وقائع تاريخية.. الجنود الألمان يهربون مذعورين من “ساحرات الليل”

عندما اعتدت ألمانيا النازية على روسيا، عام 1941، انبرى شبابها للدفاع عن الوطن. وتطوعت شابات أيضا لهذه المهمة الجليلة، وانتسبت بعضهن إلى القوات الجوية، وتم تشكيل 3 أفواج في سلاح الجو من المتطوعات.

الطائرات الرهيبة

وطارت طيارات أحد الأفواج النسائية على طائرات “أو-2” وهي طائرت بسيطة مصنوعة من الخشب أو الورق المقوى تستطيع الصعود إلى ارتقاع لا يتجاوز 500 متر ولا تستطيع التحليق بسرعة تزيد على 100 كيلومتر في الساعة. واستخدمت هذه الطائرت في وقت السلم لتدريب الطيارين المبتدئين والمظليين.

وضحك الغزاة في البداية لدى رؤيتهم هذه الطائرات التي لا يمكن، برأيهم، أن تشكل أي خطر ويمكن إسقاطها بسهولة. وازدادوا سخرية حينما علموا أن هذه الطائرات تقودها شابات.
غير أن موقف الغزاة تغير بعد أن أبزرت الطيارات مهارات خارقة حتى أن المرح لدى الجنود الألمان تحول إلى ذعر، وصاروا يترقبون بخوف حلول الليل حيث يمكن أن تنهال على رؤوسهم القنابل من السماء حين تظهر فيها “ساحرات الليل” وفقا لتعبيرهم.

المهارات العجيبة

وقامت الطائرات بقيادة “الساحرات” بالحركات العجيبة التي بدت للمراقب من قبيل السِحر، وذلك من أجل تفادي الإصابة بقذائف المدفعية المضادة للطائرات والهروب من ضوء كشافات الدفاع الجوي.

وتخلت “ساحرات الليل” عن كل شيء وحتى الباراشوت، لكي تحمل طائراتهن المزيد من القنابل. ولذلك لم يكن ثمة أمل في نجاتهن في حال أصيبت طائراتهن. وفقد فوج “الساحرات” خلال الحرب 32 من أفراده.

غارة “ساحرة الليل”

وحكت إحدى “الساحرات”، ناتاشا ميكلين، في كتاب ذكرياتها، قصة إحدى غاراتها حيث كان على طائرتها أن تُغير على قطارات الجيش الألماني قرب مدينة كيرتش:

“طارت الطائرة لبعض الوقت فوق الغيوم، وقُدت الطائرة إلى ما تحت الغيوم بعد أن قالت ملّاحة الطائرة حان لنا أن نقترب من الأرض. وخرجنا من الغيوم على ارتفاع 500 متر. ورأيتُ محطة القطارات. ورأى جنود الدفاع الجوي الألمان طائرتنا أيضا. لكنهم تريثوا ولم يبدأوا بإطلاق النار. وشعرت بالبرد في معدتي وكأنني ابتلعت ضفدعا. وهذا يعني أن الخوف انتابني وهو الخوف الذي يجب أن أتجاوزه”.
وتابعت بقولها:”باشرت المدفعية المضادة للطائرات العمل، والتزمت بالمسار الذي حددته الملاحة نينا لإلقاء القنابل على قطارات العدو. وكنت في نفس الوقت أدفع بالطائرة إلى اليمين أو اليسار أو الأسفل للهروب من القذائف التي كانت تنفجر حول الطائرة، غادرنا إلى الشمال حيث البحر، واستمرت كشافات الدفاع الجوي في ملاحقتنا حتى اقتراب الطائرة من سطح البحر، ورأيت ثغرتين كبيرتين في الجناح السفلي، ولكن الطائرة طارت وهو ما أبعد الخوف عني”.
وقامت ناتاشا بـ982 طلعة قتالية بينما أنجزت طائرات الفوج النسائي 24000 رحلة جوية قتالية ألقت فيها 3000 طن من القنابل على العدو.

نبذة عن حياتها

ولدت ناتاشا في عام 1922 من أبوين روسيين في مدينة لوبني التابعة لجمهورية أوكرانيا. مارست الطيران على الطائرات الشراعية كهواية عندما تلقت العلوم في المدرسة. وبعدما أكملت الثانوية انتسبت إلى معهد الطيران في موسكو.

بعدما اعتدت ألمانيا على بلدها في عام 1941 شاركت في جهود إقامة الحواجز ضد الدبابات في مناطق قريبة من موسكو. في أكتوبر/تشرين الأول 1941 قدمت طلباً للالتحاق بالفوج النسائي الذي تم تشكيله في القوات الجوية. قضت 7 أشهر في تعلم الطيران والتدريب. ثم طارت إلى جبهة القتال. في 23 فبراير/شباط 1945 حصلت على لقب بطل الاتحاد السوفيتي.

في عز الشباب

وتراوحت أعمار “ساحرات الليل” بين 15 و27 عاما، أي أنهن كن في عز الشباب. وفي فبراير/شباط 1959 احتضنت دار الجيش السوفييتي في موسكو لقاء جنود الجيش الشبان بطيارات الفوج النسائي السابق. وقامت ناتاشا التي حملت وقتذاك اسم عائلة زوجها كرافتسوف، بإحضار راية الفوج إلى قاعة الاجتماعات. واقتربت منها سيدة مسنة وتساءلت، رامقة إياها بنظرة إعجاب: “كم كان عمرك عندما ذهبت إلى الحرب؟ أنت الآن في عز الشباب.”

وقد توفيت ناتاشا ميكلين (كرافتسوفا) في عام 2005.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى