المطران هيلاريون كابوتشي “حارس القدس”.. في دراما رمضانية بديعة/ فيديو
دمشق – كتبت لمى طيارة
في يناير من العام 2017، توفّي المطران هيلاريون كابوتشي مطران القدس، السوري اللبناني الفلسطيني العربي، كما كان يسميه البعض، ودفن في لبنان، وهو المطران الذي عُرف بصداقته لكل الطوائف والمذاهب وبتعاطفه مع القضية الفلسطينية. وهو رجل الدين المسيحي الذي حاول نفي فكرة الإرهاب التي التصقت بالمسلمين والتي بات المسلمون أنفسهم يتبنونها ويؤمنون بها في بعض الأوقات.
ولكن قبل ذلك التاريخ، أي تاريخ وفاته، ربما هناك جيل كامل حتى من الشباب الفلسطينيين، لم يسمعوا به ولا بمواقفه النضالية والمقاومة لنصرة القضية الفلسطينية والتي تسببت في سجنه وإهانته لسنوات ومن ثم نفيه.
ومن المؤكد أن شخصية المطران هيلاريون كابوتشي التي كانت لسنوات مثار جدل وإعجاب، وربما موضوع خلاف واختلاف في الرأي من قبل الكثير من المفكرين ورجال الدين والساسة وحتى الكتّاب وصناع الدراما، على اعتباره رجل الدين المسيحي المشتبك بالحياة السياسية علنا، والمشارك بنفسه في عمليات عسكرية واسعة وغير مألوفة.
شخصية إشكالية
هذه الشخصية الإشكالية خضعت لجدل آخر مؤخرا، بسبب موقفه السياسي تجاه سوريا إبان اندلاع الأحداث في العام 2011، فهل مسلسل “حارس القدس” الذي يخرجه باسل الخطيب الفلسطيني الأصل سيأتي على الموقفين الخلافيين بنفس الزخم؟ ولماذا عنون العمل بـ”حارس القدس”؟
عن ذلك يقول المخرج باسل الخطيب “لقد قدّم المطران هيلاريون كابوتشي موقفا في غاية الجرأة والتحدّي، ففي الوقت الذي تنأى فيه الكنيسة ومعظم رجال الدين عن التدخّل بالشأن السياسي، وقف هو ليؤكّد أن رجل الدين هو في النهاية راع لقضايا شعبه ومُدافع عن حقوقه. كما أن موقفه من الأحداث في الوطن العربي وسوريا كان حاسما منذ الأيام الأولى، وهذا ما سوف يأتي على ذكره المسلسل بشكل واضح”.
أما في خصوص العنوان، يُضيف “لقد تم اختياره بالاتفاق مع الكاتب حسن م. يوسف، وقد وجدنا أن هذا العنوان أقرب ما يكون للتعبير عن الحالة الروحية والنضالية التي كانت تربط المطران كابوتشي بالمدينة المقدسة”.
ولفت المطران هيلاريون كابوتشي أنظار الإعلاميين والكتّاب منذ خروجه من المعتقل، ومع ذلك لم يتمكن أحد من مقابلته حينها، لأنه كان ممنوعا عليه القيام بأي تصريح للإعلام. ولكن بعد عامين من خروج المطران المحرّر وانتقاله إلى أحد الأديرة في روما التقاه الكاتبان سركيس أبوزيد وأنطون فرنسيس تحديدا في العام 1979، وسجّلا ودوّنا في السجن مذكراته التي كان قد رواها لهما.
لكن المطران وبعد أن انتهى الكاتبان من تجهيز النسخة النهائية وأخذا موافقته على ما ورد فيها رفض نشرها، ويعتقد البعض أن السبب في ذلك يعود إلى احترامه الاتفاقية المبرمة بين الفاتيكان وإسرائيل والتي بمقتضاها أُفرج عنه، وانتقل ليعيش في منفاه بروما.
ومع ذلك، ظهرت هذه المذكرات في وقت لاحق تحديدا بعد وفاته بعام من قبل “دار أبعاد للنشر”، فهل استند عليها سيناريو مسلسل “حارس القدس”؟ وهل تم تكليف كاتب السيناريو حسن م. يوسف بكتابة العمل تحت الطلب من قبل المخرج وجهة الإنتاج؟
عن تلك النقطة يقول الخطيب “بدأت فكرة المشروع بعد رحيل المطران كابوتشي مباشرة أي في الأول من يناير من العام 2017 (تاريخ وفاته)، حيث قامت السيدة ديانا جبور، التي كانت حينها المدير العام لمؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي، بطرح الفكرة التي لاقت استحسانا وقبولا فوريا من قبل الجهات المعنية، باعتبار أن المشروع له خصوصية وأبعاد وطنية وسياسية ودينية”.
ويسترسل “في وقت لاحق أعلنت الدكتورة بثينة شعبان أن المؤسسة بصدد إنتاج مسلسل عن حياة المطران كابوتشي، وذلك في حفل التأبين الذي أقيم للمطران، فقامت ديانا جبور بتكليف الكاتب حسن م. يوسف بكتابة السيناريو الذي استغرق منه قرابة العام لإنجازه معتمدا على العديد من الدراسات والأبحاث المعمّقة، وكان طبعا لمذكرات المطران التي صدرت عام 2018 من قبل الكاتبين أنطوان فرنسيس وسركيس أبوزيد دور هام في إضاءة بعض الجوانب المهمة في حياة المطران، خصوصا في مرحلتي الطفولة والاعتقال”.
ومسلسل “حارس القدس” من بطولة النجم السوري رشيد عساف الذي يلعب دور المطران هيلاريون كابوتشي إلى جانب كل من الفنانين صباح الجزائري وأمل عرفة وسامية الجزائري ويحيى بيازي وعهد ديب وسليم صبري وليا مباردي وإيهاب شعبان وآخرين. كما قام الأب إلياس الزحلاوي بدور المستشار الديني والتاريخي للعمل.
حلم تحقّق
عاش المطران هيلاريون كابوتشي الذي ولد في حلب السورية وتلقى تعليمه ما بين جبل لبنان والقدس في علوم اللاهوت والفلسفة، بينما أمضى الجزء الأخير والكبير من حياته في منفاه في روما، بعدما تم إطلاق سراحه من السجون الإسرائيلية بضغط من بابا الفاتيكان، فكيف استطاع المخرج أثناء تصوير مسلسل “حارس القدس” استحضار كل تلك الأماكن افتراضيا في ظل الظروف الصعبة والإمكانيات المالية المحدودة؟
وعن ذلك يقول الخطيب “خلال فترة إعداد السيناريو والتحضير للتصوير، وضعنا في اعتبارنا هذا الموضوع، وخصوصا في ظل الإمكانيات الإنتاجية المحدودة التي عملنا في إطارها والتي لم تكن لتسمح لنا بالسفر إلى أي مكان خارج سوريا. هذا من ناحية أما من ناحية أخرى وبعيدا عن الظروف الإنتاجية فإن سفرنا للتصوير في الخارج بحد ذاته يعتبر أمرا بالغ التعقيد إن لم نقل مستحيلا في ظل الظروف الحالية، وبالتالي تطلب الأمر مني إيجاد حلول بصرية معبّرة ومكثّفة تُعبّر عن المكان”.
ومن هناك بحث طويلا كي يجد مواقع تصوير تُقارب إلى حد ما المواقع الفعلية للحدث، فكل المشاهد المُفترض تصويرها في مدينة حلب والقدس القديمة والمعاصرة تم تصويرها في حلب المدينة التي يعرفها الخطيب جيدا، خاصة وقد سبق له أن صوّر فيها مسلسل “أنا القدس”.
وهو يرى أن حلب والقدس متشابهتان كثيرا، خاصة في بعض الأحياء والبيوت القديمة، أما المشاهد المتعلقة ببيروت فقد تم تصويرها في كل من اللاذقية وطرطوس وبانياس، مؤكّدا على أنه في النهاية على أي عمل أن يوجد لنفسه شرطا فنيا معينا، وهنا يأتي دور المخرج في أن يجعل هذا الشرط حقيقيا ومقنعا بالنسبة للمشاهد.
ولم يلتفت المخرج باسل الخطيب بمفرده لأهمية وغنى شخصية المطران هيلاريون كابوتشي دراميا، فلقد سبقه إلى ذلك بسنوات كاتب السيناريو المصري محسن زايد، الذي فكّر في كتابة عمل درامي عن المطران وهو لا يزال حيا، ومن أجل ذلك قام بعدة زيارات إلى روما لمقابلته والحديث معه.
وكان مخططا لهذا العمل أن يظهر إلى النور ويكون من بطولة الفنان المصري فاروق الفيشاوي. لكن المنيّة وافت الرجلين ولم يتحقّق المشروع، وعن ذلك الموضوع يقول باسل الخطيب “كنت على اطلاع ومعرفة بالأمر، فلقد حدّثني عنه الصديق الفنان الرائع فاروق الفيشاوي، رحمه الله، منذ عملنا سوية في مسلسل “أنا القدس” في العام 2010، وقد أسرّ لي حينها بحلمه في تجسيد شخصية المطران، لكن القدر شاء أن يرحل فاروق قبل أن يتمكّن من تجسيد حلمه، واليوم أنا أُهدي هذا العمل الوطني إلى روح كل من المطران هيلاريون كابوتشي وفاروق الفيشاوي”.
ولم يتناول سيرة ومسيرة المطران كابوتشي فقط كتّاب الدراما والمخرجون فحسب، بل التفتت إليه أيضا المحطات التلفزيونية المختصّة في إنتاج الأعمال الوثائقية، فقدّم السيناريست والمخرج محمد سلامة وثائقيا عن المطران عرض في 2018، اختصر فيه أهم مراحل حياته السياسية ومواقفه النضالية المشرّفة تُجاه القضية الفلسطينية، وصولا إلى موقفه الأخير المتعلّق بالحرب السورية والذي أثار جدلا لدى مؤيّديه ومحبّيه، كما جاء في الفيلم.