اليوم معكم وغدا عليكم
بقلم: د. معراج أحمد معراج الندوي*

رحم الله العام 2020م الذي شهد الكثير من الأحداث والتغيرات منها فيروس كوورنا الذي قطف حصاده الملايين من البشرية، ومنها التغيرات من المواقف السياسية للدول العربية في القضية الفسطنية. وهذا هو العام الذي شهد أحداثا مؤسفة ومنها جائحة كورونا والتي لم تبق جزءا من العالم إلا وتركت فيه أثر واضح، ولعل هذا الأثر لا ينسي التاريخ أبدأ، وفي هذا العام شهد العالم العربي أكثر خطر من كورونا وهي تطبيع الدول العربية واحد تلو الأخرى مع الكيان الصهيوني الغاصب.
طبعت ثلاث دول عربية متتالية في هذا المشهد المروع لدولة فلسطين من الأشقاء العرب بالتطبيع، ومن الكيان الصهيوني من الداخل والذي بات واضحا من الحصار والضرب والإعتقال في سجون الصهاينة وحرب العصابات وهدم المنازل وتقطيع الأشجار وعمليات الإبادة الجماعية، ومنع المساعدات الإنسانية لا تزال جارية من قبل الكيان الصهيوني. لم يمنع الكيان الصهيوني من ممارسة كل أشكال العدوان والحرب والحصار والاستيطان على إسم الدفاع.
وانضم المغرب إلى قطار “التطبيع” ليصبح البلد الرابع في العالم العربي الذي يعلن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، توقيعه اتفاقية مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين والسودان. ويذكرنا إعلان الرئيس الأمريكي خطته التي وصفها “صفقة القرن”. رسمت هذه الخطة حسب زعمه مستقبلا زاهرا للشعب الفلسطيني والإسرائلي، ولكن رفضها الشعب العربي، كما أعلنت الدول العربية جميعها بأنها لن تقبل بحل لا يتضمن قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، والسبيل الوحيد تأسيس دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل عام 1967م.
إن مبادرة السلام من قبل الدول العربية هي عملية من شأنها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، بحيث يأتي التطبيع بعد اختتام هذه العملية. وفي السنوات الأخيرة، أعادت العديد من دول الخليج العربية النظر في تصورها لهذا الجدول الزمني. فإن ذلك ستقابله عروض دبلوماسية عربية لا ترقى لمستوى الاعتراف الكامل.
وفي عام 1979م كانت مصر هي أولى الدول العربية التي عقدت اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني، وكانت اتفاقية مشروطة بتطبيع العلاقات مقابل إخلاء الأرض، وهنا نتسائل أنفسنا.. هل اهتم الكيان الصهيوني بتطبيع العلاقات مع مصر؟ هل خُلعت إسرائيل عن الأراضي الفلسطنية؟
وفي عام 1994م كانت المملكة الأردينة ثاني دولة عربية طبعت العلاقات مع إسرائيل، ولكن ظهرت النتيجة على عكس كما تصورت، ولم يفعل الكيان الصهيوني إلا إلتمدد في الاحتلال الأراضي الفسلطينة، هكذا يحكي لنا التاريخ.
إن الدول العربية تطبع العلاقات مع الكيان الصهيوني ضاربة عرض الحائط بأحلام الشعب الفلسطيني من قيام دولة مستقلة، التطبيع الجديد ليس فقط الاعتراف بالكيان الصهيوني الإستعماري وإقامة علاقات دبلوماسية معه، بل في تبني بعض المطبعين للرواية الصهيونية التي تزعم بأن إسرائيل كانت دوما تسعى للسلام، وأن المقاطعة العربية والمقاومة الفلسطينية هما العائق أمام تحقيق سلام في المنطقة والعالم.
التطبيع لن يغير من حقائق وواقع الصراع كصراع فلسطيني إسرائيلي وأن إسرائيل دولة استعمارية عنصرية، والتطبيع مع الكيان الصهيوني يتعارض مع ما أُقرّ في القمم العربية التي نصّت بشكل واضح، على أنه لا تطبيع دون إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
التطبيع ما هو إلا خطوة جديدة على طريق إقامة دولة إسرائيل الكبرى. وهو الهدف الجوهري للكيان الصهيوني، وهو مشروع في تمزيق العالم العربي والإسلامي واحتلال الأراضي الفلسطينية كلها وتكريس الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية والإسلامية.
تمكن الصهاينة من زرع هذا الوهم في عقول حكام العرب الذين لم يعاصروا تاريخ الصراع في المنطقة. والتطبيع لا يؤدي إلى إنهاء الصراع، بل يضعف موقف الشعب العربي من القدس مما يجعل القضية الفلسطينية هي الثمن المدفوع للكيان الصهيويني.
*الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عالية ،كولكاتا – الهند
[email protected]