قراءة في كتاب: “نحو تجديد الفكر القومي العربي: مراجعة نقدية لاستخلاص العبر”

قرات مؤخرا كتاب: “نحو تجديد الفكر القومي العربي: مراجعة نقدية لاستخلاص العبر”، تأليف أ.د. نافع الحسن، منشورات دار طباق، رام الله 2020، وهذه ملاحظاتي عليه..

**نعم، لا بد من قراءة نقدية للفكر القومي دون نفي المسألة القومية.
لقد حاول الكاتب توفير قراءة نقدية للأنظمة القومية مشكورا على ذلك.
ولكن، يمكن البدء بالقول بأن الكاتب سخَر الكتاب من أجل مصطلحين: الإسلام والديمقراطية”على اعتبار أن تجديد الفكر القومي العربي هو من هذين المدخلين ربما حصرا.
ليعذرني د. الحسن إن قلت له: “في البدء كان الخلل”. ففي ص 6 من الكتاب يقول: “بل إن الإسلام هو صانع الأمة العربية ولأول مرة في التاريخ يقوم دين بصناعة أمة”.
لا أدري لماذ شطب الكاتب كل تاريخ العرب ما قبل الإسلام. حتى في الجزيرة العربية، ممالك اليمن، وخارجها في بلاد الشام والعراق وتلكم الحضارات حيث في العراق وحده كانت أول دولة في التاريخ اي قبل ستة آلاف سنة وهو ما يُجمع عليه معظم من أرَّخ وكتب فكراً.. ناهيك عن الحضارة في مصر وحتى الفينيقية والكنعانية…الخ. وهذا يطرح السؤال حول تعريف العرب: هل هم فقط تلك القبائل التي ظهر فيها النبي؟ وحتى لو افترضنا ذلك، فإن قصي بن كُلاب قد أقام دولة قبل الإسلام بأكثر من 150 سنة كما يؤرخ خليل عبد الكريم، وأن الرسول اعتمد على أسس تلك الدولة.
لقد استجلب الكاتب المدفعية الثقيلة من السطور الأولى وحتى ما بعد الغلاف الأخير ليدك حصون “القوميين العرب : “…فأقاموا أنظمة استبداديةاضطهدت مواطنيها العرب إلى جانب الأقليات العرقية التي يتمتع أفرادها بالمواطنة”. (ص 6 )لا ادري هل يقصد أن الأقليات “يتمتع أفرادها أو أم لا يتمتعوا؟.
من بداية الكتاب إلى نهايته يقدم الكاتب سردا لعديد ااراء في دك القومية والماركسية دون أن يقدم أي تعريف لهذه أو تلك ولا تعريف لما يجب ان تكون عليه هذه او تلك. كل ما يريده الديمقراطية! له الحق في الرفض ولكن من حق القارىء أن يجد تعريفا ولو موجزا لهذه وتلك.
“…وسرعان ما بدأت تلوح في الأفق ملامح فكر متجدد عربي اسلامي وان كان قد ولد من رحم الفكر القديم وشرع في اخذ موقعه على انقاض الفكر التقليدي المتآكل. وما لبث ان ارتفع منسوب خصوبة هذا الفكر الجديد بعد أن تغذى بالدروس التي تمخضت عنها التجربة العالمية بعد السقوط المذهل للماركسية اللينينية على النطاق العالمي” ص 12.
من حق الكاتب كل هذا القصف على أن يكون بعده شرحا للجديد الذي يتحدث عنه. اين هو؟ ما هو، فالكاتب لا يقدم تعريفا لا للفكر الذي يراه تآكل ولا للفكر الجديد الذي يُطريه دون ان يُريه للقارىء. خطير الاكتفاء بالهدم!
