عنصريّة عربيّة – عربيّة وأكاذيب رسميّة عن الأخوّة والمساواة!

بقلم : د. كاظم ناصر

مظلومة وحائرة شعوبنا العربية! كانت شعبا واحدا بآمالها وآلامها قبل أن حوّلها حكّامها إلى شعوب تعيش في دويلات ضعيفة عاجزة عن حماية نفسها، فاشلة في إدارة شؤونها، ظالمة ومضطهدة لشعوبها، طاردة للعقل وجاذبة للجهل، ومجدّدة في قوانينها واجراءاتها العنصريّة المفرّقة والمثيرة للبغضاء والأحقاد بين أهل نفس البيت والدين والوطن!
لقد أحاط حكّامنا المواطنين بأسوار من الجهل والفقر والعنصريّة، وحرموهم من أبسط حقوقهم، وبدّدوا ثرواتهم، ومزّقوا نسيجهم الاجتماعي، وحاولوا قتل إحساسهم الجمعي الوحدوي بسنّ قوانين تفريقيّة هدفها حماية الحاكم وخداع المحكوم وتضليله وإذلاله. المواطن العربي أصيل في وفائه لوطنه وأهله، ويعرف جيدا أن قوته في وحدته ومصيره واحد، وإن بثّ العنصريّة والكراهية بين مكوّناته مقصود ودخيل عليه وعلى ثقافته وأخلاقه، لكنه الآن مغلول اليدين، مسلوب الحرية، مصادر الإرادة، وغير قادر على مقاومة هذا الظلم والعبث المفروض عليه.
قبل ستّين سنة كانت حدودنا مفتوحة لكل عربي، وكنا نسافر برا وجوا وبحرا من أقطارنا إلى القدس ودمشق وبيروت وبغداد والقاهرة والرياض والكويت وتونس والجزائر والرباط والخرطوم إلخ. بحرية وبلا قيود وتأشيرات وضرائب دخول وتصاريح إقامة وخروج؛ وكنا نشعر بأننا أخوة وشركاء في نفس الوطن، وكان جمال عبد الناصر رحمه الله يمثّل أملنا في وحدة كنّا نؤمن بحتميّة تحقيقها، وكانت إذاعة صوت العرب تثيرعواطفنا العروبيّة القوميّة الوحدويّة، ونحلم ونفرح ونحزن معا، وكانت قضية فلسطين قضيتنا الأولى؛ كل هذا أضاعه حكّامنا من أجل كرسي الحكم … ومشيخة القبيلة … وأوصلونا إلى ما نحن فيه من ضياع وتعاسة وآلام.
معظم دولنا العربية تشجّع التفرقة العنصرية والانقسامات الجهوية والقبلية؛ وكل قبيلة تدّعي بأنها أفضل وأعلى منزلة من القبائل الأخرى؛ وفي بعض دولنا المواطن الذي لا ينتمي إلى قبيلة لا قيمة له، وحتى لا يحق له أن يتزوج من فتاة قبلية لأنه يعتبر دونيّ المستوى.
العربي ممنوع من دخول معظم دولنا للعمل أو للزيارة أو إلا بعد انتظار ومعاناة ودفع رسوم للحصول على تأشيرة. وفي معظم دول الخليج لا يسمح للعربي بالعمل إلا بكفيل، ورواتب المتعاقدين العرب من أساتذة الجامعات والمدارس والأطباء والمهندسين والصيادلة والفنيين والعمال الشهرية لا تساوي نصف رواتب زملائهم من المواطنين العاملين معهم في نفس المهن والدوائر الحكومية، وفي معظم الجامعات الخليجيّة لا يحق لأستاذ الجامعة المتعاقد شغل مراكز إدارية كرئاسة القسم الذي يعمل فيه أو عمادة الكليّة، ولا يحق له المشاركة في المؤتمرات العلميّة التي تعقد في الخارج، وفوق هذا كله فإن جواز سفره يبقى محجوزا في قسم الجوازات في الجامعة للتحكم به وبحركته، ولا يسمح لأولاده وبناته مواصلة تعليمهم في الجامعة الحكومية المجانية التي يعمل فيها لأن القبول فيها للمواطنين فقط. ومهما كانت مراكزهم ومستويات تعليمهم، ومهما طالت خدمتهم للقطاع الخاص أو العام لا تقاعد لهم، ولا يسمح لأولادهم بالدخول في المدارس والجامعات الحكومية المجانية، ويحرمون هم وأسرهم من العلاج المجاني المتوفر للمواطنين.
والمتعاقد العربي لا يصبح مواطنا فيها أبدا، ولا يسمح له بالإقامة الدائمة مهما طالت المدة التي يقضيها في خدمة الدولة، وأولاده الذين يولدون فيها لا يمنحون الجنسيّة، وليست لهم أي حقوق، ولا يحصلون على أي إمتيازات بعكس ما تفعله دول العالم، وفي بعض هذه الدول لا يحق للمتعاقد الحصول على إجازة قيادة سيارة إلا بشروط تختلف تماما عن الشروط التي يخضع لها المواطن!
وفي دول عربية وخليجيّة معيّنة تمارس بعض وسائل الإٌعلام المقروءة والمسموعة والمرئية انتقادات واتهامات غير منصفة، وأحيانا شتائم كاذبة بأسلوب بذيء ضدّ العرب الآخرين .. وخاصة الفلسطينيين .. الذين ساهموا مساهمة فعالة في بناء تلك البلدان التي تشتمهم، حيث إنهم علّموا أبناءها، وعالجوا شعوبها، وخطّطوا شوارعها، وأداروا شركاتها ومتاجرها، ودرّبوا جيوشها، وحتى كانوا سفراءها ودوبلوماسييها في دول العالم لفترة طويلة بعد استقلالها.
أما على الصعيد الديني، فإن ” مشايخ السلاطين” استخدموا ديننا الحميد الرافض للظلم والاستكبار لدعم الحكام والدفاع عنهم، وأثبتوا بذلك جاهزيتهم لإصدار الفتاوى التي تزور الحقائق، وتثير النعرات الدينية والطائفية، وتقصي وتكفر المعارضين، وتبرر التدخلات الأجنبية، وتدعم الحروب الدموية المدمرة الدائرة بيننا، وتبيح قتل المسلم لأخيه المسلم، ووصل الأمر عند بعضهم إلى تجاهل احتلال إسرائيل لأرضنا وقدسنا وأقصانا، والتغاضي عن ممارساتها العنصرية التوسعية، والسكوت عن تطبيع ” أولياء أمرهم ” معها!
ولا بد من إلقاء اللوم أيضا على الإعلاميين والاعلاميات الذين تحالفوا مع الأنظمة من أجل منافعهم الشخصية، وكذلك على النخب الثقافية، وقادة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الذين انسحبوا وتقوقعوا ولم يتصدوا لممارسات وقوانين الحاكم العربي القطرية العنصرية التي شتت شملنا والحقت ضررا بالغا بحاضرنا ومستقبلنا، وختاما لا بد من القول اننا نحن أبناء الشعب العربي نعاني من عنصرية عربية – عربية، ومن أكاذيب عن الأخوة والمساواة والمصير المشترك، وإن حكامنا ومن لف لفيفهم هم الذين أوجدوا هذه القوانين لحماية أنظمتهم وامتيازاتهم!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى