نحن و” البدوقراطية “
بقلم : د. كاظم ناصر

عاش أجدادنا الأوائل في بيئة صحراوية قاسية بحرارتها الشديدة، وجفافها وشحة مصادر العيش فيها ووحشتها؛ فكان لا بد لهم من التكاتف والتعاون وتكوين تجمعات قبلية من أجل مواصلة البقاء. و بسبب شحة مصادر العيش وندررتها وضرورة إيجادها، انتشرت بينهم الحروب ( الغزوات ) لتأمين العيش وفرض السيطرة والنفوذ، فكانت القبائل تغزوا بعضها بعضا وتستولي على مواشي وأموال القبيلة المهزومة وتسبي نساءها وأطفالها وتقتل وتأسر ما تستطيع من محاربيها ورجالها.
البدوي العربي لم يعرف الدولة، ولم يخضع لنظام أو سلطة سياسية تدير شؤونه غير سلطة قبيلته؛ فكانت قبيلته هي دولته، وشيخها هو سيده الذي يحميه ويحل له مشاكله؛ ولهذا كان ولاؤه لقبيلته وشيخها ومضاربها التي تتغير باستمرار بحثا عن المرعى والماء، وليس لوطن ما، لان فكرة الوطن الدائم لم يكن لها وجود في تفكيره وثقافته.
تاريخنا وتراثنا بشقيه الجميل والقبيح وواقعنا الحالي شاهد على أننا أمة بدوية، وإن البداوة متجذرة في تكويننا النفسي والعقلي والسلوكي، وتعاملنا مع الآخر، والدليل على أن البداوة العقلية ما زالت تتحكم فينا هو أن معظم الدول العربية حتى يومنا هذا مقسمة قبليا، ويحكمها شيوخ عشائر، ومناصبها العليا موزعة قبليا، وجيوشها مبنية قبليا، وان العادات والتقاليد القبلية كالثأر والاعتداد بالنفس، والولاء والانتماء للقبيلة وشيوخها، ونصرة ابن العشيرة أو القريب والوقوف الى جانبه ظالما او مظلوما ما زالت تتحكم في تفكيرنا وتصرفاتنا.
والمدهش أن قبائلنا تزداد قوة ونفوذا سياسيا واجتماعيا؛ لقد نقلناها من الخيمة إلى البيت والقرية والمدينة، وانتقل شيوخها إلى بيوت حديثة مريحة في العواصم والمدن الأخرى، وأصبحوا حكاما، ورؤساء وزارات، ووزراء، ونوابا في البرلمانات، وكبار ضباط في الجيش الخ.، وما زال يوجد عندنا قوانين عشائرية لحل مشاكلنا خارج قانون الدولة الرسمي، ونعرف أنفسنا بانتمائنا العشائري، وننتخب ونصوت لأبناء عشائرنا في الانتخابات البرلمانية والبلدية، ” ونفزع ” لعشائرنا في المنازعات، ومعظم حكامنا هم شيوخ مشايخ بالوراثة ويغزون ” دول ” القبائل العربية الشقيقة الأخرى بالطائرات والدبابات والأسلحة الحديثة. ولهذا يمكن القول إننا مازلنا قبائل متعددة ومتناحرة لا علاقة لها بالنظم السياسية الديموقراطية، أي .. بدوقراطيون .. نطبق النظام .. البدوقراطي .. الذي ورثناه عن آبائنا وأجدادنا!