هذا إلى أن يصل إلى تصفية الماركسية اللينينية! لا بأس، ولكن يبدو ان الكاتب لا يتابع عودة العديد من المفكرين للماركسية حتى في الغرب وخاصة بعد أزمة 2007- 2008 الاقتصادية المالية الجارية. اي مأزومية رأس المال وديمقراطية الغرب وهي التي يتم التخلي عنها لصالح أولغارشية/أي القلة راس المال . ومع ذلك للكاتب حق رفض هذا وذاك ولكن على أن يقدم لنا أخطوطة جديدة؟ بحثت عنها حتى السطر الأخير ولم أجدها.
في ص 13 يقول: “وُجد العرب كأمة بفضل الإسلام…” .
ولكن، لماذا لم يقل لنا ما هو تعريفه هو أو غيره للأمة!فإصدار قرار الإعدام بلا حيثيات مهول ومخيف. وبعيداً عن العراق والشام ومصر، اليسوا عربا الذين أقاموا سد مأرب؟ وهل تقوم القبائل والعشائر، حتى اليوم، ببناء قصر من ثلاثين طابقا والأعلى من زجاج؟. لست هنا بصدد تعريف الأمة أو طرح تعريفات آخرين. ولكن ما اود ذكره هنا هو فقط: “إن مفهوم الأمة العربية وتحديدا القومية العربية يجب أن تأخذ بالاعتبار مسألة اساسية وهي مصلحة الطبقات الشعبية العربية كمصلحة طبقية مادية في الوحدة” اي يجب أن نتجاوز الانحصار في تعريف الأمة فقط في ” الأرض، الجغرافيا، اللغة، التاريخ الثقافة بشكل عام، والسوق الراسمالي بشكل خاص/الرفيق ستالين …الخ” فالوصول إلى وضع التنمية لا بد من تقوية المسألة القومية بوجوب مناهضة الاستعمار باشكالة المخفي والمعلن، العسكري والاستيطاني، الاقتصادي والتبادل اللامتكافىء وهذه التقوية تعتمد على العامل المادي المصلحي للطبقات الشعبية في الوحدة والحرية والاشتراكية. ونضال الطبقات الشعبية من أجل الوحدة” (أنظر كتابنا: “دفاعاً عن دولة الوحدة: إفلاس الدولة القطرية. رد على محمد جابر الانصاري”. منشوات دار الكنوز الادبية، بيروت 2003. ومركز المشرق/العامل 2004(.
وبالمناسبة، ليست الديمقراطية اي حل لأية مشكلة كبرى، ليست نظام حكم، وإن حصل في اثينا، فقد كانت للسادة فقط، فالديمقراطية هي علاقة ترتيب، تنظيم الحاكم والمحكوم، رب الأسرة والأسرة،أي ان الحرية هي الإطار الأوسع والديمقراطية من ضمنها. لذا يسهل حتى في الغرب تجاوز الديمقراطية ، ولم يسهل بعد تجاوز الحريات. وأعتقد مع تجذر الأزمات الاقتصادية وبروز قطبيا ت منافسة سيتم التعدي داخليا على الحريات. أنظروا منذ سياتل حتى اليوم كيف تُقمع الاعتراضات ضد منظمة التجارة العالمية والصندوق والمصرف الدوليين، واليوم مشكلة السترات الصفراء في فرنسا.
توقعت هنا مثلا ان يقول الكاتب بأن للأمة تعريفين:
الأمم القديمة/القوميات القديمة أي قبل عصر راس المال، الصينية والهندية والعربية
والأمم الجديدة أي طبقا للتعريف الذي طرحه ستالين للأمة المتكونة بوحدة السوق…الخ.
لكن الكاتب يرفض وجود أمة عربية قبل الإسلام!
ومرة أخرى، للكاتب حقه في اي فكر، ولكن على أن يقول ما هو. وبصراحة خشيت أن يصل إلى التعريف العنصري للأمم الذي قدمه الفيلسوف هيجل “الأب الروحي للنازية” بأن هناك أمما بلا تاريخ، فالكاتب ، وإن لم يذكر، يضع العرب في هذه المرتبة، وهم اصحاب اللغة واختراع العدد الدارج عالميا حتى اليوم. كيف لا وهو قد كتب:
“…فالإسلام هو العروبة والعروبة هي الإسلام، وبالذات لدى العرب المغاربة (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب)، وربما لولا الإسلام ما سمع العالم عن العرب، ولم تدرك التيارات القومية بدرجة كافية الدور الذي لعبه الإسلام في حياة العرب، كما لم تدرك حين استهوتها فكرة القومية المصنعة في اوروبا والطبعة الأوروبية الخاصة بفصل الدين عن الدولة أن ألإسلام لا يعرف تلك السلطة الدينية التي كانت للبابا عند الأمم المسيحية”.ص 17
مدهش هذا التعميم وهذه الجرأة التصفوية التي لا تقل عنفا عن الاستبداد الذي ينعت به القوى القومية.وكأن الكاتب بُعث ليُتمم تدمير المسألة العروبية! وليس إحيائها بالنقد. إذا كان الإسلام هو العروبة، فهذا يعني أنه كاليهودية ويعني أن الأمم الأخرى التي تدين بالإسلام هي معتدية ومتطفلة. فالإسلام كأي دين جزء من الثقافة وبالتالي لا يتطابق مع القومية ليحل محلها ابدا. وبالمناسبة، كان يجب على الكاتب أن يكتب شيئا ما عن الإسلامات الجديدة: الإسلام الأمريكي، التركي، الوهابي…الخ وجميعها ترفض عروبة الإسلام تعمل بالمطلق لتقويض القومية العربية . بل ولثنا وضعية تجديد إستعمار العثماني للأمة العربية باسم الإسلام: “أنظر : د.عادل سمارة: “في حقبة العولمة من العروبة والتنمية إلى الدين السياسي والاستعمار الإسلامي”).
ألم يجب على الكاتب ذكر هذا ليدافع عن القومية التي خصص هذا الكتاب لصالحها؟ لن أتوقف عند قرار الإعدام مع وقف التنفيذ بأن “ربما لولا الإسلام لما سمع العالم عن العرب”. أعتقد أن أحزاب الدين السياسي (الإخوان والتحرير) لا يجرؤون على حكم جائر كهذا!
أليس غريباً أن هناك من يرى بأن القومية “مصنَّعة” في الغرب؟ اين تبادل المعرفة البشرية؟ أليس الحاسوب الذي يكتب به د. الحسن صناعة غربية، وحتى الملابس؟ إذا كان لا بد من رفض الآخر.
وإذا كانت اوروبا علمانية تفصل الدين عن الدولة، والإسلام لا يعرف السلطة الدينية” فهذا يعني ان الإسلام علماني. وإذا كان الإسلام علمانياً، فهذا يصب في صالح القوى القومية التي ينقدها لأنها إلى حد ما كانت علمانية ومن أسباب تدميرها انها علمانية وحاولت التنمية ولم تعترف بالكيان الصهيوني. نعم كانت ديكتاتورية ايضا، وليست نموذجية، لكنها لم تكن بلا إيجابيات. طبعا الكاتب لم يذكر لا علمانيتها ولا محاولاتها الاشتراكية الأولية مثل القطاع العام والتأميم والإصلاح الزراعي والتصنيع…الخ. لماذا تناسى الكاتب كل هذا وركز على هزيمتها؟ كنت أتمنى أن يلتقط الكاتب حجر سنمَّار في هذه الأنظمة وهو أنها كانت تعتمد في بقائها داخليا على الأمن، وخارجيا على وجود الاتحاد السوفييتي، ولذا مع تفكك الاتحاد السوفييتي جرت استباحة هذه الدول. ومع ذلك لم يكن العدوان عليها لأنها ليست ديمقراطية، و “ديمقراطية عراق امريكا ماثلة امام الناس اليوم”.
لم اسمع عن ما يسميه الكاتب “الأمم المسيحية” بل هناك أمما تدين بالمسيحية ولكنها أمم ولها قوميتها، والدين هناك مجرد طقوس لدى غالبية الشعوب، باستثناء قوى الدين السياسي كالمحافظية الجديدة.
وهذا ما ينفي ما ورد في ص ص 18-19 من الكتاب عن حضور الدين في الغرب على لسان الصادق المهدي الذي هو حليف حقيقي للغرب، إن لم نقل أكثر. ما حصل في الغرب هو رسملة الدين وليس تديين الراسمالية.
يذكر الكاتب في ص 19 عدم مطابقة الأمة العربية والأمة الإسلامية. لا بأس، وبعيدا عن المطابقة، لم يقدم لنا الكاتب اي تعريف لكلتي الأمتين. وخاصة ما تسمى الأمة ألإسلامية! أين هي؟ ما الذي يجمع النيجيري مع مسلم في قازاخستان سوى الجزء الديني من الثقافة. إن الحديث عن أمة إسلامية وليس عن دين إسلامي وثقافة إسلامية كجزء من اية ثقافة عامة لأي مجتمع فيه مسلمون هو خدمة مجانا لزعم اليهود بوجود أمة يهودية. وهذا الزعم هو الذي عليه يرتكزون لطرد كل الفلسطينيين من الوطن الفلسطيني! لأنهم يرون فلسطين وطنا دينياً ويبنون على ذلك قومية خرافية.
في ص 21 يقول الكاتب عن الإسلام : ” إنه مكون ثقافي حضاري ونفسي وتراثي لهذه الأمة وبهذا المعنى أحد المضامين الأساسية، إن لم يكن الأهم للقومية العربية”. جميل، هنا حتى لو المكون الأساسي، فهو يختلف عن اختزال العرب في الإسلام كما ورد سابقاً..
حين ذكر الكاتب ص 25 أن الدين لدى القوميين “مجرد علاقة بين العبد وربه” فقد انصفهم ويا ليتهم تعمقوا في هذا، لكنه عاد وبخٍّس هذا الموقف في نفس الصفحة. أما ان ميشيل عفلق قد أعلن إسلامه، ف “يعطيه العافية” هو اختيار حر لكنه لا ينسحب على القوميين.
ثم يقول الكاتب ص 27″…ولذا لم يتوسع العرب في فتوحاتهم لغرض اقتصادي…”
هذا يشبه توزيع الإمبريالية للديمقراطية في العالم بلا هدف اقتصادي، العراق نموذجاً وخاصة بعد تصريحات ت/رامب/و.
العرب كانوا دولة نشرت الإسلام ولكن فرضت الجزية والخراج، وحينما وجد عمر بن الخطاب أن إعفاء غير المسلمين من الضرائب يقلص الدخل ألغى الإعفاء. لو عاد الكاتب إلى كتاب “التاريخ الآخر” ل د. سليمان بشير لوجد العكس لما يقول،هذا ناهيك عن نظرية سمير أمين في نمط الإنتاج الخراجي لوجد تفسيرا هاما ومنطقيا. إن حصر الإسلام في نشر الدين، هو ابتعاد عن حقيقة ما يحرك العالم دائما اي الاقتصاد، وللطرافة، هذا ما يُقر به الكاتب، ولكن متأخرا في آخر فقرة في الكتاب!
في ص 30 يتحدث الكاتب عن ما يسميه “خلطة فكرية تمزج ما بين الماركسية والفكر القومي” ليصل إلى” …كان اللافت للانتباه في أواخر الستينات هو توجه تيارات قومية رئيسية نحو تبني الماركسية-اللينينة بالكامل دون ادراك حقيقة راسخة وهي اننا نعيش على أرض عربية إسلامية لا مكان فيها لهذه الإيديولوجيا” ص 31.
ولأن الزمن الذي يتحدث عنه الكاتب قريب جدا، فإن هذه القوى حين تبنت الماركسية، كانت في أوج شعبيتها وصعودها وفي نفس المجتمع العربي الذي يتحدث عنه. أي حين كانت تمارس الكفاح المسلح الذي يحقق طموح الشعب، لم يعبأ أحد بمناكفتها على تبنيها للماركسية-اللينينة، وحين تراجعت عن هذا الإلتزام، نرى ما نرى اليوم.
في الفكر لا توجد خلطات. وحبذا لو إطلع الكاتب على التجربة الصينية التي قامت على القومية والماركسية وخلقت صينا جديدة والتي شكلت اساس قوة الصين الحالية التي حتى الذهاب للراسمالية لم يهدم صعود البلد لأن الماوية اسست لكل ما بعدها من تنمية.
صار لا بد من تجاوز فتاوى “تناقض” القومية والماركسية. ذلك لأن كل قومية هي إثنتان:
قومية الطبقات الحاكمة /القومية الحاكمة اي البرجوازية الكمبرادوية والطفيلية والتابعة
وقومية الطبقات الشعبية/ أي القومية الكامنة، وهي تحررية وحدوية اشتراكية .
لذا، وفي وضع العرب اليوم، فالقومية هي مشروع تحرر من الاستعمار وصولا إلى التنمية والاشتراكية والتي بالتأكيد تقف ضدها البرجوازية التابعة.(انظر كتابنا دفاعا عن دولة الوحدة).
لا توجد أمة بلا طبقات، وإلا، فإن آل سعود تماما مثل بدو وسط الربع الخالي، ووهم رام الله المنتفخة تماما مثل مخيمات غزة.
لا علاقة لأرض عربية او غير عربية بالتشكيلات الاجتماعية الإقتصادية التي هي العامل المقرر بمعنى وجود استغلال واغتراب، ونهب في المجتمع الواحد.
أن ينهار الاتحاد السوفييتي، هذا صحيح، أما ان تنهار “النظرية الماركسية-اللينينة برمتها”! غريب هذا، النظريات لا تنهار، النظريات علم الاجتماع والتاريخ والطبقات والتناقضات. وكما ذكرت آنفاً، الغرب الآن في الأكاديميا يعود للماركسية، وأنت تعيدنا إلى الغنوشي حيث تصفه ب “المجدد الإسلامي” (ص 33-34).
والغنوشي رجل ذو علاقة بامريكا وفرنسا تثير الشبهات، وهو زعيم حركة شاركت في إرسال الإرهابيين إلى دار إسلام اي الشام وإرسال النساء لجهاد النكاح، وفي ظل حكومة حزبه جرى اغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد، وحتى الآن ترفض حزبه “النهضة” مناهضة التطبيع وهو على علاقة تامة مع دويلة قطر التي لم تأل جهدا عن تدمير سوريا، أي هي ومختلف انظمة الدين الإسلامي السياسي قواعد للإمربالية ومتعهدة تصفية العروبة. ما أقصده، أن النصوص اللغوية تتعرى أمام وقائع الحال!
في عام 1978، أوردت مجلة ميرب ريبوت MERIP Report الأمريكية (كانت يسارية في حينه) مقابلة مع الغنوشي والزهار والترابي وجميعهم قالوا تناقضنا مع اسرائيل وليس مع امريكا. مسكينة امريكا! ومع ذلك الغنوشي مع التطبيع!
في ص 36 كغيرها الكثير ينادي الكاتب بالديمقراطية والقانون والشورى…الخ وبأن القوميين تنكروا لهذا.
جميل، ولكن هل يكفل القانون حقوق الطبقات الخاضعة للاستغلال لمجرد انه قانون؟ واية ديمقراطية التي لا ترفض استغلال العمال وهم وحدهم منتجو السلع؟ ثم ما هي الشوري؟ هل هي حق ، ومقدرة، كل شخص في الترشح والانتخاب؟ أم كما فعلت اسرة قابوس حيث تم تعيين بديلا له في مجلس العائلة؟
في ص 37، أعتقد ان عمر وليس ابو بكر القائل “…لقد وليت عليكم…”الخ.
