“أبو جهاد” والرنتيسي وكريم يونس.. بوصلة لا تخطئ فلسطين

الشهداء مخزون إستراتيجي للذاكرة الوطنية , هم البوصلة التي لا تخطئ هدفها , الشهداء هم السياج المانع من إختراق أدران الخور والخنوع لجبهتنا الداخلية , الشهداء هم المضاد الفعال لجراثيم الهزيمة والخنوع  التي تهاجم جسد الوطن  يحظى الشهداء لذا كافة الشعوب والثقافات على مكانة مميزة  في الذاكرة والوجدان ,ويتصدرون أسلحة التعبئة الوطنية للدفاع عن الوطن من أي عدوان أو إستهداف خارجي .

تمر علينا الذكرى الواحدة والثلاثون لإستشهاد القائد الفلسطيني خليل الوزير “أبو جهاد” إبن بلدة الرملة المحتلة عام 1948م ,  الذي إغتيل في العاصمة التونسية بتاريخ 16-4-1988م , كما تمر الذكرى الخامسة عشر لإستشهاد القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي إبن قرية ” يبنا ” المحتلة عام 1948م  والذي إغتيل في غزة بتاريخ 17-4-2004م , وتتزامن ذكرى الشهادة مع إحياء الشعب الفلسطيني ليوم الأسير , الذي يصادف في يوم ( 17-4 ) من كل عام , حيث يقبع في سجون العدو الصهيوني أكثر من ( 6500 ) أسير فلسطيني , بينهم (61) أسيرة فلسطينية , ومن ضمنهم ( 300 ) طفل أسير , وعشرات الأسرى المرضى الذين لا يتلقون العلاج اللازم في سجون العدو الصهيوني , ويحرمون من أبسط حقوقهم الآدمية التي تنص عليها كافة القوانين والشرائع الدولية .

تتزاحم التواريخ الوطنية في ذاكرتنا الفلسطينية , والتي يمكن من خلالها أن نستخلص بسهولة بوصلة الحق الفلسطيني الأكثر وضوحاً في عالم تسوده سياسة الكيل بمكيالين أو الإنحياز للقوة الغاشمة وسياسة فرض الأمر الواقع , بل يتجاهل النظام العالمي الذي تقوده الإدارة الأمريكية إنصاف الشعب الفلسطيني وإحقاق حقوقه الوطنية التاريخية , وبالعكس فأنه  يتعمد دعم وإسناد الإحتلال الصهيوني ويسعى لشرعنة وجوده على أرض فلسطين ودعمه سياسياً وعسكرياً من أجل إستمرار إحتلاله , ومؤخراً زاد الهجوم الأمريكي المعادي لقضيتنا الفلسطينية في  حرب المبادرات والصفقات التي تستهدف طمس هويتنا الوطنية عبر صفقة القرن , التي يحشد لها  دعما وتمويلا من بعض الأنظمة العربية , وآخر ما كشف من خبايا هذه الصفقة المشؤومة عبر صحيفة ” واشنطن بوست”  , بأن صفقة ترامب لا تتحدث عن إقامة دولة فلسطينية , بمعنى أن الإدارة الأمريكية لا تعترف بنا كشعب له هويته الوطنية والسياسية.

وسط هذا الهجوم المعادي لقضيتنا أمريكياً وصهيونياً , والخذلان العربي والتراجع في المواقف الداعمة للحق الفلسطيني , يبرز لنا الشهداء والأسرى في مشهد وطني ناصع البياض والأكثر تألق في إشراقة بالحقيقة الفلسطينية , وبالتالي يكون من المطلوب إعادة القضية إلى جذورها التاريخية , كقضية وطن إغتصبته عصابات خارجية جُمعت من كافة الدول الغربية , ويكون من الواجب الذي لا يحتمل التأخير , ولا يقوم الوطن بدونه , هو حمل السلاح وإعلان الكفاح من أجل تحرير الوطن من الإحتلال المجرم , يقول الشهيد أبو جهاد ” البوصلة لن تخطئ الطريق ، ستظل تشير إلى فلسطين” , والبوصلة لن تشير إلى فلسطين بدون مقاومة حقيقة وثورة تحرير شاملة , والوطن التي تؤشر نحوه بوصلة الثوار , هو فلسطين كاملة بلا نقصان , فلقد خرج أبو جهاد تاركاً كل ملذات الحياة ورغدها في دول الخليج , ليشكل المجموعات العسكرية من أجل أن يقاتل لتحرير فلسطين , ولم يكن أبدا مشروعه حكما ذاتياً في ( غزة والضفة ) ثمنه الإعتراف بـ ( إسرائيل ) , ومن مقولات الشهيد خليل الوزير  “سنجبر (إسرائيل) على البقاء في حالة استنفار” , بمعنى قتالها على مدار الوقت , فهل التنسيق الأمني يبقي (إسرائيل) في حالة إستنفار ؟!  , وهل إلغاء النصوص التي تؤكد على قتال الإحتلال في الميثاق الوطني يجعلها في حالة إستنفار ؟ ! , أم يجعل إحتلالها بلا تكلفه , يوفر لها الأمن  ولمستوطنيها الأمان , يصرخ أبو جهاد في ذكرى شهادته ” لنستمر في الهجوم، لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة” , يتقاطع ندائه مع صوت الشهيد عبد العزيز الرنتيسي  مهددا المحتل ” سنضربكم في حيفا وصفد وعكا “,  هؤلاء هم الشهداء يقفون على طريق القدس , فمن لحق بخطاهم بلغ الهدف وإن طال المسير , أفاض الله عليهم بالمعرفة والإستشراف , فعرفوا عدوهم حق المعرفة , فلم يكن لهم سوى عدوا واحدا هو العدو الصهيوني , عرفوا الطريق لمقارعته وإستنزافه وهزيمته  وبوابة هذه الطريق هي المقاومة وإستمرارية القتال حتى النصر.

تمتلئ السجون الصهيونية بالأسرى , ويواصل الإحتلال حملات الإعتقالات في مدن الضفة  يومياً , يحاول جاهداً أن يقتل حب فلسطين في قلوب أبنائها , فلماذا يعتقل هؤلاء الأبطال ( شباباً ورجالا , حرائر وأشبال ) ؟ , أنها ضريبة العشق لفلسطين التي تسكن في وجدان أهلها , فينهضوا جميعا لقتال السارق للأرض , المستولي على خيرات البلاد , الساعي لتهويد المقدسات , ومن هؤلاء الأسرى البطل كريم يونس “62” عاما  إبن بلدة عارة الفلسطينية , الذي يمكث في سجون الإحتلال منذ أكثر من سبعة وثلاثين عاما , قاوم كل إغراءات الأسرلة والدمج كعبيد في مجتمع الصهاينة , مقابل فتات من بقايا خيرات بلادنا , ليشكل كريم يونس نموذجاً رائداَ في الحفاظ على بوصلة فلسطين في زمن يحاول البعض أن يرغمنا لكي نغوص حالة التيه والضياع , ليقول لنا أن فلسطين لا تقبل القسمة ولا التجزئة ولن تكون الا كاملة على ترابها الذي جُبل بدماء الشهداء الأخيار , ليعود صوت الشهداء كأذان الفجر يوقظنا كي لا نغفل عن الواجب , ليردد الشهيد عبد العزيز الرنتيسي ” لا نفرق بين فلسطين وفلسطين فيافا كغزة وتل الزهور كرفح والجليل كالخليل لا نفرق بين شبر وشبر من الوطن” , ويثني الشهيد خليل الوزير على كلام الرنتيسي  ويضيف ” رأسنا سيبقى في السماء ، و أقدامنا مغروسة في تراب وطننا ، جماجمنا نُعَبِدُ بها طريق النصر والعودة الأكيدة ” .

يصيغ الشهداء والأسرى بيان الوحدة والتلاحم الوطني , وينثرون وصاياهم بحفظ فلسطين , ويعبئون أسلحة الرفض للمحتل , ويحرضون على قتاله ويرفضون الإرتهان للعجز أو الإنتكاسة أمام الواقع المظلم , فقتال المحتل خير دفاع عن الحق وتأكيد عليه , وأن أي إعتراف بالعدو أو التسليم له بشبر واحد هو تفريط بفلسطين .

الشهداء والأسرى يشكلون وثيقة الحق الفلسطيني التي لا تقبل الشطب والتزوير , مدادها الدماء وسطورها المعاناة والألم , وبوصلتها لا تخطئ , تشير نحو فلسطين والقدس , فهلموا إلى عهدة الشهداء “وحدة ومقاومة ورفض الإعتراف بالمحتل” , ستبدوا فلسطين أكثر وضوحاً والحرية أقرب منالا والإحتلال أسرع زوالا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى