت العديد من مواقفه حاضرة في أذهان الكثيرين، رحمه الله رحمة واسعة وألحقه بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد”.
وفي صور أخرى ظهر الرئيس التونسي إلى جوار عبد الحكيم عبد الناصر، الابن الأصغر للزعيم المصري الراحل.
ونشرت الصفحة الرسمية، كذلك، مقطعا مصورا لسعيد أثناء زيارته إلى الأضرحة الثلاثة، حيث وضع أكاليل زهور وتلا الفاتحة ترحما على أرواحهم.
وكان الرئيس التونسي قد وصل إلى القاهرة، أمس الاول الجمعة في زيارة رسمية لمدة 3 أيام، حيث كان في استقباله الرئيس عبد الفتاح السيسي بمطار القاهرة الدولي، بعدها عقد الجانبان لقاء قمة مصرية تونسية، للتباحث حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المتبادل، وكذلك سبل تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون المشترك في المجالات كافة، خاصة على المستوى الأمني والاقتصادي والاستثماري.
وقد عكست القمة التي أجراها الرئيسان أجواء التناغم والتماهي في المواقف بينما حول العديد من القضايا على غرار ملف المياه ومكافحة الإرهاب والمتطرفين، وهو ما يزعج حركة النهضة الإخوانية في تونس التي تخوض صراعا مع الرئيس سعيد.
كما أكدت هذه القمة عمق الجسور السياسية بينهما، وبدا التوافق لافتا في عدم الوثوق في نوايا تيارات الإسلام السياسي ومن يمثلونهم على صعيد الإخوان في مصر وحركة النهضة في تونس.
وقال الرئيس سعيد في مؤتمر صحافي مع السيسي “بالنسبة إلى التوزيع العادل للمياه أقولها وأكررها أمام العالم كله نحن نبحث عن حلول عادلة، ولكن الأمن القومي لمصر هو أمننا وموقف مصر في أي محفل دولي سيكون موقفنا، ولن نقبل أبدا بأن يتم المساس بالأمن المائي لمصر”.
وألمحت مصادر مصرية إلى أهمية تصريحات الرئيس التونسي كدليل على وجود تفاهمات بين البلدين لتتولى تونس، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن الدولي حاليا، طرح ملف المياه على المجلس وهي داعمة بقوة لرؤية القاهرة.
وساد شعور بالارتياح لدى المصريين من تأييد سعيد لبلدهم في أزمة المياه مع إثيوبيا، وتحولت الزيارة التي استهلها بزيارة معالم تاريخية في القاهرة إلى علامة مهمة على توافق كبير معه بعد تصاعد الخلاف بينه وبين زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.
وظهر الرئيس سعيد كمن يسعى للاستفادة من التجربة المصرية في التعامل مع المتشددين وجماعة الإخوان التي تنتمي إليها النهضة فكريا وتحاول ممارسة ألاعيب تمكنها من السيطرة على مفاتيح الحل والعقد في البلاد.
وقال الخبير في شؤون الحركات الإسلامية سامح عيد إن الزيارة بحد ذاتها تحمل عنصر “مكايدة لإخوان تونس، ووجوده بالقاهرة في هذا التوقيت يشكل نوعاً من الضغط المعنوي على الحركة لحلحلة الأزمة الراهنة”.
وأضاف في تصريح صحفي إن تنظيم الإخوان بمصر لم يعد فاعلاً سياسياً، لكنه سوف يصب اللعنات على الرئيس التونسي استمراراً لحالة القطعية الحالية بينه وبين الغنوشي، ولن يمنعهم ذلك من التعويل على إخوان تونس والترويج للتجربة الديمقراطية هناك وإمكانية تطبيقها في مصر مستقبلا.
وخلقت الزيارة فرصة للتفاهم لتطويق الجماعات الإرهابية النشطة في المنطقة التي تصل روافدها إلى البلدين، ووضعت أطرا للتعاون والتنسيق في مشروعات إعادة الإعمار في ليبيا، فكل بلد يسعى للحصول على جزء كبير من هذه الكعكة.
ويعلم المصريون أن أهل تونس أدرى بشعابها السياسية، لكن لم يتوقف المهتمون منهم عن متابعة ما يجري من تطورات بعد أن أنهى الرئيس سعيد الهواجس التي أحاطت به في البداية من حيث وجود علاقة خفية تربطه بجماعة الإخوان، وأثبت أنه ليس صيدا سهلا لهم ويؤمن بالدولة الوطنية دون انحيازات عقائدية.
كانت هذه واحدة من الإشارات القوية على أن الرجل في طريقه للصدام السياسي لا محالة مع حركة النهضة التي أعادت بتصرفاتها الشعبوية تكرار مشاهد رآها المصريون خلال العام الذي تولى فيه الإخوان حكمهم، وكادت الجماعة تدخل البلاد في دوامة طويلة من العنف.
وقد شدت التجربة الديمقراطية في تونس انتباه شريحة كبيرة من المجتمع المدني في مصر واعتبرتها نموذجا ناضجا كانت تتمنى حدوثه بعد ثورة 25 يناير 2011، وعندما بدأ التصعيد يرتفع في تونس تأكدت هذه الشريحة أن الإخوان والتعددية لا يجتمعان، ما جعل النموذج التونسي يواجه مطبات قد تكون أشد صعوبة من مصر.
ويشير متابعون إلى أن الصعوبة تأتي من هيمنة النهضة على البرلمان التونسي الذي منحه الدستور صلاحيات واسعة، وتفشيل محاولات إسقاط رئيسه وزعيم الحركة الغنوشي، والتوغل في مؤسسات الدولة على مدار السنوات الماضية، والنجاح في استقطاب قوى مدنية، ومحدودية القبضة الأمنية في الدولة التونسية مقارنة بمصر.
ويرى هؤلاء أن التجاذبات في تونس مرشحة للتزايد، وربط البعض التصعيد الراهن بين القوى السياسية والنهضة وبين زيارة الرئيس سعيد للقاهرة بما يوحي بعدم العودة عن طريق المواجهة.