لم يكن معاوية مغتصبا للسلطة (بعكس ما يقول الكاتب ص 38)، بل كان منتصرا في صراع سياسي. هذه حقيقة التاريخ. وهو الذي اسس اول دولة عصرية في حينه، وهي الدولة التي قامت على أسس اقتصادية ولم تتوسع، كما ذكرت انت سابقا، فقط لنشر الدين.
أعتقد أن الهجوم على معاوية، الذي بالتأكيد لم يكن قديساً هو عودة بنا وانسجاما مع المقتتلين اليوم على خلاف علي ومعاوية أو ان صلاح الدين لم يكن ديمقراطياً كما يقول بعض الطائفيين وبأن الأمويين كان لهم دينا غير الإسلام كما يقول طائفيون أخرون!
في ص 40 لم أفهم “هبل” محمد عمارة التالي:
” إن الإسلام ينكر ان تكون طبيعة السلطة الحاكمة دينية، اي ينكر وحدة السلطتين الدينية والزمنية، ولكن لا يفصل بينها، فالتمييز، لا الفصل بين الدين والدولة هو موقف الإسلام” .
هذا حديث مختلط وغير واضح وقابل لألف تفسير، أي كيف نطبق التمييز دون الفصل؟ ولكن جوهر موقفه أن الدين فوق الدولة.
في ص 43، يقول الكاتب ان الدين وحد العرب، ثم ينتفل لنقطة هامة لكنه يقطعها، وهي : “… ومن المفارقات العجيبة أن نجد اليوم جميع القوميات/الدول الإسلامية قد توحدت باستثناء الأمة العربية….الخ”.
جميل، أولاً، يتراجع الكاتب عن أمة ألإسلام لا مباشرة. لا بأس، ولكن لماذا لم يذكر بأن قوى الدين السياسي في الوطن العربي هي ضد القومية العربية بعكس كافة قوى الدين السياسي في العالم وخاصة في تركيا وإيران حيث هذه القوى قومية اولا. ألم يكن من باب محاولة الإنصاف أن ينقد ولو قليلا قوى الدين السياسي؟
إلى ان ينهي الفصل الأول بالقول: “…والفكر الجديد هو فكر قومي إسلامي”.
والسؤال: هل يوجد مجتمع قومي تماما وإسلامي تماما كليا وقومي إسلامي تماما؟ أين الطبقات؟ أين الغني والفقير أين الحاكم والمحكوم؟ اي اقتصاد سيحكم هذا المجتمع؟ وأي نظام سياسي جمهوري ، ملكي أميري، برلماني رئاسي…الخ ، اين التبعية…
في كامل الكتاب بما فيه الفصل الثاني، استغربت ان الكاتب لم يتعرض ولو بالذكر لمسألة هي حاسمة في إهلاك الأمة العربية وهي إستهداف الوطن العربي على الأقل منذ القرن السابع عشر اي حقبة راس المال التجاري وحتى الآن حيث وصل الاستهداف إلى الاستباحة. أليس الاستعمار فالإمبريالية فالعولمة والصهيونية عوامل خارجية تعمل في قلب الوطن العربي؟ معقول تغييب كل هذا من أجل مفردتين متكررتين: الديمقراطية والإسلام! معقول كتاب كامل بهذه العناوين لا ذكر حقيقي وفعلي للنظام الرأسمالي العالمي الذي يطحن الأمة العربية حالياً؟
في ص 54 لا يخفي الكاتب تأثره بالأكاديميا والمخابرات والإعلام الغربي حيث يستخدم مصطلح “الشمولية” التي طالما أطلقوها على الدول الاشتراكية. ترى، ألا يرى أن اخطر شمولية على الإنسانية هي شمولية راس المال والسوق؟
ويرفض ص 55 ديمقراطية الغالبية (العمال والفلاحين والجنود) حسب لينين. جيد، ولكن ماذا عن ديكتاتورية الأقلية الباقية الأوليغارشية مجتمعيا! أم أن لها الحق في السلطة لأن بيدها المال والمخابرات وقوى الإنتاج.
