غزة كمنطقة معزولة دولياً

قبل أيام كتب ايدي كوهين، وهو اعلامي بارز وأبرز الباحثين في معهد بيجن-سادات للدراسات، حيال إمكانية اعتبار غزة، منطقة معزولة دولياً، في ظل المتغيرات الكبيرة اقليمياً، واستمرار سيطرة حركة المقاومة حماس على القطاع، وفي ظل استمرار الانقسام الفلسطيني، الذي بات من المؤكد صعوبة جسره.

وبطبيعة الحال، فإنّ المساعي الإسرائيلية لتغيير الواقع في غزة، من حيث تغيير طبيعة المسؤولية عنها، هو حلم إسرائيلي متجدد، ربما زاد من شهيته الواقع الفلسطيني بشكل عام، وواقع غزة بشكل خاص، إلى جانب الترهل الإقليمي، ووجود ترامب في سدة الحكم في البيت الأبيض.

وفق الرؤية الإسرائيلية، فإنّه بالإمكان العمل على حل مشاكل غزة في ظل حكم حركة حماس، على أن يكون هذا الحل من خلال إطار دولي واقليمي، يُعفي “إسرائيل” من أي علاقة، بحيث يتم ادخال كل المراد إدخاله إلى القطاع من خلال المعبر المصري مع غزة.

بهذا ستقوم “إسرائيل” بنقل ثقل المسؤولية عن القطاع إلى الأمم المتحدة، مصر والدول الخليجية التي من المفترض أن تكون الممول لاحتياجات غزة الاقتصادية، على أن يكون ذلك بمحاولة إعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، والقضاء على حكم حماس، بعد استنفاذ وسائل تشديد الحصار على الحركة، بما يضمن استمرار الحد الأدنى من الحياة للسكان.

الواقع المفروض على الأرض حالياً، والسلوك الفلسطيني الداخلي، يمهد بشكل متسارع للوصول إلى حالة القبول الإقليمية والدولية، لفصل غزة عن الضفة، بحيث تكون المرحلة الأولى فيها اخلاء المسؤولية الإسرائيلية عنها، وترك القطاع بقيادته يُعاني في سبيل تحسين أوضاعه التي ستكون باللغة العامية “بالقطارة”، هذا إلى جانب محاولة تجفيف منابع تمويل المقاومة فيها، ومحاولة تعكير الأجواء الأمنية في داخلها.

والحق يُقال أنّ “إسرائيل” نجحت في فرض جزء من الواقع هذا على الأرض، حيث مهدت إلى جعل غزة قطاعاً من المقبول أن يكون تحت الحصار، اقليمياً ودولياً، وتبعه سلوك فلسطينيٌ يُساهم بذلك، الأمر الذي باتت تتحرك مصر باتجاهه، سوء النية المصري لا يُمكن اخفاؤه، لكنّه جاء إلى غزة بصورة المنقذ لبعض مشاكلها، فقابلت الناس سوء السلوك التاريخي، على أمل تحقيق بعض التخفيف من الحصار، الذي يُدرك الجميع أنّ الترح المصري باتجاهه تُسيره الرياح الإسرائيلية، وفق أهواء تل أبيب ومصالحها.

من الناحية الإسرائيلية، سيكون لهذا السيناريو ارتدادات إيجابية كبيرة على المستوى التكتيكي، فهي من الناحية الأولى ستعمل على تأجيل المواجهة مع غزة، علّها تضمن أن تكون هذه المواجهة الحتمية، في ظروف داخلية إسرائيلية أفضل، وفي ظل واقعٍ تكون المقاومة فيه تُعاني من ثقل الحمل، وضيق الحصار، وتعيش حالةً من الانتظار والمفاوضات، علّها تُدرك تحسيناً للواقع المرير.

على الساحة الخارجية، ستُمهد “إسرائيل” لترسيخ أن يحمل الثقل الغزي، مجموعة من الدول، وتحويل الحالة الغزية إلى حالة دولية، وهذا سيزيد من تعقيد الحلّ للقطاع المحاصر، الذي سيجعل من بعض الحلول المقترحة، أكثر تقييداً للمقاومة، ولربما تقود ضدها مواقف دولية، عربية إقليمية، تجعلها أكثر استهدافاً ليس من “إسرائيل” فحسب، بل من كل من لم يرق له النهج الذي سلكته غزة.

وبالمجمل العام فإنّ الأهم اسرائيلياً، هو الحالة التي ستفرضها “إسرائيل” في الضفة الغربية، هذا سيُتيح لها تحت عنوان عدم وجود ممثل فلسطيني، إلى فرض واقع جديد في الضفة الغربية، لا يمثل باحترام وجود كيان سياسي، وإنّما محاولة تثبيت الواقع الحالي، الذي بات يُظهر السلطة على أنّها ليست سوى إدارات محلية، للمناطق الفلسطينية من جنين حتى الخليل.

حصار غزة، وتحويلها إلى منطقة معزولة في ظروف دولية، ربما قد يكون طالعها ارتداداً سلبياً في غزة، إلّا أنّ الواقع يقول أنّ الزلزال الذي يُعد لغزة، سيرتد على الضفة الغربية، فغزة التي وإن حوصرت، لا زالت تمتلك نقاط قوّة تتمثل بوجود مقاومة بلغت سنّ النضج، ستفرض على مجموع اللاعبين جزءاً على الأقل من شروطها، التي ربما ستضطر لتثبيتها خوض جولة من التصعيد، لكن بالتأكيد في المسار يتجه للانفراج في غزة، سواءً أكان ذلك بحلول قريبة المدى، أو متوسطة تخوض فيها غزة، ما سيؤلم الاحتلال ويدفعه للتوافق على حلول معينة، يكون هو فيها قد جنى تثبيت الانفصال ما بين شقي الوطن.

* مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى