اتفاقية التعاون الإيراني الصيني وانعكاساتها على العالم العربي
بقلم: د. كاظم ناصر
بعد خمس سنوات من المفاوضات، وقع وزيرا خارجية الصين وإيران يوم السبت 27 مارس 2021 اتفاقية تعاون تجاري واستراتيجي بين البلدين مدتها 25 عاما، وتعتبر تحديا سياسيا واقتصاديا، وضربة لأعداء البلدين خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي حاصرت إيران وفرضت عليها عقوبات اقتصادية وسياسية منذ قيام ثورتها الإسلامية عام 1979. وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن الاتفاقية تضمنت خطة طريق متكاملة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية واستراتيجية، وان علاقات بلاده مع إيران ” لن تتأثر بالوضع الراهن، بل ستكون دائمة واستراتيجية” لأن إيران دولة كبيرة لها ثقلها الشرق أوسطي والدولي و” تقرر بشكل مستقل علاقاتها مع الدول الأخرى، وليست مثل بعض الدول التي تغير مواقفها بمكالمة هاتفية.”
فما الذي ستستفيد منه الصين وإيران من هذه الاتفاقية على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية؟ على الصعيد الاقتصادي ستكون للاتفاقية تداعيات إيجابية هامة على اقتصاد البلدين؛ فالاقتصاد الصيني هو الثاني في العالم، ومن المتوقع أن يكون الأول خلال السنوات القليلة القادمة؛ وإيران تواجه حصارا أمريكيا تسبب في تعرضها لضغوط اقتصادية هائلة؛ ولهذا فإن هذه الاتفاقية ستمكن إيران من الشراكة مع دولة عظمى كالصين التي تقول التقارير بأنها ستستثمر 280 مليار دولار في صناعة النفط والغاز الإيراني، و 120 مليار دولار في قطاع النقل والبنية التحتية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ هذا التبادل التجاري الضخم سيساعد إيران في مواجهة الحصار الاقتصادي والتقني والسياسي الأمريكي المفروض عليها، وفي حصولها على معظم ما تحتاج اليه من تقنية متطورة واسلحة حديثة وسلع لأسواقها المحلية، وضمان تصدير نفطها للصين لمدة 25 عاما.
وبالمقابل الصين شريك تجاري مهم للجمهورية الإسلامية وكانت مستوردا رئيسيا للخام الإيراني قبل إعادة فرض العقوبات الأمريكية عام 2018 ما أدى إلى تراجع صادرات النفط الإيراني، وإلى تراجع التجارة بين بكين وطهران إلى 16 مليار دولار عام 2020 مقارنة ب 51.8 مليار دولار عام 2014. وبناء على الاتفاقية ستحصل الصين على جميع حاجاتها من النفط الإيراني بأسعار مخفضة خلال ال 25 عاما القادمة، وتمكنها من تصدير منتجاتها لإيران. وتأتي هذه الاتفاقية أيضا ضمن إطار مشروع ” طريق الحرير الجديدة ” الضخم للبنية التحتية الذي أطلقته الصين بالتعاون مع 130 بلدا، والذي يهدف إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع آسيا وأوروبا وأفريقيا، ويدعم مخططاتها للهيمنة على الاقتصاد العالمي.
وعلى الصعيد السياسي والاستراتيجي تعكس هذه الاتفاقية الطموح الصيني للعب دور أكبر في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة منطقة الخليج الغنية بالنفط، وتأتي كدعم لمخططاتها للتوسع عالميا بمشاركة حلفاء يعتمد عليهم مثل إيران يساعدونها في تنفيذ خططها الاستراتيجية للوصول إلى أكبر عدد من الموانئ لتعزيز نفوذها التجاري والعسكري؛ فقد أشارت بعض التسريبات إلى أن بكين ستشيد قاعدة عسكرية في جزيرة كيش الواقعة في الخليج العربي تمكنها هي وإيران من لعب دور هام في التحكم بالممرات البحرية في المنطقة، وفي التصدي لنفوذ أمريكا وحلفائها في منطقة الخليج؛ وتأتي هذه الاتفاقية أيضا كرد صيني على السياسات العدوانية الأمريكية التي تهدف إلى إعاقة تقدم الصين المتسارع وإبطاء مخططاتها لقيادة العالم اقتصاديا وسياسيا خلال السنوات القليلة القادمة.
الاتفاقية الإيرانية الصينية لن تضر بالمصالح العربية كما يدعي بعض الحكام العرب المعادين لإيران الخاضعين للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية؛ بل وعلى النقيض من ذلك، فإن هذه الاتفاقية ستعزز قدرات إيران الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وتمكنها من تقديم المزيد من الدعم لمحور المقاومة، وتساعدها في التصدي للوجود الأمريكي والتمدد الصهيوني، وفي إحداث تغييرات إيجابية في المنطقة، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي المتحالفة مع أمريكا ودولة الاحتلال!