يمتدح الكاتب ص 56 الشيوعية الأوروبية لأنها خرجت على موسكو. جميل، هل يعلم ما حجمها اليوم؟ (هذا ما عالجته في كتابي الذي سيصدر قريبا :”هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة”).
أما وصف فكر جورباتشوف ب “الفكر الجديد” فهو أمر عجيب. فالرجل لم يقم سوى بهدم دولة عظمى بغض النظر عن تعدد الآراء في علاقته بالغرب. (يمكن الرجوع إلى مقالتي: “قراءة في كتاب”الاشتراكية المغدورة: ما وراء انهيار الاتحاد السوفييتي” .
في ص 62، يتبنى الكاتب راي عياد المالكي:
“… لو قام نظام عبد الناصر على الديمقراطية لتغير الوضع، ولو كانت الديمقراطية هي التي تحكم العلاقات في الثورة الفلسطينية لتغير الوضع”. ترى لو كان ناصر ديمقراطياً، كما يرى الكاتبان هل كانت امريكا والكيان لن يقوما بعدوان 1967 إذن. ثم هل هناك ثورة أم مقاومة فلسطينية؟
في ص 63، بدل ان ينقد تراجع حركة القوميين العرب وتفككها إلى تنظيمات قطرية أي في موقف غير قومي يعتبر ذلك امرا إيجابيا.
وبالمناسبة منظمتا ابطال العودة وشباب الثأر تكونتا قبل هزيمة 1967.
في ص 66 يزكي الكاتب ما جرى في اوروبا الشرقية بانه ديمقراطية! وهي مجرد سوق اقتصادي ومخزون عمل رخيص وفراشات الليل للغرب وانتهت في حضن حلف شمال الأطلسي!(ايضا ناقشت هذا في كتابي القادم: “هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة”).
ص 73 يمتدح الكاتب ديمقراطية تونس والعراق. لنترك تونس، فهل العراق المدمر والمحتل ديمقراطي؟ هل الطائفية الحاكمة ديمقراطية؟ أم أن الكاتب معجب بأحزاب الدين السياسي والطائفية التي استدعت الاحتلال! والعجيب أن الطائفية التي فقدت الحكم في العراق تصر اليوم على بقاء جيش العدو في بلدها! والسؤال الأهم:هل هناك ديمقراطية تحت الاحتلال، فهذا يعني ان المحتل 1967 هو ديمقراطية مثالية.
يُصيب الكاتب في نقد عبد الناصر حيث حل الأحزاب. ص 78 وأعتقد أن هذا المرض انتقل إلى البعث بعد ذلك ليتدهور ويصبح نظام الحزب الأوحد.
في كل الكتاب لم يذكر الكاتب العدوان الخارجي سوى في ص 82 في جملة. هل يعقل كل هذا النظام العالمي الذي يستبيح الوطن لم يُذكر سوى في جملة؟
في ص 86 الجبهة القومية في جنوب اليمن لم تكن ناصرية، هي فرع لحركة القوميين العرب، ولم تكن ضد عبد الناصر. الناصريون هم جماعة مكاوي وباسندوا الذين يذكرهم الكاتب والذين كانوا مع مساومة الاستعمار البريطاني.
والغريب انه لم يُشر ابدا إلى دور الغرب في الانفصال بين سوريا ومصر.ص 87 وهو أمر في صلب ضرب القومية العربية.
لكن ربما اهم تقصير في الكتاب أنه تجاهل بالمطلق الأنظمة العربية غير القومية بل التي دورها ومجرد وجودها هو لتقويض الأمة العربية. هل يُعقل حصر الأمر في الأنظمة القومية وإهمال دور الأنظمة المضادة للقومية؟ أي انظمة النفط التابعة والإرهابية.
اما اعتبار ان العراق غزا الكويت فهذا امر خلافي فالكويت مقاطعة 19 من العراق ص 88. وكونها عضو في الأمم المتحدة امر شكلاني، وعضويتها هي فقط لتبقى مستعمرة بريطانية وامريكية. كان الخلل في توقيت الاسترجاع.

اما مديح الاتحاد الأوروبي، فحبذا لو يتابع الكاتب ان هذا الإتحاد:1- يمثل رأس المال وليس الطبقات الشعبية وهو خاضع لألمانيا وفرنسا وليس للجميع 2- وها هو يتفكك و 3- وأوروبا مجرد تابع للإمبريالية الأمريكية.
اما الاستشهاد بالمنصف المرزوقي، فحبذا لو يتابع الكاتب راي التونسيين في علاقته بفرنسا.
في الارتكازعلى اقوال الحكيم وخاصة ما يتعلق بالإسلام، فقد أتى الاستشهاد مبتورا لأن الرجل اكد دائما على انه ماركسي وعروبي وفي ثقافته مكون إسلامي/ وفي ثقافتنا جميعا مكون إسلامي ومسيحي ايضا. وقول الحكيم هذا مكرر في كتاب سويد الذي يرتكز عليه الكاتب أي ان الحكيم لم يعد شيخاً. هذا البتر كما يفعل بعض مَنْ تحولوا من موقف الجبهة الشعبية في عدم الاعتراف بالكيان إلى دعاة للدولة الواحدة تحت راية الكيان!!!حيث اجتزؤوا موقف الحكيم. ويمكن الرجوع لموقف الحكيم في كتابه الأخير: ” صفحات من مسيرتي النضالية” إصدار مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 2019″ ، وهو جهد قامت به السيدة هيلدا حبش مشكورة.
بالمناسبة، يدور حديث اليوم في أوساط المطبعين/ات بأن ورقة ” نداء وصرخة من الأعماق التي أُحاكم لرفضي لها كونها تنادي بدولة مع المستوطنين” مستمدة من أفكار الحكيم! كما تم القول إلى الرفيق مهند كراجة محامي الدفاع عني هو والأستاذ ظافر صعايدة، أليس هذا كارثياً. وورقة الصرخة صادرة عن تجمع مشكوك فيه وإن كان يحمل تسمية: “التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة” اليس عجيا ان يصدر من هذا الإسم/التجمع الذي يراسه تطبيعي لبناني (د. يحي غدار) ورقة تنادي بدولة مع المستوطنين! ولو كان الحكيم مع حل الدولة أو الدولتين بما فيهما دولة مع المستوطنين لجاء الرجل تحت يافطة اوسلو. (يمكن الرجوع إلى كتاب الرفيق محمود فنون: (بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة: دراسة نقدية. تأليف: محمود فنون منشورات مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية 2018)
في ص 98 يدعو الكاتب للاعتراف بالواقع القطري القائم ومعرفة كيفية التعامل معه من اجل تغييره مع تسليمنا بأنه من صناعة الاستعمار”. هل يتجاهل احد وجوده؟ وحبذا لو قام الكاتب بالتعرض بالتخريجة الجديدة للدولة القطرية بتسمية “الدولة الوطنية”.
“… إننا مطالبون بتشخيص الواقع الذي تجاهلناه في الفكر القومي القديم، ومعرفة كيفية تطويعه واستخدامه لدفع مسار الوحدة” ص 102
وهكذا مجددا لا يقول لنا الكاتب ما هو نص، خطاب، نطرية الفكر القديم؟ وينتهي الكاتب إلى:
“…ولهذا يمكن القول إن الديمقراطية لن تعمر طويلا من دون نظام ثقافي واقتصادي يقوم على استخدام الآلة الحديثة وإرساء العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وعدالة التوزيع والكفاية في الإنتاج كما ونوعا، …هذه الديمقراطية التي خلناها موضوعا سياسيا فإذا هي قضية اقتصادية” ص 106.. طيَّب الله الأنفاس، هذا ما كان يجب ان يركز عليه الكاتب على الأقل بحجم تركيزه الهائل عن الديمقراطية والإسلام.

كنعان النشرة الإلكترونية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى